الباحث القرآني

وقوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ تقوِيَةٌ لنفس النبيّ ﷺ، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ: «عباده» [[ينظر: «السبعة» (562) ، و «الحجة» (6/ 95) ، و «معاني القراءات» (2/ 338) ، و «شرح الطيبة» (5/ 198) ، و «العنوان» (165) ، و «حجة القراءات» (622) ، و «شرح شعلة» (567) ، و «إتحاف» (2/ 429) .]] يريد الأنبياءَ، وأنتَ يَا محمدُ أحدُهُمْ، فيدخلُ في ذلكَ المُؤْمِنُونَ المطيعُونَ والمتوكِّلُونَ على اللَّه سُبْحَانَهُ. وقوله سبحانه: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أيْ: بالذين يَعْبُدُونَ، وباقي الآية بَيِّنٌ، وقد تقدَّم تفسيرُ نظيرِهِ. وقوله تعالى: فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ، أيْ: فلنفسه عَمِلَ وسعى، ومَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا جنى، ثم نبَّه تعالى على آية مِنْ آياته الكبرى، تدِلُّ الناظِرَ على الوحدانيَّةِ، وأنَّ ذلك لا شِرْكَةَ فيه لِصَنَمٍ، وهي حالةُ التَّوَفِّي، وذلكَ أَنَّ ما تَوَفَّاهُ اللَّهُ تعالى على الكَمَالِ، فهو الذي يَمُوتُ، وما تَوَفَّاهُ تَوفِّياً غَيرَ مُكَمَّلٍ فهو الذي يكونُ في النَّوْم، قال ابن زيد: النوم وفاة والموتُ وفاة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (11/ 10) برقم: (30163) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 533) .]] وكثَّرَ الناسُ في هذه الآية، وفي الفَرْقِ بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وَفَرَقَ قَوْمٌ بَيْنَ نَفْسِ التمييزِ ونفس التخيُّل إلى غير ذلك مِن الأقوال التي هي غَلَبةُ ظَنٍّ، وحقيقةُ الأمْرِ في هذا هي مما استأثر اللَّه به وَغَيَّبَهُ عن عِبَادِهِ في قوله: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: 85] ، ويكفيكَ أن في هذه الآية يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ، وفي الحديثِ الصحيحِ: إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أرْوَاحَنَا حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْنَا حِينَ شَاءَ [[أخرجه البخاري (2/ 79- 80) كتاب «مواقيت الصلاة» باب: الأذان بعد ذهاب الوقت برقم: (595) ، (13/ 455) كتاب «التوحيد» باب: في المشيئة والإرادة (7471) ، وأحمد (5/ 307) ، والبيهقي (1/ 403- 404) كتاب «الصلاة» باب: الأذان والإقامة للفئة، (2/ 216) كتاب «الصلاة» باب: لا تفريط على من نام عن صلاة أو نسيها، وأبو داود (1/ 174) كتاب «الصلاة» باب: من نام عن صلاة أو نسيها (439) ، والنسائي (2/ 105- 106) كتاب «الإمامة» باب: الجماع للفائت من الصلاة برقم: (846) ، وابن حبان في «صحيحه» (4/ 448) كتاب «الصلاة» باب: ذكر خبر أوهم غير المتبحر في صناعة العلم: أن الصلاة الفائتة لا تؤدى عند طلوع الشمس حتى تبيض، (1579) ، وذكره البغوي في «شرح السنة» (2/ 86) كتاب «الصلاة» باب: الأذان للفائتة والإقامة لها (439) . كلهم عن أبي قتادة عن أبيه، إلا أن بعضهم زاد، وبعضهم رواه مختصرا.]] . وفي حديث بلالٍ في الوَادي فقد نطقتِ الشريعةُ بقَبْضِ الرُّوحِ والنَّفْس، وقد قال تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي والظاهرُ أنَّ الخَوْضَ في هذا كُلِّهِ عَنَاءٌ، وإنْ كَان قَد تعرَّضَ للقَوْلِ في هذا ونحوه أئمةٌ، ذَكَرَ الثعلبيُّ عن ابن عباس أنه قال: «في ابن آدم نَفْسٌ ورُوحٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ، فالنَّفْسُ هِيَ الَّتي بها العَقْلُ والتمييزُ، والرُّوحُ هي التي بها النَّفَسُ والتَّحَرُّكُ، فإذا نام العَبْدُ قَبَضَ اللَّهُ تعالى نَفْسَهُ ولم يَقْبِضْ رُوحَه» [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 534) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 616) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، وجاءَ في آداب النَّوم وأذكار النائِم أحاديثُ صحيحةٌ ينبغي للعبدِ ألاَّ يُخْلِيَ نفسَه مِنها، وقد روى جابرُ بن عبد اللَّه عن النبيّ ﷺ أنَّه قال: «إذا أَوَى الرَّجُلُ إلى فِرَاشِهِ، ابتدره مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، فيقُولُ المَلَكُ: اختم بِخَيْرٍ، ويقُولُ الشَّيْطَانُ: اختم بِشَرٍّ، فَإنْ ذَكَرَ اللَّهَ تعالى، ثُمَّ نَامَ بَاتَ المَلَكُ يَكْلَؤُهُ، فَإنِ استيقظ قال الملكُ: افتح بِخَيْرٍ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ: افتح بِشَرٍّ، فإنْ قَالَ: الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي رَدَّ إلَيَّ نَفْسِي، وَلَمْ يُمِتْهَا في مَنَامِهَا، الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ، وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ/ إلاَّ بِإذْنِهِ، إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ، فإن وَقَعَ مِنْ سَرِيرهِ، فَمَاتَ، دَخَلَ الجنة» [[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1/ 548) كتاب «الدعاء» ، وابن حبان (7/ 389- 390) - الموارد]] ، رواه النسائي، واللفظ له، والحاكمُ في «المستدرك» وابن حِبَّانَ في «صحيحه» ، وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ، وزاد آخره: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» انتهى من «السِّلاح» ، وفيه عن أبي هريرةَ عن النبي ﷺ قال: مَنْ قَالَ حِينَ يَأوِي إلى فِرَاشِهِ: «لا إله إلا الله وحده لا شريك لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، - غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ أَوْ خَطَايَاهُ- شَكَّ مِسْعَرٌ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» [[أخرجه ابن حبان (7/ 394) - الموارد (2365) ، وابن حبان (12/ 338) كتاب «الزينة والتطيب» باب: آداب الطعام، وذكر الشيء الذي يغفر الله ذنوب قائله إذا أوى إلى فراشه (5528) ، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (727) ، وأبو نعيم في «أخبار أصفهان» (1/ 267) ، وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (1/ 468) كتاب «النوافل» باب: الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوي إلى فراشه وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى، برقم: (879) ، والهندي في «كنز العمال» (15/ 347- 348) (41323) وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد في «المسند» (2/ 10) .]] رواه ابن حِبَّان في «صحيحه» ، ورواه النسائي موقوفاً، انتهى، وروى التِّرمذيُّ عن أبي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقولُ: «مَنْ أوى إلى فِرَاشِهِ طَاهِراً يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ، لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يسألُ اللَّهَ شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ» [[أخرجه الترمذي (5/ 540) كتاب «الدعوات» باب: (93) (3526) والطبراني في «المعجم الكبير» (8/ 147) (7568) ، وذكره المنذري في «الترغيب والترهيب» (1/ 463) ، كتاب «النوافل» باب: الترغيب في أن ينام الإنسان طاهرا ناويا للقيام (869) ، والنووي في «الأذكار» (134) كتاب «ما يقوله إذا دخل في الصلاة» باب: ما يقرأ في الوتر وما يقوله بعدها (26/ 242) . قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وللحديث شاهد نحوه من حديث معاذ بن جبل: أخرجه ابن ماجه (2/ 1277) كتاب «الدعاء» باب: ما يدعو به إذا انتبه من الليل (3881) ، والنسائي في «الكبرى» (6/ 201) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ثواب من أوى طاهرا إلى فراشه يذكر الله تعالى حتى تغلبه عيناه (10642/ 2) ، وأبو داود (2/ 370) كتاب «الأدب» باب: في النوم على طهارة (5042) ، وأحمد (5/ 234، 235، 241، 244) ، وذكره]] ، انتهى، والأجَلُ المسمّى في هذه الآيةِ: هُوَ عُمْرُ كُلِّ إنْسَانٍ، والضمائرُ في قوله تعالى: أَوَلَوْ كانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ: للأصنام.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب