الباحث القرآني

وقوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ يحتمل أن يريد بالدرجات صفاته العلى، وعبَّر بما يَقْرُبُ من أفهامِ السامعينَ، ويحتمل أنْ يريدَ: رفيعُ الدرجاتِ التي يُعْطِيها للمؤمنينَ، ويتفضَّلُ بها على عبادِهِ المُخْلِصِينَ في جَنَّتِهِ، والْعَرْشِ هو الجِسْمُ المخلوقُ الأعْظَمُ الذي السموات السَّبْعُ والكرسيُّ والأَرَضُونَ فيه كالدنانيرِ في الفَلاَةِ من الأرض. وقوله تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال الضَّحَّاك: الرُّوحُ هنا هُو: الوَحْيُ القُرْآنُ وغيره مما لَمْ يُتْلَ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 46) برقم: (30301) عن الضحاك، وبرقم: (30300) عن قتادة، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 550) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 650) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة.]] وقال قَتَادَةُ والسُّدِّيُّ: الرُّوحُ: النُّبُوَّة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 47) برقم: (30303) عن السدي، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 550) .]] ومكانتُها كما قال تعالى: رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] وسمى هذا رُوحَاً لأنه تَحْيَا به/ الأمَم والأزمانُ كما يَحْيَا الجَسَدُ برُوحِهِ، ويحتملُ أَن يكونَ إلقاءُ الرُّوحِ عامًّا لِكُلِّ ما يُنْعِمُ اللَّهُ بِهِ على عبادِهِ المهتَدِينَ في تفهيمه الإيمانَ والمعقولاتِ الشريفةَ، والمُنْذِرُ بيومِ التَّلاقِ على هذا التأويلِ هو اللَّهُ تعالى، قال الزَّجَّاج: الرُّوحُ كُلُّ ما فيهِ حَيَاةُ النَّاسِ، وكُلُّ مُهْتَدٍ حَيٌّ، وكلُّ ضَالٍّ كالمَيتِ. وقوله: مِنْ أَمْرِهِ إنْ جعلته جِنْساً للأمورِ ف «مِنْ» للتَّبعيضِ أو لابتداءِ الغَايَةِ، وإنْ جَعَلْتَ الأمْرَ مِنْ معنى الكلامِ ف «مِنْ» إما لابتداءِ الغايةِ، وإمَّا بمعنى الباءِ، ولا تكونُ للتبعيضِ بَتَّةً، وقرأ الجمهور: «لتنذر» بالتاء على مخاطبةِ النبيّ ﷺ، وقرأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وجماعةٌ: «لينذر» [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 551) ، و «البحر المحيط» (7/ 437) ، و «الدر المصون» (6/ 33) .]] بالياء، ويَوْمَ التَّلاقِ معناه: تلاقِي جميعِ العالمِ بعضِهم بعضاً، وذلك أمرٌ لَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ. وقوله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ معناه في براز من الأرض يسمعهم الدّاعي وينفذهم البَصَرُ. وقوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ رُوِيَ أَنَّ اللَّه تعالى يُقَرِّرُ هذا التقريرَ، ويَسْكُتُ العالم هيبة وجزعا، فيجيب- هو نفسُهُ بقوله: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، ثم يُعْلِمُ اللَّهُ تعالى أَهْلَ المَوْقِفِ بأنَّ اليَوْمَ تجزى كُلُّ نفسٍ بما كسبتْ، وَبَاقِي الآيةِ تَكَرَّر مَعْنَاهُ، فانْظُرْهُ في مواضِعه. ثم أمر الله تعالى نبيّه ع بإنْذارِ العَالَمِ وتحذيرِهِمْ مِنْ يومِ القيامةِ وأهوالِه، و «الآزِفَة» : القريبةُ مِنْ أَزِفَ الشيءُ إذا قرب، والْآزِفَةِ في الآية: صِفَةٌ لمحذوفٍ قَدْ عُلِمَ واسْتَقَرَّ في النفوس هولُه، والتقديرُ يَوم الساعة الآزفة، أو الطّامة: الآزفة، ونحو هذا. وقوله سبحانه-: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ معناه: عندَ الحناجِر، أي/ قد صَعِدَتْ من شِدَّةِ الهولِ والجزع، والكَاظِمُ الَّذِي يردُّ غيظَهُ وجزعَهُ في صَدْرِهِ، فمعنى الآية: أنهم يَطْمَعُونَ في رَدِّ ما يجدونه في الحناجر، والحال تغالبهم، ويُطاعُ في مَوْضِعِ الصفةِ ل شَفِيعٍ لأن التقدير: ولا شفيعٍ مطاعٍ، قال أبو حيان [[ينظر: «البحر المحيط» (7/ 438) .]] يُطاعُ في مَوْضِعِ صفة ل شَفِيعٍ، فيحتملُ أنْ يكونَ في موضعِ خَفْضٍ على اللفظِ، أو في موضِع رفعٍ على الموضِعِ، ثم يحتملُ النَّفيُ أنْ يكونَ مُنْسَحِباً على الوصْفِ فقَطْ، فيكونُ ثَمَّ شَفِيعٌ، ولكنَّه لا يُطَاعُ، ويحتملُ أن يَنْسَحِبَ على الموصوفِ وصفتهِ، أي: لا شفيعَ فيطاعَ، انتهى. وهذا الاحتمالُ الأخير هو الصوابُ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 552) .]] : وهذهِ الآيةُ كُلُّها عندي اعتراض في الكلام بليغ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب