الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ ... الآية: الْإِنْسانَ هنا: الكافرُ، وهذه الآيةُ بَيَّنَ تعالى بها عَلَى الكُفَّارِ، أنَّهُمْ على كلّ حال يلجؤون إليه في حال الضرورات، وخَوَّلَهُ معناه مَلكه وحكَّمَه فيها ابتداءً من اللَّهِ لاَ مُجَازَاةً، ولا يقالُ في الجزاء «خَوَّلَ» . وقوله تعالى: نَسِيَ مَا كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ قالت فرقة: «ما» مصدريةٌ، والمعنى: نسِيَ دعاءَه إليه في حالِ الضَّرُورَةِ، وَرَجَعَ إلى كُفْرِهِ، وقالت فرقة: «ما» بمعْنَى الذي، والمرادُ بها اللَّه تعالى، أي: نسي اللَّه، وعبارة الثعلبي: قوله: نَسِيَ مَا كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ أي: تَرَكَ عبادَة اللَّه تعالى والتضرُّعَ إليهِ من قَبْلُ في حال الضُّرِّ انتهى» وباقي الآية بيِّنٌ. وقوله تعالى: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ» بتخفيف الميمِ، هي قراءة نافعٍ وابنِ كَثِيرٍ وحمزة [[ينظر: «الحجة» (6/ 92) ، و «معاني القراءات» (2/ 335) ، و «شرح الطيبة» (5/ 196) ، و «العنوان» (165) ، و «حجة القراءات» (620) ، و «شرح شعلة» (567) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (2/ 428) .]] ، والهَمْزةُ للتقرير والاستفهام، وكأنه يقولُ: أهذا القانتُ خَيْرٌ أم هذا المذكورُ الذي يتمتَّعُ بكُفْرِهِ قليلاً، وهو من أَصْحَاب النار، وقرأ الباقونَ: «أَمَّنْ» بتشديدِ الميمِ، والمعنى: أهذا الكافرُ خَيْرٌ أمَّنْ هُو قَانِتٌ؟ والقانتُ: المطِيعُ وبهذا فسَّره ابنُ عبَّاس- رضي اللَّه عنهما [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 621) برقم: (30088) عن ابن عبّاس وبرقم: (30089) عن السدي، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 523) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 47) .]] -، والقُنُوتُ في الكلام يَقَع عَلى القِراءةِ وَعَلى طُولِ القيامِ في الصلاةِ وبهذا/ فسَّره ابنُ عُمَرَ- رَضِي اللَّه عنهما [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 621) برقم: (30087) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 73) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 523)]] - قال الفَخْرُ [[ينظر: «تفسير الرازي» (26/ 219) .]] : قيل: إن المراد بقوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ: عُثْمَانُ بْنُ عفَّانَ لأنَّه كَان يُحْيِي الليل، والصحيحُ أنها عامَّةٌ في كلِ من اتَّصَفَ بهذه الصِّفَةِ، وفي هذه الآية تنبيهٌ على فضلِ قيامِ الليلِ، انتهى، ورُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ أَنَّه قالَ: «مَنْ أحَبَّ أَنْ يُهَوِّنَ اللَّهُ عليه الوقوفَ يوم القيامةِ، فَلْيَرَهُ اللَّهُ في سَوَادِ اللَّيْلِ سَاجِداً وقائِماً» [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 523) .]] ، ت قال الشيخ عبدُ الحَقِّ في «العَاقِبَةِ» : وعن قَبِيصَةَ بْنِ سُفْيَانَ قال: رأيتُ سُفْيانَ الثَّوْرِيَّ في المنام بعد موته فقلتُ له: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: [الطويل] نَظَرْتُ إلى رَبِّي عِيَاناً فَقَالَ لِي ... هَنِيئاً رِضَائي عَنْكَ يَا بْنَ سَعِيدِ لَقَدْ كُنْتَ قَوَّاماً إذَا اللَّيْلُ قَدْ دَجَا ... بِعَبْرَةِ مَحْزُونٍ وَقَلْبِ عَمِيدِ فَدُونَكَ فاختر أَيَّ قَصْرٍ تُرِيدُه ... وَزُرْنِي فَإنِّي مِنْكَ غَيْرُ بَعِيدِ [[ينظر: الأبيات في «العاقبة» (137) .]] وكَانَ شُعْبَة بن الحَجَّاج، ومِسْعَرُ بْن كِدَامٍ، رجلَيْنِ فَاضِلَيْنِ، وكانَا مِنْ ثِقَاتِ المُحَدِّثينَ وحُفَّاظِهِم، وكان شُعْبَةُ أَكْبَرَ فَمَاتَا، قال أبو أحمد اليزيديّ، فرأيتهما في النوم، وكنتُ إلى شُعْبَةَ أَمْيَلَ مِنِّي إلى مِسْعَرٍ، فقلتُ: يا أبا بِسْطَامَ ما فَعَلَ اللَّهُ بك؟ فقال: وَفَّقَكَ اللَّه يا بُنَيَّ، احفظ ما أقُولُ: حَبَانِي إلهي فِي الْجِنِانِ بِقُبَّة ... لَهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَجَوْهَرَا وَقَالَ لِيَ الْجَبَّارُ: يَا شُعْبَةُ الَّذِي ... تَبَحَّرَ في جَمْعِ الْعُلُومِ وَأَكْثَرَا تَمَتَّعْ بِقُرْبِي إنَّنِي عَنْكَ ذُو رِضاً ... وَعَنْ عَبْدِيَ القَوَّامِ في اللَّيْلِ مِسْعَرَا كفى مِسْعَراً عِزًّا بِأنْ سَيَزُورُنِي ... وَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي وَيَدْنُو لِيَنْظُرَا وهذا فِعَالِي بِالَّذِينَ تَنَسَّكُوا ... وَلَمْ يَأْلَفُوا في سَالِفِ الدَّهْرِ مُنْكَرَا [[ينظر: الأبيات في «العاقبة» (138) .]] انتهى. «والآناء» : الساعاتُ واحدها/ «إنًى» كَ «مِعًى» ويقال: «إِنْيٌ» - بكسر الهمزة وسكون النون-، و «أَنًى» على وزن «قَفاً» . وقوله سبحانه: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قال ابْنُ الجوزيِّ في «المُنْتَخَبِ» : يقولُ اللَّه تعالى: «لاَ أجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلاَ أَمْنَيْنِ مَنْ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا، أَمَّنْتُهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ أَمِنَنِي في الدُّنْيَا خَوَّفْتُهُ في الآخِرَةِ» ، يَا أَخِي امتطَى القَوْمُ مَطَايَا الدجى على مَرْكَبِ السَّهَرِ، فَمَا حَلُّوا وَلاَ حَلُّوا رِحَالَهُمْ حَتَّى السَّحَرْ، دَرَسُوا القُرآن فَغَرَسُوا بِأَيْدِي الْفِكْرِ أَزْكَى الشَّجَرْ، وَمَالُوا إلى النُّفُوسِ بِاللَّوْمِ فَلاَ تَسْأَلْ عَمَّا شَجَرْ، رَجَعُوا بِنَيْلِ القَبُولِ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرْ، وَوَقَفُوا على كَنْزِ النَّجَاةِ وَمَا عِنْدَكَ خَبَرْ، فإذا جَاء النَّهَارُ قَدَّمُوا طَعَامَ الجُوعِ، وَقَالُوا لِلنَّفْسِ: هَذَا الَّذِي حَضَرْ، حَذَوْا عزَمَاتٍ طَاحَتِ الأَرْضُ بَيْنَهَا، فَصَارَ سُرَاهُمْ في ظُهُورِ العَزَائِمْ، تَرَاهُمْ نُجُومَ اللَّيْلِ مَا يَبْتَغُونَهُ على عَاتِقِ الشعرى وَهَامِ النَّعَائِمْ، مَالَتْ بِالقَوْمِ رِيحُ السَّحَرِ مَيْلَ الشَّجَرِ بِالأَغْصَانْ، وَهَزَّ الخَوْفُ أَفْنَانْ القُلُوبِ فانتشرت الأَفْنَان، فَالقَلْبُ يَخْشَعُ واللِّسَانُ يَضْرَعُ وَالعَيْنُ تَدْمَعُ وَالوَقْتُ بُسْتَانْ، خَلَوْتُهُمْ بِالحَبِيبِ تَشْغَلُهُمْ عَنْ نُعْمٍ وَنَعْمَانْ، سُرُورُهُمْ أَسَاوِرُهُمْ وَالخُشُوعُ تِيجِانْ، خُضُوعُهُمْ حُلاَهُمْ وَمَاءُ دَمْعِهِمْ دُرٌّ وَمَرْجَانْ، بَاعُوا الْحِرْصَ بِالقَنَاعَةِ فَمَا مُلكُ أَنُوشِرْوَان، فَإذَا وَرَدُوا القِيَامَةَ تَلَقَّاهُمْ بَشَرٌ: لَوْلاَكُمْ مَا طَابَ الجِنَانْ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانْ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْهُمْ يَا نَائِمُ كَيَقْظَانْ، كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَيْنَ الشُّجَاعُ مِنَ الجَبَانْ، مَا لِلْمَوَاعِظِ فِيكَ نُجْحٌ، مَوْضِعُ القَلْبِ/ بِاللَّهْوِ مِنْكَ مَلآنْ، يَا أَخِي، قِفْ على بَابِ النَّجَاحِ ولكن وُقُوفَ لُهْفَانْ، واركب سُفُنَ الصَّلاَحِ، فهذا المَوْتُ طُوفَانْ، إخْوَانِي، إنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَرَاحِلْ وَمَرْكَبُ العُمْرِ قَدْ قَارَبَ السَّاحِلْ، فانتبه لِنَفْسِكَ وازدجر يَا غَافِلْ، يَا هَذَا، أَنْتَ مُقِيمٌ فيَّ مُنَاخِ الرَّاحِلِينَ ويحك اغتنم أيّام القدرة قبل صَيْحَةِ الانْتِزَاعِ، فَما أقْرَب مَا يُنْتَظَرْ، وَمَا أقلّ المكث فيما يزول ويتغيّر. انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب