الباحث القرآني
وقوله: وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ، أي: ويجعله رسولاً، وكانت رسالةُ عيسى- عليه السلام- إلى بني إِسرائيل مبيِّناً حُكْمَ التوراة، ونَادِباً إِلى العَمَل بها، ومُحَلِّلاً أشياءَ ممَّا حرم فيها كَالثُّرُوبِ ولُحُومِ الإِبل، وأشياء من الحِيتَانِ والطَّيْر/، ومن أول القول لِمَرْيم إِلى قوله: إِسْرائِيلَ: خطابٌ لمريم، ومن قوله: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ إِلى قوله:
مُسْتَقِيمٌ: يحتملُ أنْ يكون خطاباً لمريم على معنى: يَكُونُ من قوله لِبَنِي إِسرائيل كَيْتَ وَكَيْتَ، ويكون في آخر الكلام محذوفٌ يدُلُّ عليه الظاهرُ، تقديره: فجاء عيسى بني إِسرائيل رسولاً، فقال لهم ما تقدَّم ذكْرُهُ، ويحتملُ أنْ يكون المحذوفُ مقدَّراً في صَدْرِ الكلامِ بعد قوله: إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ، فيكون تقديره: فجاء عيسى كما بَشَّر اللَّهُ رسولاً إلى بني إِسرائيل بأنِّي قد جئتكم، ويكون قوله: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ ليس بخِطَابٍ لِمَرْيَمَ، والأول أظهر.
وقوله: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ ... الآية: قرأ نافعٌ: «إِنِّي أَخْلُقُ» بكسر الهمزة، وقرأ باقي السَّبْعة بفَتْحها، فوجه قراءةِ نافعٍ إِمَّا القَطْعُ والاستئناف، وإِما أنه فسَّر الآية بقوله:
إِنِّي، كما فسر المَثَلَ في قوله: كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران: 59] ووجْه قراءة الباقين البَدَلُ من «آية» كأنه قال: وجئْتكم بِأَنِّي أخلْقُ، وأَخْلُقُ: معناه: أقدّر وأهيئ بيَدِي.
ص: كَهَيْئَةِ: الهيئةُ: الشَّكْل والصُّورة، وهو مصدر: هَاءَ الشَّيْءُ يَهِيىءُ هَيْئَةً، وَهَيَّأَ، إِذا ترتَّب واستقر على حالٍ مَّا، وتعدِّيه بالتضْعيف، قال تعالى: وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً [الكهف: 16] اهـ.
وقرأ نافعٌ وحْده: «فَيَكُونُ طَائِراً» بالإِفراد أي: يكون طائراً من الطيورِ، وقرأ الباقونَ: «فَيَكُونُ طَيْراً» بالجمع وكذلك في «سورة المائدة» والطير: اسمُ جمعٍ، وليس من أبنيةِ الجُمُوع، وإِنما البنَاءُ في جَمْعِ طائرٍ: أَطْيارٌ، وجَمْعُ الجَمْعِ: طُيُورٌ.
وقوله: فَأَنْفُخُ فِيهِ، ذكَّر الضميرَ لأنه يحتملُ أنْ يعود على الطِّينِ المهيّأ، ويحتملُ أنْ يريد: فأنفُخُ في المذكور، وأنَّثَ الضميرَ في «سورة المائدة» لأنه يحتمل أنْ يعود على الهيئة، أوْ على تأنيثِ لَفْظ الجَمَاعة، وكَوْنُ عيسى يخلُقُ بيده، وينفُخُ بِفِيهِ، إِنما هو ليبيِّن تلبُّسه بالمعجزةِ، وأنها جاءَتْ من قِبَلِهِ، وأمَّا الإِيجاد من العَدَمِ، وخَلْقُ الحياةِ في ذلك الطِّينِ، فمِنَ اللَّهِ تعالى وحده، لا شريك له.
ورُوِيَ في قَصَصٍ هذه الآية، أنَّ عيسى- عليه السلام- كانَ يَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَيُّ الطَّيْرِ أَشَدُّ خِلْقَةً، وَأَصْعَبُ أنْ يحكى؟ فيَقُولُونَ: الخُفَّاشُ لأَنَّهُ طَائِرٌ لاَ رِيشَ لَهُ، فَكَانَ يَصْنَعُ مِنَ الطِّينِ خَفَافِيشَ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهَا فَتَطِيرُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَمُعَايَنَتِهِمْ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: «هَذَا سَاحِرٌ» أُبْرِئُ معناه: أزيل المرض، والْأَكْمَهَ: هو الَّذِي يُولَدُ أعمى مضمومَ العَيْنَيْنِ قاله ابن عَبَّاسٍ وقتادة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 275) برقم (7086) ، (7087) عن قتادة، وابن عباس. وذكره ابن عطية (1/ 440) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 57) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، من طريق الضحاك عن ابن عباس.]] ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 440) .]] : والأَكْمَهُ في اللغة: هو الأعمى، وقد كان عيسى- عليه السلام- يبرىءُ بدعائِهِ، ومَسْحِ يدِهِ على كل عاهة، ولكنَّ الاحتجاج على بني إِسرائيل في معنى النبوَّة لا يقومُ إِلاَّ بالإِبراء من العِلَلِ التي لا يُبْرِىءُ منها طبيبٌ بوجْهٍ، ورُوِيَ في إِحيائه الموتى أنه كان يَضْرِبُ بعَصَاهُ الميِّتَ، أو القَبْرَ، أو الجُمْجُمَةَ فَيَحْيَى الإِنسانُ، ويكلِّمه بإِذن اللَّه، وفي قصص الإِحياء أحاديثُ كثيرةٌ لا يوقَفُ على صحَّتها، وآياتُ عيسى- عليه السلام- إِنما تَجْرِي فيما يُعَارِضُ الطِّبَّ لأن علْمَ الطِّبِّ كان شَرَفَ النَّاس في ذلك/ الزّمان، وشُغْلَهُمْ، وحينئذ أُثِيرَتْ فيه العجائبُ، فلما جاء عيسى- عليه السلام- بغرائبَ لا تقتضيها الأمزجةُ وأصولُ الطِّبِّ وذلك إِحياءُ الموتى، وإِبراء الأكْمَهِ والأَبْرَصِ، عَلِمَتِ الأطبَّاء أن هذه القوَّة من عند اللَّه، وهذا كأمْرِ السَّحَرَةِ مع موسى، والفصحاء مع نبيّنا محمّد ﷺ، ووقع في التواريخِ المُتَرْجَمَة عن الأطبَّاء أنَّ جَالِينُوسَ كانَ في زمنِ عيسى- عليه السلام-، وأنه رحَل إِلَيْهِ مِنْ رُومِيَّةَ إِلَى الشَّامِ، فَمَاتَ فِي طَرِيقِهِ ذلك.
وقوله: وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ... الآية: قال مجاهدٌ وغيره: كان عيسى- عليه السلام- مِنْ لَدُنْ طفوليَّته، وهو في الكُتَّابِ، يخبرُ الصِّبْيان بما يفعل آباؤهم في منازِلِهِمْ، وبما يُؤْكَلُ من الطعامِ، ويُدَّخَرُ، وكذلك إلى أنْ نُبِّئى، فكان يقول لكلِّ من سأله عن هذا المعنى: أَكَلْتَ البارحةَ كَذَا، وادخرت كذا [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 278) برقم (7098) بنحوه، وذكره ابن عطية (1/ 440) .]] ، وقال قتادةُ:
معنَى الآية: إِنما هو في نزول المائدةِ علَيْهم، وذلك أنَّها لما نزلَتْ، أخذ عليهم عَهْدَ أنْ يَأْكُلُوا ولا يَخْبَأَ أَحدٌ شيئاً، ولا يدَّخره ولا يَحْمِله إلى بيته، فَخَانُوا، وجعلوا يُخَبِّئُون، فكان عيسى- عليه السلام- يُخْبِرُ كلَّ أحدٍ عمَّا أكل، وعمَّا ادخر في بَيْته من ذلك، وعوقبوا على ذلك [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 279) برقم (7104) ، وذكره ابن عطية (1/ 440) .]] .
وقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ: تحذيرٌ، ودعاءٌ إِلى اللَّه عزَّ وجلَّ.
وقوله: هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ: إشارةٌ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، لأن ألفاظه جمعتِ الإِيمان والطَّاعاتِ، والصِّرَاطُ: الطريقُ، والمُسْتَقِيم: الذي لا اعوجاج فيه.
{"ayahs_start":49,"ayahs":["وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنِّی قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّیۤ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّینِ كَهَیۡـَٔةِ ٱلطَّیۡرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَكُونُ طَیۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ","وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِی حُرِّمَ عَلَیۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ","إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"],"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق