الباحث القرآني

وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ... الآية، ذَكَرَ جُلُّ المفسرين أن أزواج النّبي ﷺ سَأَلْنَه شَيْئاً من عَرَضِ الدنيا، وآذَيْنَه بزيادة النَفَقَة والغَيْرَة، فَهَجَرَهُنَّ وآلى أَلاَّ يقربَهن شَهْراً، فنزلت هذه الآية، فبدأَ بعائشة، وقال: «يا عَائشَةُ، إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً وَلاَ عَلَيْكِ أَلاَّ تَعْجَلِي حتى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، ثُمَّ تَلاَ عَلَيْهَا الآيةَ، فَقَالَتْ لَهُ: وَفِي أَيِّ هَذَا أُسْتَأْمِرُ [[كذا في ج، وفي المطبوعة «أستمر» .]] أَبَوَيَّ؟ فَإنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرة، قَالَتْ [[في ج: ثم قالت.]] : وَقَدْ علِمَ أَن أَبَوَيَّ لاَ يَأْمُرَانِي بفراقه، ثمّ تتابع أزواج النّبيّ ﷺ على مثل قول عَائِشَةَ، فاخترن اللهَ وَرَسُولَهُ- رَضِيَ [[أخرجه مسلم (2/ 1104) 18- كتاب الطلاق: 4- باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية، حديث (29/ 1478) من حديث جابر.]] الله عنهن. قالتْ فِرْقَةٌ قَوْله: بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يَعُمُّ جَمِيعَ المَعَاصِي ولزمهنَّ رضي الله عنهنَّ بحَسْبِ مَكَانَتُهُنَّ، أَكْثَرَ مِمَّا يَلْزَمَ غيرَهن، فَضُوعِفَ لهنَّ الأجْرُ والعذابُ. وقوله: ضِعْفَيْنِ معناه: يكونُ العذابُ عذابَين، أي: يضاف إلى عذابِ سائِر النَّاس عذابٌ آخر مثله، ويَقْنُتْ: معناه: يُطِيعُ ويَخْضَعُ بالعبُوديَّة قاله الشعبي [[ذكره ابن عطية (4/ 382) .]] وقتادة [[أخرجه الطبريّ (10/ 292) رقم (28471) بنحوه، وذكره ابن عطية (4/ 382) .]] . والرزقُ الكريمُ: الجنة. ثم خاطَبَهُنَّ اللهُ سبحانه بأنّهنّ لَسْنَ كأحدٍ مِن نساءِ عَصْرِهنَّ فَمَا بَعْدُ، بَلْ هُنَّ أَفْضَلُ بشرطِ التَّقْوَى، وإنما خصصنا النساء لأَن فيمن تقدم آسية ومريم فتأملْهُ وقد أشار إلى هذا قتادة. ثم نَهَاهُنَّ سبحانه عما كانت الحالُ عليه في نساء العرَب من مكالَمَةِ الرجال برَخيمِ القولِ وفَلا تَخْضَعْنَ معناه: لا تُلِنَّ. قال ابن زيد: خضع القول ما يدخل في القلوب الغزل [[أخرجه الطبريّ (10/ 293) رقم (28474) بنحوه، وذكره ابن عطية (4/ 383) .]] والمرضُ في هذه الآية قال قتادة: هو النفاق [[أخرجه الطبريّ (10/ 293) رقم (28475) ، وذكره ابن عطية (4/ 383) .]] . وقال عكرمة: الفِسْق [[ذكره ابن عطية (4/ 383) .]] والغزل، والقولُ المعروفُ هو الصوابُ الذي لا تنكره الشريعةُ ولا النفوسُ. وقرأ الجمهور: «وقِرْن» - بكسر القَافِ-، وقرأ نافعُ وعاصِمُ: «وقَرْن» - بالفتح [[ينظر: «السبعة» (522) ، و «الحجة» (5/ 475) ، و «إعراب القراءات» (2/ 199) ، و «معاني القراءات» (2/ 282) ، و «شرح الطيبة» (5/ 147) ، و «العنوان» (155) ، و «حجة القراءات» (577) ، و «شرح شعلة» (549) ، و «إتحاف» (2/ 375) .]] -، فأما الأولى فيصح أن تكونَ من الوَقار، ويصحُّ أن تَكُونَ من القَرَارِ، وأما قراءة الفتح فعلى لغة العرب قَرِرْتُ- بِكَسْرِ الرَّاءِ- أَقِرَ- بفتح القاف في المكان/، وهي لغة ذكرها أبو عبيد في «الغريب» المصنف وذكرها الزجاج [[ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (4/ 225) .]] وغيره، 74 أفأمر الله تعالى في هذه الآية نسَاءَ النَّبِي ﷺ بملازمة بيوتهن، ونهاهنّ عن التبرج والتبرّج إظهار الزينة والتصنّع بها، ومنه البروج لظهُورها وانكشافِها للعيون، واخْتَلَفَ الناسُ في الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى فقالَ الشعبي: ما بين عيسى ومحمد- عليهما السلام- [[ذكره ابن عطية (4/ 383) .]] ، وقيل: غيرُ هذا. قال ع [[ينظر: «المحرر» (4/ 384) .]] : والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقنها فَأَمِرْنَ بالنَّقْلَةِ عن سِيرَتِهنَّ فِيها، وهي ما كانَ قَبْل الشَّرْعِ مِن سِيرةِ الكَفَرَةِ، وجَعْلِها أولى بالإضافة إلى حالةِ الإسْلام، وليس المعنى. أن ثمّ جاهلية آخرة، والرِّجْسَ اسم يقعُ على الإثم وعلى العذابِ وعلى النَجَاسَات والنقائِص، فأذْهَبَ الله جميعَ ذلك عن أهْل البَيْتِ، قالت أم سلمةَ: نزلت هذه الآية في بيتي فدعا رسول الله ﷺ عليّا وفاطِمَةَ وحَسَنَا وحُسَيْنا فَدَخَلَ مَعَهم تَحْت كساءِ خيبري، وقال: «هؤلاءِ أهل بيتي، وقرأ الآية، وقَال اللَّهمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنْتِ إلى خَيْرَ» [[أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 298) رقم (28499) ، والترمذيّ (5/ 351) كتاب التفسير: باب «ومن سورة الأحزاب» ، حديث (3205) من طريق عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة عن أم سلمة به. وقال الترمذيّ: هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 376- 377) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وابن المنذر.]] . والجمهورُ على هذا، وقال ابن عباس [[أخرجه الطبريّ (10/ 298) رقم (28503) عن عكرمة. وذكره البغوي (52813) ، وابن عطية (38414) ، وابن كثير في تفسيره (3/ 483) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 376) . وعزاه لابن أبي حاتم، وابن عساكر من طريق عكرمة رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما.]] وغيره: أهل البيتِ: أزواجه خاصة، والجمهور على ما تقدم. قال ع [[ينظر: «المحرر» (4/ 384) .]] : والذي يظهر لي: أن أهل البيت أزواجه وبنتُه وبنوها وزوجُها أعنى عليّاً، ولفظ الآية: يقتضي أن الزوجات من أهل البيت لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن. قال ﷺ: وأَهْلَ الْبَيْتِ: منصوبٌ على النداءِ أو على المدْحِ أو على الاخْتِصَاصِ وَهُوَ قَلِيلٌ في المخاطب، وأكْثَرُ ما يكونُ في المتكلِّم، كقوله [الرجز] : نَحْنُ بَنَاتِ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ [[«الرجز» لهند بنت عتبة في «أدب الكاتب» ص (90) و «الأغاني» (12/ 343) ، (15/ 147) ولها أو لهند بنت بياضة بن رياح بن طارق الإيادي في «شرح شواهد المغني» (2/ 809) و «لسان العرب» (10/ 217) (طرق) ولهند بنت بياضة بن رياح بن طارق الإياديّ في «معجم ما استعجم» ص (70) ، ولهند بنت الفند الزماني (سهل بن شيبان) في «الأغاني» 23/ 254، ولهند دون تحديد في «لسان العرب» (10/ 361) (نمرق) ، وللقرشية في «جمهرة اللغة» ص (756) ، وبلا نسبة في «الأغاني» (12/ 342) و «مغني اللبيب» (2/ 387) و «همع الهوامع» (1/ 171) . واستشهد فيه بقولها: «نحن بنات طارق نمشي» حيث اعترضت جملة الاختصاص بين المبتدأ والخبر، وهذا جائز.]] انتهى. ت واسْتَصْوَبَ ابنُ هشامٍ نصبَه على النداء، قاله في «المغني» . وقوله تعالى: وَاذْكُرْنَ يُعْطِي أنْ أهْل البيتِ نساؤه، وعلى قول الجمهور: هي ابتداء مخاطبةِ، والحكمةُ السّنّةُ، فقولُه: وَاذْكُرْنَ يحتمل مَقْصِدَيْنِ: كِلاهما مَوْعِظَة أحدُهمَا: أن يريدَ تَذَكَّرْنَه، واقْدِرْنَه قَدْرَه، وفَكِّرْنَ فِي أنّ مَنْ هذِهِ حَالُه يَنْبَغِي أن تَحْسُنَ أَفْعَالُه، والثاني: أن يُرِيْدَ: اذْكُرْنَ بمعنى: احْفَظْنَ واقْرَأْنَ وَأَلْزِمْنَهُ أَلسنتَكنَّ. ت: ويحتمل أن يُرَادَ ب اذْكُرْنَ إفشاؤه ونشرُه للناس، والله أعلم. وهذا هو الذي فهمُه ابنُ العربيِّ [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1538) .]] من الآية، فإنَّه قال: أمر الله أزواجَ رسولهِ أن يُخْبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن وبما يَرَيْنَ من أفعال النّبي ﷺ وأقواله، حتى يبلغَ ذلك إلى الناسِ، فيعملوا بما فيه ويَقْتَدُوا به، انتهى. وهوَ حسن وهو ظاهر الآية وقد تقدم له نحو هذا في قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً [النساء: 128] الآية ذكره [[ينظر: «أحكام القرآن» (1/ 504) .]] في «أحكام القرآن» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب