الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ ... الآية، رُوِي عَنْ ابن عباس والزهري وعكرمة: أن القريةَ هنا هي أنطاكيَّة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 431) برقم: (29083) عن عكرمة، وعن ابن عبّاس وغيره رقم في «تفسيره» (3/ 566) عنهم، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 489) عن ابن عبّاس، والزهري، وعكرمة، وابن كثير للفريابي، وعن عكرمة، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.]] ، واخْتُلِفَ في هؤلاء المُرْسَلِينَ فقال قتادة وغيره: كانوا من الحواريِّينَ الذين بعثهم عيسى حِين رُفِعَ، وصُلِبَ الذي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُهُ، فَتَفَرَّقَ الحواريُّونَ في الآفاق، فَقَصَّ اللَّه- تعالى- هنا قصَّةَ الذين نَهَضُوا إلى أنْطَاكيَّة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 431) برقم: (29082) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 449) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 490) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.]] . وقالت فرقة: بل هؤلاء أنبياء من قبل الله عزّ وجلّ. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 449) .]] : وهذا يُرَجِّحُهُ قَوْلُ الكَفَرَةَ مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فإنها محاورةٌ إنما تقال لمن ادَّعى الرِّسَالَةَ من اللَّه تعالى، والآخرُ مُحْتَمَلٌ، وذَكِرَ المفسرون في قَصَص الآيةِ أشياء يَطُولُ ذِكْرُها والصِّحَّةُ فيها غَيْر مُتَيَقَّنَةٍ، فَاخْتَصَرْتُه واللاَّزِمُ مِنَ الآيةِ أنَّ اللَّه تعالى بَعَثَ إلَيْهَا رَسُولَيْنِ، فَدَعَيَا أهلَ القَرْيَةِ إلى عبادةِ اللَّهِ وتوحيدِه، فَكَذَّبُوهُما فَشَدَّدَ اللَّهُ أمرهما بثالثٍ، وقامت الحجةُ على أهلِ القريةِ، وآمن منهم الرجلُ الذي جاءَ يسعى، وقتلوه في آخر أمره وكفروا، وأصابتْهم صيحةٌ مِن السَّمَاء فَخَمَدُوا، وقرأ الجمهُور [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 449) ، و «البحر المحيط» (7/ 313) ، و «الدر المصون» (5/ 477) . وقد قرأ أبو بكر بالتخفيف، وقرأ بها الحسن، وأبو حيوة، وأبان، والمفضل. ينظر: «السبعة» (539) ، و «الحجة» (6/ 38) ، و «إعراب القراءات» (2/ 230) ، و «معاني القراءات» (2/ 304) ، و «شرح الطيبة» (5/ 166) ، و «العنوان» (159) ، و «حجة القراءات» (597) ، و «شرح شعلة» (557) ، و «إتحاف» (2/ 398) .]] : «فَعَزَّزْنا» بِشَدِّ الزاي، على معنى: قَوَّيْنَا، وشَدَّدْنَا وبهذا فسّره مجاهد وغيره [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 431) برقم: (29085) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 449) .]] ، وهذه الأمة أنكرت النبوَّاتِ بقولِها: وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ قال بعضُ المتأولين: لما كَذَّبَ أهْلُ القرية المرسلينَ أسرع فيهم الجُذَامُ. وقال مقاتل: احْتَبَسَ عنهم المطر فلذلك قالوا: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 449) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 9) ، ولم يعزه لأحد.]] ، أي: تَشاءَمْنَا بكم، والأظهر أن تَطَيُّرَ هؤلاءِ إنَّما كَانَ بِسَبَبٍ ما دخَلَ قَرْيَتَهُمْ من اخْتِلافِ كَلِمَتِهِمْ وافْتِتَان النَّاسِ. وقوله: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ جوابُه محذوف، أي: تَطَيَّرْتُم، قاله أبو حيان [[ينظر: «البحر المحيط» (7/ 314) .]] وغيره، انتهى، وقولهُم- عليهم السلام-: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ، معناه: حظُّكُمْ وَمَا صَارَ لَكُمْ من خير وشرٍّ مَعَكُمْ أي: من أَفْعَالِكم وَمِنْ تَكَسُّبَاتِكُمْ، ليس هو من أجْلنا، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: «أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ» بهمزتين [[وقرأها هكذا حفص، وقرأها المفضل مثل قراءة نافع، يعني بتسهيل الهمزة الثانية. ينظر: «السبعة» (540) ، و «الحجة» (6/ 38) ، و «إعراب القراءات» (2/ 230) ، و «معاني القراءات» (2/ 306) ، و «شرح الطيبة» (5/ 167) ، و «العنوان» (159) ، و «إتحاف» (2/ 398) .]] الثانيةُ مكسورةٌ. وقَرأ نافعٌ وغيرُه بتسهيل الثانية، وردِّها ياءً: «أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ» . وأخبر تعالى عن حالِ رجلٍ جَاء من أقصى المدينةِ يَسْعَى سَمِعَ المرسلينَ وفَهِمَ عَن اللَّهِ تعالى، فَدَعَا عَنْد ذلكَ قومَه إلى اتّباعِهم والإيمان بِهِم، إذ هو الحقُّ. فَرُوِيَ عن ابن عباس وغيره، أن اسْمَ هذا الرجلِ حبيبٌ، وكان نَجَّاراً [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 450) ، وأخرجه الطبري (10/ 433) برقم: (29094) ، وذكره ابن كثير (3/ 568) ، والسيوطي (5/ 491) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.]] وكانَ فِيما قَال وهب بنُ مُنَبِّهٍ: قد تَجَذّم [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 433) برقم: (29094) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 450) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 568) .]] . وقيل: كَان فِي غارٍ يَعْبُدُ ربَّهُ فقال: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ... الآية، وذكر الناسُ في أسماءِ الرسلِ: صَادِق، وصَدُوقٌ، وشَلُوم، وغير هذا، واللَّه أعلم بصحَّتِه، واخْتَلَفَ المفسِّرونَ في قوله فَاسْمَعُونِ فَقَال ابن عباس وغيره: خاطب بها قوْمُه» ، أي: على جهة المبَالَغَةِ والتَّنْبِيهِ. وقيل: خَاطَبَ بها الرُّسُلَ على جهة الاسْتِشْهَادِ بهم والاستحْفاظِ للأمْر عندهم. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 451) .]] : وهنا محذوفٌ تَواتَرَتْ به الأحادِيثُ والرِّوَاياتُ وهم أنهم قَتَلُوهُ فَقِيلَ له عند موته: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَلَما أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ بما رأَى من الكرَامَةِ قَالَ: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ... الآية، قيل: / أراد بذلك الإشْفَاقَ والنصحَ لَهُمْ أي: لَو علِمُوا ذلك، لآمنوا باللَّه تعالى، وقيل: أراد أن يَعْلَمُوا ذلك فَيَنْدمُوا على فِعْلِهم به، وبخزيهم ذلك، وهذا موجود في جِبِلَّةِ البشر إذا نَال الشخصُ عزًّا وخَيْراً في أرض غُرْبةٍ وَدَّ أنْ يَعْلَم ذلك جِيرَانهُ وأتْرَابهُ الذينَ نَشَأَ فيهمْ، كما قيل: [السريع] الْعِزُّ مَطْلُوبٌ وَمُلْتَمَس وَأَحَبُّهُ مَا نِيلَ في الوَطَنِ [[البيت من شواهد «المحرر الوجيز» (4/ 451) .]] قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 451) .]] : والتأويلُ الأولُ أشبهُ بهذا العبدِ الصالح وفي ذلك قول النبي ﷺ: «نَصَحَ قَوْمَه حَيًّا وَمَيِّتاً» وقالَ قَتَادةُ: نصَحَهُم على حالة الغضب والرضاء وَكَذِلكَ لاَ تجِدُ المؤمِنَ إلا ناصحاً للناس [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 436) برقم: (29106) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 451) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 568) بنحوه.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب