الباحث القرآني

وقوله تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ ... الآية خطابٌ للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحضِّ على الصلاة في هذه الأوقات، كأنه يقول سبحانه: إذا كان أمر هذه الفرق هكذا من النقمة والعذاب، فجِدَّ أيها المؤمن في طريق الفوز برحمة الله. وروى ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ إلى قوله: وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي يَوْمِه ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ» [[أخرجه أبو داود (2/ 740) كتاب الأدب: باب ما يقول إذا أصبح حديث (5076) والطبراني في «الكبير» (12/ 239) رقم (12991) كلاهما من طريق محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا. وعبد الرحمن البيلماني وابنه لا يحتج به. والحديث ضعفه الزيلعي في «تخريج أحاديث الكشاف» (3/ 57) .]] . رواه أبو داود، انتهى من «السلاح» . قال ابن عَبَّاس وغيره: في هذه الآية تنبيهٌ علَى أربع صلواتٍ: المغرب، والصبح، والظهر، والعصر [[أخرجه الطبريّ (10/ 174) رقم (27919- 27921- 27923) بنحوه، وذكره البغوي (3/ 479) ، وابن عطية (4/ 332) ، والسيوطي (5/ 295) ، بنحوه وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس.]] ، قالوا: والعشاءُ الأخيرةُ هي في آية أخرى: في زلف الليل، وقد تقدم بيانُ هذا مُسْتَوْفَى في مَحَاله. وقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ... الآية، تقدم بيانُها. ثم بعد هذه الأَمثِلَةِ القاضيةِ بتجويز بعث الأجساد عقلاً ساق الخبر سبحانه بأن كذلك خروجنا من قبورنا، وتَنْتَشِرُونَ معناه: تتصرفون وتتفرقون، والمودة والرحمة: هما على بابهما المشهور من التواد والتراحم هذا هو البليغ. وقيل: غير هذا. وقرأ الجمهور: «للعالَمين» - بفتح اللام- يعني: جميع العالم. وقرأ حفصٌ [[ينظر: «الحجة» (5/ 444) ، و «إعراب القراءات» (2/ 194) ، و «معاني القراءات» (2/ 264) ، و «شرح الطيبة» (5/ 132) ، و «العنوان» (151) ، و «حجة القراءات» (557) ، و «شرح شعلة» (540) ، و «إتحاف» (2/ 356) .]] عن عاصم- بكسرها- على معنى: أَنَّ أهلَ الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم، وباقي الآية اطْلبه في مَحَالِّه تجده إن شاء الله مبيناً، وهذا شأننا إلاحالة في هذا المختصر على ما تقدم بيانه، فاعلمه راشداً. ت: وهذه الآياتُ والعبر إنما يعظمُ موقعُها في قلوب العارفين باللَّه سبحانه، ومن أكثرَ التفكُّرَ في عجائب صنع الله تعالى حَصَلَتْ له المعرفةُ بالله سبحانه. قال الغَزَالِيُّ في «الإحياء» : وبحر المعرفة لا ساحل له والإحاطة بكنه جلال الله محالٌ، وكلما كثرت المعرفةُ بالله تعالى وصفاتِه وأَفعاله وأسرار مملكته وقويت- كثر النعيم في الآخرة وعظم، كما أنه كلما كثر البذر وحسن- كثر الزرع وحسن. وقال أيضاً في كتاب «شرح عجائب القلب» من «الإحياء» : وتكون سَعَةُ ملك العبد في الجنة بحسب سِعَة معرفتِه بالله، وبحسب ما يتجلى له من عظمة الله- سبحانه-، وصفاتِه، وأفعاله، انتهى. وقوله تعالى: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ معناه: تثبت، كقوله تعالى: وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا [البقرة: 20] . وهذا كثير، والدعوة من الأرض: هي البعث ليوم القيامة، قال مكي: والأحسن عند أهل النظر أنَّ الوقفَ في هذه الآية يكونُ في آخرها، تُخْرَجُونَ لأن مذهب سيبويهِ والخليلِ في «إذا» الثانية: أنها جوابُ/ الأولى، كأنه قال: ثم إذا دعاكم خرجتم وهذا 66 أأسدّ الأقوال. وقال ص: إِذا أَنْتُمْ، «إذا» : للمفاجأة، وهل هي ظرفُ مكانٍ أو ظرفَ زمان؟ خلاف، ومِنَ الْأَرْضِ علَّقهُ الحُوفِيُّ ب «دَعَا» ، وأجاز ع [[ينظر: «المحرر» (4/ 334) .]] : أن يتعلقَ ب «دعوة» انتهى. وقرأ حمزة [[وحجتهما قوله تعالى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ [القمر: الآية 7] ، وقوله: إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس: 51] . وحجة الباقين قوله سبحانه: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا [يس: الآية 52] .- ينظر: «حجة القراءات» (557) ، و «السبعة» (506) ، و «الحجة» (5/ 445) ، و «إعراب القراءات» ، (2/ 195) ، و «العنوان» (151) ، و «حجة القراءات» (557) ، و «إتحاف» (2/ 356) .]] والكسائي: «تَخْرُجُونَ» - بفتح التاء، والباقون بضمها-، والقنوت هنا بمعنى الخضوعِ، والانقيادِ في طاعتهِ سبحانه. وإعادة الخلق: هو بعثُهم من القبور. وقوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ قال ابن عباس وغيره: المعنى: وهو هين [[أخرجه الطبريّ (10/ 179) رقم (27939) ، وذكره البغوي (3/ 481) ، وابن عطية (4/ 335) ، وابن كثير (3/ 431) ، والسيوطي (5/ 298) ، وعزاه لابن الأنباري عن ابن عباس.]] عليه، وفي مصحف ابن مسعود [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 335) ، و «البحر المحيط» (7/ 165) .]] «وهو هين عليه» ، وفي بعض المصاحف «وكل هين عليه» . وقال ابن عباس أيضاً وغيره: المعنى: وهو أيسر [[أخرجه الطبريّ (10/ 179) رقم (27940) ، وذكره ابن عطية (4/ 335) ، وابن كثير (3/ 430) ، والسيوطي (5/ 297) بنحوه، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.]] عليه، قال: ولكن هذا التفضيل إنَّما هو بحسْب معتقدِ البَشَرِ وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعَادَةِ في كثير من الأشياء أهون علينا من البدأة. ولما جاء بلفظٍ فيه استعارة، وتشبيه [[في ج: التشبيه.]] بما يعهده الناس من أنفسهم خَلُصَ جانبُ العظمة بأن جعل له المثلَ الأعْلَى الذي لا يلحقه تكييف ولا تماثل مع شيء. ثم بين تعالى أمر الأصنام وفسادَ معتقدِ مَن يُشْرِكُها بالله- بضربه هذا المثلَ- وهو قوله: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... الآية، ومعناه: أَنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيدٌ تَمْلِكُونَهم فإنكم لا تشركونهم في أموالكم ومُهِمِّ أموركم، ولا في شيء على جهة استواءَ المنزلة. وليس من شأنكم أن تخافوهم في أن يرثوا أموالكم، أو يقاسموكم إياها في حياتكم، كما يفعل بعضكم ببعض فإذا كان هذا فيكم، فكيف تقولون: أن من عبيده وملكه شركاءُ في سلطانِه وألوهيته هذا تفسير ابن عباس [[أخرجه الطبريّ (10/ 181) رقم (27949) بنحوه، وذكره البغوي، (3/ 482) ، وابن عطية (4/ 335- 336) ، والسيوطي (5/ 298) ، بنحوه، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.]] والجماعة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب