الباحث القرآني

وقوله عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ الآية، وعَشَا يَعْشُو معناه: قَلَّ الإبصارُ منه، ويقال أيضاً: عَشِيَ الرجلُ يعشى: إذا فَسَدَ بَصَرُه، فلم يَرَ، أَو لَمْ يَرَ إلاَّ قليلاً، فالمعنى في الآية: ومَنْ يَقِلُّ بَصَرُهُ في شرع اللَّه، ويغمضُ جفونه عن النَّظَرِ في ذِكْرِ الرحمن، أي: فيما ذكَّر به عباده، أي: فيما أنزله من كتابه، وأوحاه إلى نَبِيِّه. وقوله: نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً أي: نُيَسِّرْ له، ونُعِدَّ، وهذا هو العقاب على الكفر بالحتم وعدمِ الفلاحِ، وهذا كما يقال: إنَّ اللَّه تعالى يُعَاقِبُ على المعصية بالتزيُّد في المعاصي، ويجازي على الحسنة بالتزيُّد من الحَسَنَاتِ، وقد روي هذا المعنى مرفوعاً. قال- ص-: وَمَنْ يَعْشُ الجمهور بضم الشين [[ينظر: «الدر المصون» (6/ 98) .]] ، أي: يتعام ويتجاهل، ف مَنْ شرطية، ويَعْشُ مجزوم بها، ونُقَيِّضْ جوابُ مَنْ، انتهى، والضمير في قوله: وَإِنَّهُمْ عائد على الشياطين، وفيما بعده عائد على الكُفَّارِ، وقرأ نافع وغيره [[وقرأ بها ابن كثير وابن عامر، وأبو بكر. ينظر: «السبعة» (586) ، و «الحجة» (6/ 150) ، و «إعراب القراءات» (2/ 297) ، و «معاني القراءات» (2/ 365) ، و «شرح الطيبة» (2/ 222) ، و «العنوان» (171) ، و «حجة القراءات» (650) ، و «شرح شعلة» (577) ، و «إتحاف» (2/ 456) .]] : «حَتَّى إذَا جَاءَانَا» على التثنية، يريد: العاشي والقرين قاله قتادة وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 189) برقم: (30869) ، وذكره ابن عطية (5/ 55) .]] ، وقرأ أبو عمرو وغيره: «جَاءَنا» يريد العاشي وحدَه [[ينظر: مصادر القراءة السابقة.]] ، وفاعل قالَ هو العَاشِي، قال الفخر [[ينظر: «تفسير الفخر الرازي» (27/ 183) .]] : وروي أنّ الكافر إذا بُعِثَ يوم القيامة من قبره أَخَذَ شَيْطَانٌ بيده، فلم يُفَارِقْهُ حتى يصيِّرهما اللَّه إلى النار، فذلك حيث يقول: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ انتهى. وقوله: بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ يحتمل مَعَانِيَ: أحدها: أن يريد بُعْدَ المشرق من المغرب، فَسَمَّاهما مَشْرِقَيْنِ كما يقال القَمَرَانِ، والعُمَرَانِ. والثاني: أنْ يريد مشرق الشمس في أطول يوم، ومشرقها في أقصر يوم. والثالث: أنْ يريد بعد المشرقَيْنِ من المغربين، فاكتفى بذكر المشرقين. قلت: واستبعد الفَخْرُ التأويل الثاني قال: لأنّ المقصود من قوله: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ المبالغةُ في حصول البُعْدِ، وهذه المبالغة إنَّما تحصل عند ذكر بُعْدٍ لا يمكن وُجُودُ بُعْدٍ أزيدَ منه، والبُعْدُ بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف ليس كذلك، فَيَبْعُدُ حَمْلُ اللَّفْظِ عليه قال: والأكْثَرُونَ عَلَى التأويل الأَوَّلِ، انتهى. وقوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ ... الآية، حكايةٌ عن مقالة تُقَالُ لهم يوم القيامة، وهي مقالة مُوحِشَةٌ فيها زيادةُ تعذيبٍ لهم ويأْسٍ من كل خير، وفاعل يَنْفَعَكُمُ الاشتراك، ويجوز أنْ يكون فاعل يَنْفَعَكُمُ التّبرّي الذي يدل عليه قوله: يا لَيْتَ. وقوله سبحانه: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ... الآية، خطاب للنّبيّ ﷺ وباقي الآية/ تكرَّر معناه غيرَ ما مَرَّةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب