الباحث القرآني

وقوله تعالى: فَلَمَّا أَسْلَما أي: أسلما أنفسهمَا، واستسلما لله- عز وجل-، وقَرَأ ابن عبَّاس وجماعة: «سَلَّمَا» [[وقرأ بها ابن مسعود، والحسن، وحميد، وعلي، ومجاهد، والضحاك، والأعمش، والثوري، وجعفر بن محمّد. ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (128) ، و «المحتسب» (2/ 222) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 481) ، و «البحر المحيط» (7/ 355) ، و «الدر المصون» (5/ 510) .]] ، والمعنى فَوَّضَا إليه في قضائه وقَدَرِهِ- سبحانه-، فأسْلَم إبراهيمُ ابْنَهُ، وأسْلَمَ الابْنُ نَفْسَهُ، قال بعْضُ البَصْرِيين [[في جوابها ثلاثة أوجه: «أحدها» : - وهو الظاهر- أنه محذوف، أي: نادته الملائكة أو ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما، وقدره بعضهم بعد الرؤيا أي: كان ما كان مما ينطق به الحال والوصف مما لا يدرك كنهه. ونقل ابن عطية أن التقدير: فلما أسلما أسلما وتلّه قال كقوله: فلمّا أجزنا ساحة الحقّ وانتحى ... بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل أي: فلمّا أجزنا وانتحى. ويعزى هذا لسيبويه، وشيخه الخليل، وفيه نظر من حيث اتحاد الفعلين الجاريين مجرى الشرط والجواب إلّا أن يقال: جعل التغاير فليس الآية بالعطف على الفعل، وفي البيت يعمل الثاني في ساحة والعطف عليه أيضا. والظاهر أنّ مثل هذا لا يكفي في التغاير. ينظر: «الدر المصون» (5/ 509- 510) .]] : جوابُ «لما» محذوفٌ تقديره: فلما أسْلَمَا وَتَلَّهُ للجبينِ، أُجْزِلَ أجْرُهُما، ونحوُ هذا مِمَّا يَقْتَضِيهِ المعنى، وَتَلَّهُ معناه: وَضَعَه بقوَّةٍ ومنْه الحديثُ في القدح: فتلّه رسول الله ﷺ في يده [[هذا حديث متفق على صحته بلفظ: «أن رسول الله ﷺ: أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن شماله الأشياخ- فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء» ؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا، قال: فتلّه رسول الله ﷺ في يده» عن سهل بن سعد.- والحديث أخرجه البخاري (10/ 89) كتاب «الأشربة» باب: هل يستأذن الرجل عن يمينه في الشرب ليعطي الأكبر، رقم: (5620) ، (5/ 123) كتاب «المظالم» باب: إذا أذن له أو أحله ولم يبين كم هو، (2451) ، (6/ 267) كتاب «الهبة» باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة (2605) ، ومسلم (3/ 1604) كتاب «الأشربة» باب: استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما، عن يمين المبتدئ (127/ 2030) ، ومالك في «الموطأ» (2/ 926، 927) كتاب «صفة النبي ﷺ» (18) ، وأبو داود الطيالسي (1/ 332) كتاب «الأشربة» باب: إيثار من على اليمين بالشرب برقم: (1681) ، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 286) كتاب «الصداق» باب: الأيمن فالأيمن في الشرب، وأحمد (5/ 333) ، والطبراني (6/ 170) ، (5890) .]] ، أي: وضعه بقوّة، ولِلْجَبِينِ معناه: لتلك الجهةِ وعليها، كما يقولون في المثل: [الطويل] ............... .. ... وخرّ صريعا لليدين وللفم وكما تقول: سَقَطَ لِشِقِّهِ الأيْسَرِ، والجَبِينانِ: ما اكتنف الجبهة من هاهنا، ومن هاهنا، و «أن» من قوله: أَنْ يا إِبْراهِيمُ مفسّرة لا موضع لها من الإعراب، وصَدَّقْتَ الرُّؤْيا يحتملُ أنْ يريدَ بقَلْبِكَ أو بِعَمَلِكَ، و «الرؤيا» اسمٌ لِمَا يرى مِن قِبَلِ اللَّهِ- تعالى-، والمَنَامُ والحُلْمُ: اسمٌ لما يرى منْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ ومنه الحديث الصحيح: «الرُّؤْيَا من الله، والحلم من الشيطان» ، والْبَلاءُ: الاخْتِبَارُ، والذَّبْحُ العظيمُ» في قول الجمهور: كَبْشٌ أبْيَضُ أعْيَنُ، وَجَدَهُ وَرَاءَهُ مَرْبُوطاً بسَمُرَةٍ، وأَهْلُ السُّنَّةِ على أَنَّ هذه الْقِصَّةَ نُسِخَ فيها العَزْمُ على الْفِعْلِ خلافاً للمعتزلة، قال أحمد بن نصر الداوديّ: وإنْ نَسَخَ اللَّهُ آيةً قَبْلَ العَمَلِ بِهَا فإنَّما يَنْسَخُها بَعْدَ اعْتِقَادِ قَبُولِها وهُوَ عَمَلٌ انتهى من تفسيره عند قوله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ [البقرة: 106] ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 491) .]] : ولا خلافَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ أَمَرَّ الشَّفْرَةَ على حَلْقِ ابنه فَلَمْ تَقْطَعْ، والجمهورُ أَنَّ أمْرَ الذَّبْحِ كانَ بِمِنًى، وقال الشَّعْبِيُّ: رَأَيْتُ قَرْنَيْ كَبْشِ إبْرَاهِيمَ مُعَلَّقَتَيْنِ في الكَعْبَةِ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 513) برقم: (29522) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 483) .]] ، وروى عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «يَا فَاطِمَةُ، قُومِي لاٌّضْحِيَتِكِ، فاشهديها فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: إنَّ صَلاَتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ» قال عِمْرَانُ: قلت: يا رسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكَ وَلأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَال: «لاَ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» رواه الحاكم في «المستدرك» [[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/ 222) ، كتاب «الأضاحي» . قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 38، 39) برقم: (1596) - قال: منكر.]] انتهى من «السِّلاَح» . وقوله تعالى: وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ توعُّد لمنْ كَفَرَ من اليهودِ بمحمَّد ع، والْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ: هو التوراةُ، قال قتادة وابن مَسْعُود: إلياس: هو إدريس- عليه السلام- [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 520) برقم: (29569) عن قتادة وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 36) عن ابن مسعود، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 483) والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 537) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن ابن مسعود، ولعبد بن حميد عن قتادة.]] ، وقالت فرقة: هو مِنْ وَلَدِ هَارُونَ، وقرأ نافِعُ وابن عامِر: «على آلِ يَاسِينَ» ، وقرأ الباقون: «على إلْيَاسِينَ» - بألفٍ مكسورةٍ ولامٍ ساكنةٍ [[ينظر: «السبعة» (548- 549) ، و «الحجة» (6/ 59) ، و «إعراب القراءات» (2/ 249) ، و «معاني القراءات» (2/ 322) ، و «شرح الطيبة» (5/ 184) ، و «العنوان» (162) ، و «حجة القراءات» (610) ، و «شرح شعلة» (563) ، و «إتحاف» (2/ 414) .]] -، فَوُجِّهَتِ الأولى على أنها بمعنى: «أهْل» ، و «ياسِينُ» : اسمُ لإلياسَ، وقيل: هو اسم لمحمّد ع، ووُجِّهَتِ الثانيةُ على أَنَّها جَمْعُ «إلْيَاسِيٍّ» ، وقرأ ابن مسعود والأعمش: «وإنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ، وَسَلاَمٌ على إدْرِيسِينَ» ، قال السُّهيليُّ: قال ابن جِنِّيْ: العربُ تتلاعبُ بالأسماءِ الأعجميةِ تلاعباً ف «ياسين» ، و «إلياسُ» ، و «اليَاسِينُ» شيءٌ واحدٌ، انتهى. ت: وحكى الثعلبيُّ هنا حكايةً عَنْ عَبْدِ العزيزِ بْنِ أبي رواد، عن رجلٍ لَقِي إلياسَ في أيَّام مَرْوانَ بن الحَكَمِ، وأخبَرَهُ بعَدَدِ الأبْدَالِ وعَن الخَضِرِ في حكايةٍ طويلةٍ لا ينبغي إنكارُ مثلها فأولياءُ اللَّهِ يُكاشَفُونَ بِعَجَائِبَ، فلا يُحْرَمُ الإنْسَانُ التَّصْدِيقَ بِهَا، جعلنا الله من زمرة أوليائه، انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب