وقوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ... الآية. اللام في قوله: لَئِنْ هي المُؤْذِنَةُ بمجيء القَسَمِ، واللام في لَنُغْرِيَنَّكَ: هي لامُ القسمِ.
قلت: ورَوَى الترمذيُّ عن ابن عُمَرَ قال: صعد رسول الله ﷺ المِنْبَرَ، فنادى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بلِسَانِهِ، وَلَمْ يَفُضْ الإيْمَانُ إلى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ يَتَبِعَ اللهُ عَوْرَتَه وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْه، وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ ... » الحديث [[أخرجه الترمذيّ (4/ 378) كتاب البر والصلة: باب ما جاء في تعظيم المؤمن، حديث (2032) من حديث ابن عمر.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب.
وأخرجه أبو داود (2/ 686) كتاب الأدب: باب في الغيبة، حديث (4880) من حديث أبي برزة الأسلمي.]] . انتهى. ورواه أبو دَاودَ في «سننه» من طريق أبي برزة الأسلمي عن النبي ﷺ [[تقدم تخريجه، وينظر الحديث السابق.]] وتوعَّد الله سبحانه هذه الأصنافَ في هذه الآية.
وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ المرض، هنا: هو الغَزَل وحب الزنا قاله عكرمة [[أخرجه الطبريّ (10/ 333) (28654) بنحوه، وذكره ابن عطية (4/ 399) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 519) بنحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 417) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار عن عكرمة بنحوه.]] . وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ: هم قوم كانوا يتحدثون بغزو العربِ المدينةَ ونحوِ هذا مما يُرْجِفُونَ بهِ نُفُوسَ المؤمنينَ، فيحتمل أنْ تكونَ هذه الفِرَقُ دَاخِلَةً في جملة المنافقين، ويحتمل أن تكون متباينة ولَنُغْرِيَنَّكَ معناه: نحضك عليهم بعد تعيينهم لك.
وفي «البخاري» : وقال ابن عباس [[أخرجه الطبريّ (10/ 334) (28661) ، وذكره ابن عطية (4/ 400) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 519) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 418) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.]] : لَنُغْرِيَنَّكَ: لنسلطنك. انتهى.
وقوله تعالى: ثُمَّ لاَ يُجاوِرُونَكَ أي: بعد الإغراء لأنك تَنْفِيهم بالإخافَة والقَتْلِ.
وقوله: إِلَّا قَلِيلًا يحتمل: أن يريد إلا جِوَاراً قليلاً، أو وقتاً قليلاً، أو عدداً قليلاً، كأنه قال: إلا أقلاء، وثُقِفُوا: معناه: حصروا وقدر عليهم وأُخِذُوا: معناه: أُسِرُوا والأخِيذُ الأسِيرُ. والَّذِينَ خَلَوْا هم منافقو الأمم، وباقي الآية متّضح المعنى.
والسَّبِيلَا: مفعولٌ ثَانٍ لأَنَّ أَضلَّ متعدٍ بالهَمْزَةِ، وهي سبيل الإيمان والهدى، وكَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى: هم قومُ مِن بَنِي إسرائيل. قال ابن عباس وأبو هريرة وجماعة:
الإشارةُ إلى ما تضمّنه حديث النبي ﷺ «من أَنَّ بَنِي إسرائيل كَانُوا يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، وَكَانَ موسى عليه السلام رَجُلاً سِتِّيراً حَيِّياً، لاَ يَكَادُ يرى مِنْ جَسَدِهِ شَيْءٌ فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا يَمْنَعُ موسى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلاَّ أَنَّهُ آدَرُ أَوْ بِهِ بَرَصٌ، فَذَهَبَ يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ على حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَلَجَّ موسى فِي إثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، فَمَرَّ بِهِمْ فَنَظَرُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: وَاللهِ، مَا بموسى مِنْ بَأْسٍ» . الحديثُ [[تقدم.]] خرَّجه البُخَاريُّ وغيره، وقيل في إذَايتهم غيرُ هذا. فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا والوجيهُ: المكرَّمُ الوجهِ، والقولُ السَّدِيدُ: يَعُمُّ جَميعَ الخيراتِ. وقال عكرمة: أراد «لا إله إلا الله»
وباقي الآية بيّن.
{"ayahs_start":60,"ayahs":["۞ لَّىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ لَنُغۡرِیَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا یُجَاوِرُونَكَ فِیهَاۤ إِلَّا قَلِیلࣰا","مَّلۡعُونِینَۖ أَیۡنَمَا ثُقِفُوۤا۟ أُخِذُوا۟ وَقُتِّلُوا۟ تَقۡتِیلࣰا","سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰا","یَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِیبًا","إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِیرًا","خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ لَّا یَجِدُونَ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا","یَوۡمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمۡ فِی ٱلنَّارِ یَقُولُونَ یَـٰلَیۡتَنَاۤ أَطَعۡنَا ٱللَّهَ وَأَطَعۡنَا ٱلرَّسُولَا۠","وَقَالُوا۟ رَبَّنَاۤ إِنَّاۤ أَطَعۡنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاۤءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِیلَا۠","رَبَّنَاۤ ءَاتِهِمۡ ضِعۡفَیۡنِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ وَٱلۡعَنۡهُمۡ لَعۡنࣰا كَبِیرࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ ءَاذَوۡا۟ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُوا۟ۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِیهࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا","یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا"],"ayah":"۞ لَّىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ لَنُغۡرِیَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا یُجَاوِرُونَكَ فِیهَاۤ إِلَّا قَلِیلࣰا"}