الباحث القرآني

وقوله تعالى: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ ... الآية، كَانَ لسليمانَ كُرْسِيٌّ فيه جنودُهُ، وتأتي/ عليه الريحُ الإعصارُ، فَتَنْقُلُهُ من الأرضِ حتى يَحْصُلَ في الهواء، ثم تتولاَّهُ الرُّخَاءُ وهي اللَّيِّنَةُ القويَّةُ لا تَأْتِي فيها دُفْعٌ مُفْرِطَةٌ فَتَحْمِلُهُ غُدُوُّهَا شهر ورواحها شهر، وحَيْثُ أَصابَ: معناه: حيثُ أراد قاله وهْبٌ وغيره [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 584) برقم: (29917) عن ابن عبّاس، وبرقم: (29919) عن مجاهد، وبرقم: (29920) عن الحسن، و (29923) عن وهب بن منبه، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 65) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 506) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 587) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة، ولابن المنذر عن الضحاك.]] ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 506) .]] : وَيُشْبِهُ أنَّ (أَصَابَ) معدى «صَابَ يَصُوبُ» ، أي: حيث وَجَّه جنودَه، وقال الزَّجَّاج [[ينظر: «معاني القرآن» (4/ 333) .]] : معناه: قصدَ، قلت: وعليه اقْتَصَرَ أبو حيَّان فإنه قال: أصاب: أي قَصَدَ وأنْشَد الثعلبيُّ: [المتقارب] أَصَابَ الكَلاَمَ فَلَمْ يَسْتَطِع ... فَأَخْطَا الجواب لَدَى المَفْصِلِ [[ينظر: البيت في «البحر المحيط» (7/ 382) ، و «الدر المصون» (5/ 536) والقرطبي (15/ 134) .]] انتهى. وقوله: كُلَّ بَنَّاءٍ بَدَلٌ من الشَّياطِينَ ومُقَرَّنِينَ معناه: موثقين قد قرن بعضهم ببعض، والْأَصْفادِ القيودُ والأغْلاَلُ، قال الحَسَنُ: والإشارةُ بقوله: هذا عَطاؤُنا ... الآية، إلى جميع ما أعطاهُ اللَّه سبحانه مِنَ الملكِ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 585) برقم: (29929) عن الحسن، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 506) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 588) ، وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة.]] وأمرَه بأن يَمُنَّ عَلى من يشاءُ ويُمْسِكُ عَمَّنْ يشاء، فكأنه وَقَفَهُ على قَدْرِ النِّعمة، ثم أباح له التصرُّفَ فيه بمشيئته وهذا أصح الأقوال وأجمعها لتفسير الآية، وتقدَّمت قصة أَيُّوبَ في سورة الأنبياء. وقوله: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ ... الآية، النُّصْبُ: المَشَقَّةُ، فيحتمل أن يشيرَ إلى مسّه حين سلَّطَهُ اللَّه على إهلاكِ مالِه وولدِه وجِسْمِه حَسْبَما رُوِيَ في ذلك، وقِيلَ: أشار إلى مسِّه إياه في تعرُّضِه لأَهْلِه وطلبهِ منْهَا أنْ تُشْرِكَ باللَّه فكأَنَّ أَيُّوبَ تشكى هذا الفَصْلَ، وكان عليه أشدَّ مِن مَرَضه، وهنا في الآية محذوفٌ تقديرُه: فاسْتَجَابَ له وقَال: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ فَرُوِيَ أَن أيوب رَكَضَ الأرض فَنَبَعَتْ له عينُ ماءٍ صافيةٌ باردةٌ فشرِبَ منها، فذهَبَ كُلُّ مَرَضٍ في دَاخِلِ جَسَدهِ، ثم اغْتَسَلَ فذهبَ ما كانَ في ظاهِر بَدَنِه، ورُوِيَ أن اللَّه تعالى وَهَبَ له أهلَه ومالَه في الدنيا، ورَدَّ من ماتَ منهم، وما هلكَ من ماشيته وحالِه، ثم باركَ له في جميعِ ذلك، ورُوِيَ أن هذا كلَّه وُعِدَ به في الآخِرَة، والأول أكْثَرُ في قول المفسِّرين. ت: وعن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ، إذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنُ: اللَّهُمَّ، إني عَبْدُكَ وابْنُ عَبْدِكَ وابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسم هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوِ استأثرت بهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إلاَّ أذْهَبَ اللَّهُ غَمَّه وَأبدَلَه مكَانَ حُزْنِهِ فَرَحَاً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَنْبَغي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الكَلِمَاتِ؟ قَالَ: أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ» [[أخرجه أحمد (1/ 452) ، وابن حبان في «صحيحه» (3/ 253) كتاب «الرقائق» باب: الأدعية ذكر الأمر لمن أصابه هم أو حزن أن يسأل الله ذهابه عنه وإبداله إياه فرحا (972) ، وابن حبان (7/ 404، 405) - الموارد باب: ما يقول إذا أصابه هم أو حزن (2372) ، وأبو يعلى (9/ 198- 199) (331/ 5297) ، والحاكم (1/ 509) كتاب «الدعاء» والشجري في «أماليه» (1/ 299) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 139) ، (10/ 189- 190) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلّم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه. ا. هـ. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 139) رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان.]] . قال صاحب «السِّلاَح» : رواه الحاكمُ في «المُسْتَدْرَكِ» ، وابنُ حِبَّانَ في «صحيحه» . ت: وروينَاهُ من طريقِ النوويِّ عنِ ابن السُّنِّيِّ بسندهِ عن أبي موسى الأشعريّ، عن النبيّ ﷺ وفيه: «أنا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابنُ أَمَتِكَ في قَبْضَتِكَ» ، وفيه: «فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إنَّ المَغْبُونَ لَمَنْ غُبِنَ هَؤُلاَءِ الكلماتِ، فَقَالَ: أَجَلْ، فَقُولُوهُنَّ/ وَعَلِّمُوهُنَّ مَنْ قَالَهُنَّ، التماس مَا فِيهِنَّ أَذْهَبَ اللَّهُ تعالى حُزْنَهُ وَأَطَالَ فَرَحَه» [[أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (334) .]] انتهى. وقوله: وَذِكْرى معناه: موعِظَةٌ وتذكرةٌ يَعْتَبِرُ بها أُولُو العقولِ، وَيَتَأَسَّوْنَ بِصَبْرِهِ في الشدائدِ، ولا يَيْئَسُونَ من رحمة اللَّه على حال. ورُوِي أن أيّوب ع كانت زوجَتُهُ مدَّةَ مَرَضِه تَخْتَلِفُ إلَيْه فيتلقَّاها الشيطانُ في صورة طَبِيبٍ، ومرةً في هيئة نَاصِح وعلى غير ذلك، فيقول لها: لو سَجَدَ هذَا المريضُ للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبَرِىءَ، لَوْ ذَبَحَ عَنَاقاً للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبِرىءَ، ويَعْرِضُ عليها وجوهاً من الكفر، فكانَتْ هي ربَّما عرضت شَيْئاً من ذلك على أيوب، فيقولُ لها: لقيتِ عَدُوَّ اللَّهِ في طريقك، فلمَّا أغْضَبَتْهُ بهذا ونحوِهِ حلَفَ عليها لَئِن برىء من مرضِه ليضربنَّها مائةَ سَوْطٍ، فلما بَرِىءَ أَمَرَه اللَّه تعالى أن يأخُذَ ضِغْثاً فيه مائةُ قَضِيبٍ، «والضغثُ» : القبضةُ الكبيرةُ من القضبانِ ونحوِها مَنَ الشجرِ الرَّطْبِ قاله الضَّحَّاكُ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 591) برقم: (29956) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 508) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 591) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عبّاس.]] وأهلُ اللغة، فيضربُ بهِ ضربةً واحدةً، فَتَبَرُّ يمينُهُ وهذا حكمٌ قد وَرَدَ في شرعِنا عن النبيِّ ﷺ [مِثلُه في حدِّ الزنا لرجُلِ زَمِنٍ، فأمَرَ رسول الله ﷺ] [[سقط في: د.]] بِعِذْقِ نَخْلَةٍ فِيهِ شَمَارِيخُ مِائَةٌ أو نَحْوُهَا، فَضُرِبَ ضَرْبَةً [[أخرجه أبو داود (2/ 567) كتاب «الحدود» باب: في إقامة الحد على المريض (4472) ، وابن ماجه (2/ 859) كتاب «الحدود» باب: الكبير والمريض يقام عليه الحد (2574) ، وأحمد (5/ 222) .]] ، ذكر الحديثَ أبو داود، وقال بهذا بعضُ فقهاء الأمة، وَلَيْسَ يرى ذلك مالكُ بنَ أنس وأصحابه، وكذلك جمهورُ العلماء على ترك القول به، وأن الحدودَ والبِرَّ في الأيمانِ لا تقع إلا بتمام عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، وقرأ الجمهور «أولي الأيدي» [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 509) ، و «البحر المحيط» (7/ 385) ، و «الدر المصون» (5/ 537) .]] يعني: أولي القوة في طاعةِ اللَّه قاله ابن عباس ومجاهد [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 592) برقم: (29960) عن ابن عبّاس، وبرقم: (29963) عن مجاهد، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 66) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 509) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 40) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 593) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس، ولعبد بن حميد عن مجاهد.]] ، وقالت فرقة: معناه: أولى الأيدي والنِّعَمِ الَّتي أسْدَاها اللَّهُ إليهم من النبوَّة والمكانةِ، وَالْأَبْصارِ عبارةٌ عن البصائِر، أي: يُبْصرونَ الحقائِقَ وينظرونَ بنورِ اللَّهِ تعالى، وقرأ نافع وحده: «بخالصة ذكرى الدّار» [[ينظر: «السبعة» (554) ، و «الحجة» (6/ 72) ، و «معاني القراءات» (2/ 328) ، و «شرح الطيبة» (5/ 192) ، و «العنوان» (163) ، و «حجة القراءات» (613) ، و «شرح شعلة» (565) ، و «إتحاف» (2/ 422) .]] ، على الإضافة، وقرأ الباقون «بِخَالِصَةٍ» على تنوينِ «خالِصَةٍ» ف «ذكرى» على هذه القراءةِ بدلٌ من خالِصَةٍ فيحتملُ أنْ يكونَ معنى الآية: أنا أخلصناهم بأن خَلُصَ لهم التذكيرُ بالدارِ الآخرةِ ودعاءِ الناس إليها وهذا قول قتادةَ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 593) برقم: (29969) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 66) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 509) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 593) ، وعزاه لابن المنذر عن الضحاك.]] ، وقيل المعنى: أنا أخْلَصْنَاهم، بأنْ خَلُصَ لهم ذكرَهم للدارِ الآخرة وخوفُهم لها والعملُ بحسب ذلك وهذا قول مجاهد [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 593) برقم: (29970) عن مجاهد، و (29971) عن السدي، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 66) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 509) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 40) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 593) ، وعزاه لابن المنذر.]] ، وقال ابن زيد: المعنى أنا وَهَبْنَاهُمْ أَفْضَلَ مَا في الدارِ الآخرةِ، وأخْلَصْناهم به، وأعطيناهم إياه [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 594) برقم: (29972) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 66) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 509) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 593) ، وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن.]] ، ويحتمل أن يريدَ بالدارِ دارَ الدنيا على معنى ذكر الثناءِ والتعظيم من الناس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب