وقوله تعالى: وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ أي: ينتظرُ، إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً قال قتادة:
تَوَعَّدَهُمْ سُبْحَانَهُ بصيحةِ القِيَامَةِ والنفخِ في الصُّور [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 495) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 558) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وقد رُوِيَ هذا التفسيرُ مرفوعاً، وقالتْ طائِفَةٌ: تَوَعَّدَهُمْ اللَّهُ بِصَيْحَةٍ يُهْلَكُونَ بِهَا في الدنيا، مَّا لَها مِنْ فَواقٍ قرأ الجمهورُ- بفتح الفاءِ-، وقَرأ حمزةُ والكسائي «فُوَاق» - بِضم الفاء [[ينظر: «السبعة» (552) ، و «الحجة» (7/ 66) ، و «إعراب القراءات» (2/ 255) ، و «معاني القراءات» (2/ 325) ، و «شرح الطيبة» (5/ 190) ، و «العنوان» (163) ، و «حجة القراءات» (613) ، و «شرح شعلة» (564) ، و «إتحاف» (2/ 419) .]] -، قال ابن عباس:
هما بمعنًى، أي: ما لَها من انْقِطَاعٍ وَعَوْدَةٍ، بَلْ هِي مُتَّصِلَةٌ حتى تُهْلِكَهُمْ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 558) برقم: (29777) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 50) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 559) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، ومنه: فُوَاقُ الحَلْبِ، وهُوَ المُهْلَةُ التي بَيْنَ «الشُّخْبَيْنِ» ، وقال ابن زَيْدٍ وغيرُهُ: المعنى مُخْتَلِفٌ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 558) برقم: (29782) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) .]] ، فالضَّمُّ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَى فُوَاقِ النَّاقَةِ، والفتحُ بِمَعْنَى الإفَاقَةِ، أيْ: لا يُفِيقُونَ فيها كما يُفِيقُ المَرِيضُ، والمَغْشِيُّ عَلَيْهِ، والْقِطُّ: الحَظُّ والنصيبُ، والْقِطُّ أَيْضاً الصَّكُّ والكتابُ من السُّلْطَانِ بِصِلة، ونحوهِ، واختلِف في الْقِطِّ هُنَا، ما أرادوا به؟ فقال ابن جُبَيْر: أرادوا به:
عَجَّلْ لَنَا نَصِيبَنَا من الخَيْرِ والنَّعيمِ في دُنْيَانا [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 560) برقم: (29789) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 50) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) .]] ، وقال أبو العالية: أرادوا عَجِّل لنا صُحُفَنَا بأيمانِنا [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 560) عن آخرين، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) عن أبي العالية، والكلبي.]] وذلك لمَّا سَمِعُوا في القرآن أَنَّ الصُحُفَ تعطى يوم القيامةِ بالأيْمَانِ والشَّمائِل، وقال ابن عباس وغَيره: أرادوا ضِدَّ هَذَا من العذابِ ونحوهِ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 559) برقم: (29783) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 50) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 29) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 559) ، وعزاه للطستي عن ابن عبّاس.]] ، وهذا نظيرُ قولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: 32] قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 496) .]] : وعلى كل تأويل، فكَلاَمُهُم خَرَجَ عَلى جِهَةِ الاستخفاف والهزء.
وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ أَي: فَتَأَسَّ به ولاَ تَلْتَفِتْ إلى هؤلاءِ، «والأيْدِ» القُوَّةُ في الدين والشرع والصَّدْعُ به، وال أَوَّابٌ الرَّجَّاعُ إلى طَاعةِ اللَّهِ، وقاله مجاهد وابن زيد [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 561) برقم: (29796) عن مجاهد، وبرقم: (29800) عن ابن زيد، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) عنهما، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 560) ، وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد.]] وفسَّره السُّدِّيُّ: بالمسبّح [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 562) برقم: (29799) عن السدي، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 51) عن سعيد بن جبير، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) عن السدي، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 560) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس، ولابن جرير عن مجاهد، ولابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل.]] ، وتسبيح الجبال هنا حقيقة، والْإِشْراقِ: ضياءُ الشَّمْسِ وارتفاعُها، وفي هذين الوَقْتَيْنِ كانت صلاَةُ بنِي إسرائيل، قال الثعلبيُّ: وليس الإشْرَاقُ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وإنما هو صَفَاؤُها وضوءها، انتهى. قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» [[ينظر: «أحكام القرآن» (4/ 1624) .]] : قال [ابن عباس] [[سقط في: د.]] : ما كنتُ أعْلَمُ صلاةَ الضحى في القرآن حتى سمعتُ اللَّهَ تعالى يقول: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 562) برقم: (29803) ، و (29804) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 51) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 496) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 30) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 561) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن عطاء الخرساني عن ابن عبّاس، ولعبد بن حميد عن عكرمة عن ابن عبّاس، ولابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عبّاس.]] قال ابن العربي [[ينظر: «أحكام القرآن» (4/ 1625) .]] : أما صلاةُ الضحى فَهِي في هذه الآيةِ نافلةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، ولا ينبغي أنْ تصلى حتى تتبينَ الشمسُ طَالعةً قَدْ أشْرَقَ نُورُهَا، وفي صلاةِ الضحى أحاديثُ أُصُولُهَا ثلاثةٌ: الأولُ حديثُ أبي ذَرٍّ وغيره عن النبي ﷺ أَنَّه قال: «يُصْبِحُ على كُلِّ سلامى مِنِ ابن آدَمَ صَدَقَةٌ تَسْليمُهُ على مَنْ لَقِيَ صَدَقَةٌ، وأَمْرُهُ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، ونَهْيُهُ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وإمَاطَتُهُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وبُضْعُهُ أهْلَهُ صَدَقَةٌ، ويجزىء مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَانِ من الضّحى» [[تقدم تخريجه.]] .
الثَّانِي: حديثُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجهنيّ عن أبيه أنّ النبيّ ﷺ قال: «مَنْ قَعَدَ في مُصَلاَّهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ، حتى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيْ الضحى لاَ يَقُولُ إلاَّ خَيْراً، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وإنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ» [[أخرجه أبو داود (1/ 411) كتاب «الصلاة» باب: صلاة الضحى برقم: (1287) ، وأحمد (3/ 439) ، والبيهقي (3/ 49) كتاب «الصلاة» باب: من استحب أن لا يقوم من مصلاه حتى تطلع الشمس.]] .
الثالثُ: حَدِيثُ أمّ هانىء أنّ النبيّ ﷺ صلى يَوْمَ الفَتْحِ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ [[أخرجه البخاري (1/ 469) كتاب «الصلاة» باب: الصلاة في الثوب الواحد، حديث (357) ، ومسلم (1/ 498) كتاب «صلاة المسافرين» باب: استحباب صلاة الضحى، حديث (82/ 336) ، وأبو داود (1/ 412) كتاب «الصلاة» باب: صلاة الضحى، حديث (1290- 1291) ، والنسائي (1/ 126) كتاب «الطهارة» باب: ذكر الاستتار عند الاغتسال، حديث (225) ، والترمذي (5/ 73- 74) كتاب «الاستئذان» باب: ما جاء في مرحبا، حديث (2734) ، وابن ماجه (1/ 439) كتاب «الصلاة» باب: ما جاء في صلاة الضحى، حديث (1379) ، ومالك (1/ 152) كتاب «قصر الصلاة في السفر» باب:
صلاة الضحى، حديث (27- 28) ، وأحمد (6/ 341- 342- 343- 423- 425) ،، وأبو عوانة (2/ 269- 270) ، والدارمي (1/ 338- 339) كتاب «الصلاة» باب: صلاة الضحى، والحميدي (1/ 158، 160) برقم: (331- 332- 333) ، والبيهقي (3/ 48) كتاب «الصلاة» باب: ذكر من رواها ثمان ركعات، والبغوي في «شرح السنة» (2/ 517) - بتحقيقنا من طرق عن أم هانىء أن النبي ﷺ دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلّى ثمان ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.]] ، انْتَهَى.
ت: وَرَوَى أبو عيسى/ الترمذيُّ وغَيْرُهُ عن أَنَسٍ قال: قال رسول الله ﷺ:
«مَنْ صَلَّى الفَجْرَ في جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تعالى، حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تَامَّةٍ» [[أخرجه الترمذي (2/ 481) كتاب «الصلاة» باب: ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، من حديث أنس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وفي الباب من حديث أبي أمامة: أخرجه الطبراني في «الكبير» (8/ 209) ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 107) كتاب «الأذكار» باب: ما يفعل بعد صلاة الصبح والمغرب.
قال الهيثمي: إسناده جيد.]] ، قَالَ الترمذيُّ: حديثٌ حَسَنٌ، انتهى. قال الشَّيْخُ أَبو الحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ في شرحه للبُخَارِيِّ: وعن زيدِ بْنِ أسْلَمَ قَال: سمعتُ عَبد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يقولُ لأبي ذَرٍّ: أوْصِنِي يَا عَمُّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى الضحى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ، وَمَنْ صلى أَرْبَعَاً، كتب من العَابِدِينَ، ومَنْ صلى ستًّاً، لَمْ يَلْحَقْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ ذَنْبٌ، وَمَنْ صلى ثَمانياً، كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، ومَنْ صلى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، بنى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ» [[ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 239- 240) كتاب «العيدين» باب: صلاة الضحى، وعزاه إلى البزار.
قال الهيثمي: فيه حسين بن عطاء ضعفه أبو حاتم، وغيره، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: يخطىء ويدلس. ا. هـ.
وفي الباب من حديث أبي أمامة: ذكره الهيثمي أيضا في «مجمع الزوائد» (2/ 240) ، وعزاه إلى الطبراني في «الكبير» .
قال الهيثمي: فيه موسى بن يعقوب الزمعي، وثقه ابن معين وابن حبان، وضعفه المديني وغيره، وبقية رجاله ثقات. اهـ.]] انتهى.
وَالطَّيْرَ: عطف على الجبال، أي: وسخّرنا الطير، ومَحْشُورَةً معناهُ مجموعةً، والضميرُ في «لهُ» قَالَتْ فِرْقَةٌ: هو عائد على الله. عزّ وجلّ- ف كُلٌّ على هذا، يُرَادُ بهِ:
دَاوُدُ والجبالُ والطيرُ، وقالت فرقة: هو عائدٌ على داودَ ف كُلٌّ على هذا يُرَادُ بهِ الجبالُ والطير.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَمَا یَنظُرُ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ مَّا لَهَا مِن فَوَاقࣲ","وَقَالُوا۟ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ","ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَیۡدِۖ إِنَّهُۥۤ أَوَّابٌ","إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ یُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ","وَٱلطَّیۡرَ مَحۡشُورَةࣰۖ كُلࣱّ لَّهُۥۤ أَوَّابࣱ"],"ayah":"وَٱلطَّیۡرَ مَحۡشُورَةࣰۖ كُلࣱّ لَّهُۥۤ أَوَّابࣱ"}