الباحث القرآني
وقوله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ... الآية، تَجافَى الجنبُ عن موضِعِه إذا تَرَكه، قال الزجاج وغيره: التَّجافِي التَّنَحِّي إلى فوق.
قال ع [[ينظر: «المحرر» (4/ 362) .]] : وهذا قول حسن، والجنوبُ جَمْعُ جَنْبٍ، والمضاجِعُ مَوْضِع الاضْطجَاع للنوم.
ت: وقال الهرَوِيُّ: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ أي: ترتفعُ وتَتَباعَدُ، والجَفاء بَيْن النَّاسِ هُو التَّبَاعُدُ، انتهى. وَرَوَى البُخَاري بسنَدِهِ عن أبي هريرة أن عَبدَ الله بن رَوَاحَةَ- رَضِيَ الله عنه- قَالَ: [الطويل]
وَفِينَا رَسُولُ اللهِ يَتلُو كِتَابَه ... إذَا انشق مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الهدى بَعْدَ العمى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إذَا استثقلت بِالْكَافِرِينَ المَضَاجِعُ
انتهى. وجمهور المفسرين: على أن المرادَ بهذا التجافي صلاةُ النوافلِ بالليلِ.
قال ع [[ينظر: «المحرر» (4/ 362) .]] : وعلى هذا التأويل أكثَرُ الناسِ، وهو الذي فيه المدحُ وفيه أحاديثُ عن النبي ﷺ يَذكر عليه السلام قِيامَ الليل ثم يستشهدُ بالآية ففي حديثِ معاذٍ «أَلاَ أَدُلُّكَ على أبواب الخير: الصوم جنّة، والصدقة تطفئ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم قَرَأ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ/، حتّى بلغ يَعْمَلُونَ» رواه 70 أالترمذيّ [[أخرجه الترمذيّ (5/ 11- 12) كتاب الإيمان: باب ما جاء في حرمة الصلاة، حديث (2616) ، وابن ماجه (2/ 1314- 1315) كتاب الفتن: باب كف اللسان في الفتنة، حديث (3973) ، والنسائي في «التفسير» (414) ، وأحمد (5/ 231) ، والحاكم (2/ 76، 412) ، والطبراني في «الكبير» (20/ 130- 131) رقم (266) من طرق عن ابن مسعود.
وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 337) ، وزاد نسبته إلى ابن نصر في «كتاب الصلاة» ، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان» .]] ، وقال: حديث حسن صحيح ورَجَّحَ الزَّجَاجُ [[ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (4/ 207) .]] ما قاله الجمهور بأنهم:
جُوزُوا بإخفاءٍ، فَدَلَّ ذلك على أن العَمَلَ إخْفَاءٌ أيضاً، وهو قيامُ الليل يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً أي: من عذابه وَطَمَعاً، أي: في ثوابه.
قال ص: تَتَجافى أَعربه أبو البقاء: حالاً، ويَدْعُونَ: حال أو مستأنف وخَوْفاً وَطَمَعاً: مَفْعُولاَن من أجله أو مصدران في موضع الحال انتهى. وفي «الترمذي» عن معاذ بن جبل قال: قلت: يا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رمضَانَ، وتَحُجُّ البَيْتَ، ثمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ على أَبْوَابِ الخير؟ الصوم جنّة، والصدقة تطفئ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تَلاَ: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ. ثم قال: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْر وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بلى، يَا رَسُولَ اللهِ. قال: رَأْسُ الأَمْرِ الإسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟
قُلْتُ: بلى يَا رَسُولَ اللهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبَّ النَّاسَ فِي النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!» [[ينظر: الحديث السابق.]] قال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. انتهى.
وقرأ حمزةُ وحده [[ينظر: «السبعة» (516) ، و «الحجة» (5/ 463) ، و «معاني القراءات» (2/ 274) ، و «شرح الطيبة» (5/ 140) ، و «العنوان» (153) ، و «حجة القراءات» (569) ، و «شرح شعلة» (543) ، و «إتحاف» (2/ 367) .]] : «أُخْفِيْ» - بسكون الياء كأنه قال: أُخْفِيْ أَنَا. وقرأ الجمهور «أُخْفِيَ» - بفتح الياء-، وفي معنى هذه الآية قال ﷺ: «قال الله- عز وجل-: أعددت لعبادي الصالحين مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خطر على قلب بَشَرٍ ذُخْراً بَلْهَ مَا اطلعتم عَلَيْهِ، واقرءوا إنْ شِئْتُمْ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ... الآية» انتهى.
قال القرطبيُّ في «تذكرته» [[ينظر: «التذكرة» للقرطبي (2/ 595) .]] : «وبَلْهَ» معناه: غَيْر، وقيل: هو اسم فِعْلٍ بمعنى دَعْ، وهذا الحديث خرّجه البخاري، وغيره [[أخرجه البخاري (8/ 375) كتاب التفسير: باب فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ حديث (4779) ، ومسلم (4/ 2174) كتاب الجنة وصفة نعيمها، حديث (2/ 2824) ، والترمذيّ (5/ 346- 347) كتاب التفسير: باب «ومن سورة السجدة» ، حديث (3197) ، والطبريّ في «تفسيره» (10/ 243) رقم (28253، 28254) ، وأحمد (2/ 313) ، والحميدي (2/ 480) ، وهناد في «الزهد» رقم (1، 2) من حديث أبي هريرة.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 339) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن الأنباري.]] .
ت: وفي رواية للبخاري: قال أبو هريرة: واقرؤوا إنْ شِئْتُمْ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ... [[ينظر: الحديث السابق.]] الآية. انتهى.
وقال ابن مسعودٍ: في التوراة مكتوبٌ «عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ» [[أخرجه الطبريّ (10/ 242) رقم (28247) ، وذكره ابن عطية (4/ 363) ، والسيوطي (5/ 339) ، وعزاه للفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود.]] ، وباقي الآية بَيِّن والضمير في قوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ لكفار قريش، ولا خلافَ أن العذابَ الأكبرَ هو عذابُ الآخرةِ، واخْتُلِفَ في تَعْيين العذاب الأَدْنَى فقيل هو السنون التي أجاعَهم الله فيها وقيل هو مصائبُ الدنيا من الأمراض ونحوها، وقيل هو القَتْل بالسَّيْف كَبَدْرِ وغيرها.
وقوله سبحانه: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ظاهر الإجرام هنا أنه الكفر، وروى معاذ بن جبل عن النبيّ ﷺ أنه قال: «ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ، فَقَدْ أَجْرَمَ: مَنْ عَقَدَ لِوَاءً فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْ عقّ والديه، ومن نصر ظالما» . [[أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 249) رقم (28298) ، والطبراني في «الكبير» (20/ 61) رقم (112) كلاهما من طريق عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل مرفوعا. وذكره الهيثمي في «المجمع» (7/ 93) وقال: وفيه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة، وهو ضعيف.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 342) ، وزاد نسبته إلى ابن منيع، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وضعف السيوطي سنده.]]
{"ayahs_start":16,"ayahs":["تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ یَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ","فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسࣱ مَّاۤ أُخۡفِیَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡیُنࣲ جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنࣰا كَمَن كَانَ فَاسِقࣰاۚ لَّا یَسۡتَوُۥنَ","أَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡمَأۡوَىٰ نُزُلَۢا بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","وَأَمَّا ٱلَّذِینَ فَسَقُوا۟ فَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ كُلَّمَاۤ أَرَادُوۤا۟ أَن یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَاۤ أُعِیدُوا۟ فِیهَا وَقِیلَ لَهُمۡ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِی كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ","وَلَنُذِیقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ","وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَاۤۚ إِنَّا مِنَ ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُنتَقِمُونَ"],"ayah":"تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ یَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق