الباحث القرآني

[وهي] مكّيّة بإجماع غير ثلاث آيات نزلت في شأن وحشيّ قاتل حمزة بن عبد المطّلب، وهي قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ... الآيات، وقالت فرقة: إلى آخر السورة هو مدني، وقيل: فيها مدني سبع آيات. قوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ ... الآية، تَنْزِيلُ رفعُ بالابتداءِ، والخبرُ قوله: مِنَ اللَّهِ وقالتْ فرقَة: تَنْزِيلُ خَبَرُ مبتدإ محذوفٍ، تقديرُه: هذا تنزيلٌ، والإشَارَةُ إلى القرآنِ قاله المفسرون، ويظهرُ لِي أَنَّه اسمٌ عامٌ لجميعِ ما تَنَزَّلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فكأنَّه أخْبَرَ إخباراً مجرَّداً أَنَّ الكُتُبَ الهاديةَ الشارِعَة إنما تَنْزيلُهَا من اللَّه تعالى، وجَعَلَ هذا الإخْبَارَ تَقْدِمَةً وتَوْطِئَةً لقوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ. وقوله: بِالْحَقِّ معناه: متضمِّناً الحَقَّ، أي: بالحقِّ فيه، وفي أحْكَامِهِ وأخباره، والدِّينَ هنا يَعُمُّ المُعْتَقَدَاتِ وأعمالَ الجَوَارِحِ، قال قتادة: والدِّينُ الْخالِصُ: «لا إله إلّا الله» [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 611) برقم: (30046) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 71) ، وابن عطية (4/ 518) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 45) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 602) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.]] . وقوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ... الآية، أي: يقولون مَا نَعْبُدُهُمْ إلا ليُقَرِّبُونَا إلى اللَّه زلفى، وفي مصحف ابن مسعودٍ: «قَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ» [[وقرأ بها مجاهد وابن جبير. ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 518) ، و «الكشاف» (4/ 111) ، و «البحر المحيط» (7/ 398) .]] وهي قراءة ابن عبَّاس وغيرِه، وهذه المقالة شائعةٌ في العرب في الجاهلية يقولون في معبوداتِهم منَ الأصْنام وغيرها: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه، قال مجاهد: وقد قال ذلك قومٌ من اليهودِ في عزيز، وقوم من النصارى في عيسى [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 611) برقم: (30048) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 518) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 603) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.]] . وزُلْفى بمعنى قُرْبَةٍ وتَوْصِلَةٍ، [كأنهم] قَالُوا ليقرِّبونا إلى اللَّه تَقْرِيباً، وكأنَّ هذه الطوائفَ كلَّها تَرَى نُفُوسَها أقلَّ من أن تَتَّصِلَ هي باللَّه، فكانت ترى أن تتّصل بمخلوقاته. وزُلْفى عند سيبَوَيْهِ، مَصْدَرٌ في موضع الحال كأَنَّه تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ «مُتَزَلِّفِينَ» والعاملُ فيه لِيُقَرِّبُونا، وقرأ الجَحْدَرِيُّ [[ينظر: «مختصر الشواذ» (131) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 518) ، وزاد نسبتها إلى أنس بن مالك، ثم قال: ورويت عن الحسن، والأعرج، ويحيى بن يعمر. وينظر: «البحر المحيط» (7/ 399) ، و «الدر المصون» (6/ 5) .]] «كذَّابٌ كَفَّارٌ» بالمبالَغَةِ فيهما، وهذه المبالغةُ إشارةٌ إلى التَوَغُّلِ في الكُفْرِ. وقوله تعالى: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً معناه: اتِّخَاذُ التشريفِ والتبنِّي وعلى هذا يستقيمُ قولُه تعالى: لَاصْطَفى / مِمَّا يَخْلُقُ وأمَّا الاتخاذُ المعهودُ في الشاهدِ فَمُسْتَحِيلٌ أن يُتَوَهَّمَ في جهة اللَّه تعالى، ولا يستقيمُ عليه معنى قوله: لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ، وقوله تعالى: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً [مريم: 92] لفظٌ يعمُّ اتخَاذَ النسلِ واتخاذَ الاصطِفاء، فأما الأول فمعقولٌ، وأمَّا الثاني فمعروفٌ بخبر الشرع، ومما يدل على أن مَعْنى قوله: أَنْ يَتَّخِذَ إنما المقصودُ به اتخاذُ اصطفاء، وَتَبَنٍّ- قولُهُ: مِمَّا يَخْلُقُ أي: مِنْ موجوداتِه ومُحْدَثَاتِه- ثم نَزَّهَ سبحانه نفسَه تنزيهاً مطلقاً عن كلِّ ما لاَ يَلِيقُ بهِ سبحانه. وقوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ ... الآية، معناه: يُعِيدُ مِنْ هَذَا على هذا، ومنه كُورُ العِمَامَة التي يَلْتَوِي بعضُها على بعض، فكأن الذي يطولُ من النهار أو الليل يصيرُ مِنْه على الآخرِ جُزْءٌ فيستُرُهُ، وكأن الآخرَ الذي يَقْصُرُ يَلِجُ في الذي [[من هنا انتقلنا بالترقيم من على المخطوط من النسخة (د) .]] يَطولُ، فيستتر فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب