الباحث القرآني

وقوله سبحانه: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ... الآية، هَذا مَثَلٌ ضربَه اللَّهُ سبحانه في التوحيدِ، فَمَثَّلَ تعالى الكافرَ العابِدَ للأوثانِ والشياطينِ بِعَبْدٍ لرِجَالٍ عِدَّةٍ في أَخْلاَقِهِم شَكَاسَةٌ وَعَدَمُ مُسَامَحَةٍ فهم لذلك يُعَذِّبُونَ ذلك العَبْدَ بتضايقهم في أوقاتهم، ويضايِقُون العبدَ في كثْرَةِ العَمَلِ فهو أبَداً في نَصَبٍ منهم وعناءٍ، فكذلك عَابِدُ الأوْثَانِ الذي يَعْتَقِدُ أَنَّ ضُرَّهُ ونَفْعَهُ عِنْدَهَا هو معذَّبُ الفِكْرِ بِهَا وبحراسَةِ حَالِهِ مِنْهَا، ومتى تَوَهَّمَ أنه أرضى صَنَماً بالذبحِ له في زعمِه، تَفَكّر فيما يصنعُ معَ الآخرِ فهو أبداً تَعِبٌ في ضلالٍ، وكذلك هو المُصَانِعُ للنَّاس المُمْتَحَنُ بخدمةِ الملوكِ، / ومَثَّلَ تَعالى المُؤْمِنَ باللَّهِ وحدَهُ بعَبْدٍ لرجُلٍ واحدٍ يُكَلِّفُه شُغْلَهُ فهو يعمله على تُؤدَةٍ وقَدْ سَاسَ مَوْلاَهُ، فالمولى يَغْفِر زَلَّتهُ ويشكُرُه على إجادةِ عمله، ومَثَلًا مفعول ب ضَرَبَ ورَجُلًا نصب على البدل ومُتَشاكِسُونَ معناه: لا سَمْحَ في أخلاقِهم بل فيها لَجَاجٌ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «سالماً» [[ينظر: «السبعة» (562) ، و «الحجة» (6/ 94) ، و «معاني القراءات» (2/ 338) ، و «شرح الطيبة» (5/ 197) ، و «العنوان» (165) ، و «حجة القراءات» (622) ، و «شرح شعلة» (567) ، و «إتحاف» (2/ 429) .]] أي: سالماً من الشّرْكَة، ثم وَقَفَ تعالى الكفارَ بقوله: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا ونَصْبُ مَثَلًا على التمييز وهذا التوقيفُ لا يجيبُ عَنْهُ أحدٌ إلاَّ بأنهما لا يستويان فلذلك عَامَلَتْهُمُ العِبَارَةُ الوجيزةُ على أنهم قد أجابوا، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ أي: على ظهور الحجَّةِ عليكم من أقوالِكم، وباقي الآية بيِّن. والاخْتِصَامُ في الآية قيلَ: عَامٌّ في المؤمنِين والكَافِرين، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 530) .]] : ومعنى الآيةِ عندي: أن اللَّه تعالى تَوَعَّدَهُم بأنهم سيَتَخاصَمُونَ يَوْمَ القيامةِ في معنى ردِّهم في وجهِ الشريعةِ وتكذيبِهمْ لرسول اللَّه ﷺ، وَرَوَى الترمذيُّ من حديث عبد اللَّه بن الزُّبَيْرِ قال: «لما نَزَلَتْ: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال الزُّبَيْرُ: يا رسول الله: أتكرّر عَلَيْنَا الخُصُومَةُ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا في الدُّنْيَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: إنَّ الأَمْرَ إِذَنْ لشديد» [[أخرجه الترمذي (5/ 370) كتاب «تفسير القرآن» باب: ومن سورة الزمر (3236) ، والحاكم (2/ 435) كتاب «التفسير» ، والحميدي (1/ 33- 34) (62) ، وأحمد (1/ 164، 167) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 613- 614) ، وعزاه إلى عبد الرزاق، وابن منيع، وابن مردويه، وأبو نعيم في «الحلية» ، والبيهقي في «البعث والنشور» . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه.]] انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب