الباحث القرآني

وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ ... الآية يَجْزِي مَعْنَاه يَقْضي، والمعنى: لا ينفعه بشيء، وقرأ الجمهور: «الغَرور» [[ينظر: «البحر المحيط» (7/ 189) ، و «الدر المصون» (5/ 392) .]] : - بفتح الغَيْنِ- وهو الشيطانُ قاله مجاهد [[أخرجه الطبريّ (10/ 225) رقم (28169) ، وذكره ابن عطية (4/ 356) ، وابن كثير (3/ 453) .]] وغيره، واعلم أيها الأخ أنّ مَنْ فَهِمَ كَلامَ رَبِّه وَرُزِقَ التوفيقَ لم يَنْخَدِعْ بغُرورِ الدنيا وزخرفها الفاني بَل يَصْرِفُ هِمَّتَه بالكُلِّيَةِ إلى التزود لآخرته ساعياً في مَرْضَاةِ ربه، وأنَّ مَنْ أيقنَ أنَّ اللهَ يطلبُه صَدَقَ الطلبَ إليه، كما قاله الإمام العارفُ بالله ابن عطاء الله. وإنه لا بد لبناءِ هذا الوجودِ أن تَنْهَدِمَ دعائمُه وأن تسلب كرائِمهُ، فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو يفنى، قد أشرق نورُه وظهرت تباشيرُه، فَصَدَفَ عن هذه الدار مُغْضِياً، وأعرض عَنها مولياً، فلم يتخذْها وطناً، ولا جعلها/ 69 أسكنا بل أنْهَضَ الهمَّةَ فيها إلى اللهِ تعالى وَصَارَ فِيهَا مُسْتَعِيناً به في القدومِ عليه، فما زالت مطيةُ عَزْمِهِ لا يَقِرُّ قرارُها. دائما تَسْيَارُهَا، إلى أن أناخَتْ بِحَضْرَةِ القُدَسِ، وبساطِ الإنْسِ، انتهى. وَرَوَيْنَا في «جامع الترمذي» عن أبي أمامة عن النبي ﷺ قال: «إنّ أغبط أوليائي عندي المؤمن خَفِيفٌ الحَاذِ ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَأَطَاعَهُ فِي السِّرَّ، وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ لاَ يُشَارُ إلَيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبَرَ على ذَلِكَ، ثُمَّ نَفَضَ بِيَدِهِ فَقَالَ: عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ، قَلَّتْ نَوَائِحُهُ قَلَّ تراثه» ، قال أبو عيسى: وبهذا الإسنادِ عَنِ النبيّ ﷺ قال: «عرض عليّ ربّي ليجعل لي بطحاء [[هو مسيل واديها. ينظر: «النهاية» (1/ 134) .]] مَكَّةَ ذَهَباً، قُلْتُ: لاَ، يَا رَبِّ، ولكن أَشْبَعُ يَوْماً وَأَجُوعُ يَوْماً، أَوْ قَالَ: ثَلاَثاً أَوْ نَحْوَ هذا، فَإذَا جُعْتُ، تَضَرَّعْتُ إلَيْكَ، وَإذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ» [[أخرجه الترمذيّ (4/ 575) كتاب الزهد: باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه. وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن.]] . قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ، وفي الباب عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، انتهى. والغُرُورُ: التَّطْمِيعُ بما لا يَحْصُلُ. وقال ابن جُبَيْرٍ: معنى الآية: أن تَعملَ المعصيةَ وتَتَمَنَّى المغفرة [[أخرجه الطبريّ (10/ 226) رقم (28172) ، وذكره البغوي (3/ 496) ، وابن عطية (4/ 356) ، والسيوطي (5/ 325) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن سعيد بن جبير.]] ، وفي الحديثِ الصحيح: عنه ﷺ قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إلاَّ اللَّهُ تعالى وتلا الآية: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ... إلى آخرها» [[تقدم تخريجه.]] . قال أبو حيَّان: بِأَيِّ أَرْضٍ: - الباء ظَرْفِيةٌ والجملة في موضع نصب- ب تَدْرِي. انتهى. بسم الله الرحمن الرحيم صلّى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله تفسير «سورة السجدة» وهي مكّيّة غير ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً إلى تمام ثلاث آيات.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب