الباحث القرآني
وقوله سبحانه: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ: معناه: فبرحمةٍ، قال القُشَيْريُّ في «التحبير» : واعلَمْ أنَّ اللَّه سبحانه يحبُّ من عباده مَنْ يرحم خَلْقه، ولا يرحم العبد إلاَّ إذا رحمه اللَّه سبحانَهُ، قال اللَّه تعالى لنبيِّه- عليه السلام-: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ.
انتهى.
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 533) .]] : ومعنى هذه الآيةِ التقريعُ لكلِّ مَنْ أخلَّ يومَ أُحُدٍ بمَرْكزه، أي: كانوا يستحقُّون الملام منْكَ، ولكنْ برحمةٍ منه سُبْحَانه/ لِنْتَ لهم، وجَعَلَكَ على خُلُقٍ عظيمٍ، وبعَثَكَ لتتميمِ محاسنِ الأخلاق، ولو كُنْتَ فظًّا غليظَ القَلْب، لانفضوا مِنْ حولك، وتفرَّقوا عَنْكَ، والفَظُّ: الجافي في منطقه ومقاطعه، وفي صفته ﷺ في الكُتُب المُنزَّلة: «لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غَلِيظٍ وَلاَ صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ» [[تقدم.]] ، والفَظَاظة: الجَفْوة في المعاشرة قولاً وفعلاً، وغِلَظُ القَلْب: عبارةٌ عن تجهُّمِ الوجْهِ، وقلَّةِ الانفعالِ في الرغَائِبِ، وقلَّةِ الإشفاقِ والرَّحْمةِ، والانفضاضُ: افتراق الجموع.
وقوله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... الآية: أمر سبحانه نبيَّه- عليه السلام- بهذه الأوامر التي هِيَ بتدريجٍ بليغٍ، فأمره أنْ يعفو عَنْهم فيما له عليهم من حقّ، ثمّ يستغفر لهم فيما للَّه علَيْهم مِنْ تَبِعَةٍ، فإذا صاروا في هذه الدَّرَجَة، كانوا أهلاً للاستشارة.
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 534) .]] : ومَنْ لا يستشيرُ أهل العِلْمِ والدِّين، فعَزْلُه واجبٌ، هذا ممَّا لا خلافَ فيه، وقد وردَتْ أحاديثُ كثيرةٌ في الاستشارة، ومُشَاورته- عليه السلام- إنما هي في أمور الحَرْب والبُعُوث ونحوه من أشخاصِ النَّوَازِلِ، فأما في حلالٍ، أو حرامٍ، أو حَدٍّ، فتلك قوانينُ شَرْعٍ، ما فرَّطنا في الكتابِ مِنْ شيء، والشورى مبنيَّة على اختلافِ [[الشورى: مصدر بمعنى التشاور، يقال: تشاور القوم إذا اجتمعوا على الأمر ليستشير كل واحد منهم صاحبه، ويستخرج ما عنده من رأي، من قولهم: شرت الدابة: إذا عرضتها على مشتريها ليبلوها وينظر ما عندها، وبالعرض يعلم خيرها وشرها، فكذلك بالتشاور يعلم خير الأمور وشرها.
والشورى دعامة الحكومة الإسلامية، وعليها مدار انتظامها وحسن سلوكها وسعادتها، فأعدل الحكومات هي الحكومة الشورية، لذلك عنى الله (سبحانه وتعالى) بأمرها حتى قرر أصولها، في كثير من آيات الذكر الحكيم، وأمر بها رسوله المعصوم، قال تعالى: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38] ، فامتدحهم بأن أمرهم شورى بينهم وقرنوه بأصل الإيمان، وهو الاستجابة إلى الله، وبأقوى أركانه وهو الصلاة، وفي هذا تنويه بشأنها، وإعلاء من أمرها، وتنبيه على أنها من أصول الإسلام ودعائمه.
وقال تعالى لنبيه ﷺ: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159] .
روي عن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: «قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستنّ به من بعده» .
وقال البيضاوي في تفسيرها: عاملهم معاملة العفو والصفح فيما يختص بك، واطلب المغفرة لهم، واستظهر برأيهم، وشاورهم في أمر الحرب وفي كل ما تصح فيه المشاورة لتطييب نفوسهم ولتمهيد سنة المشاورة لأمتك.
ينظر: «الخلافة» لشيخنا عبد الفتاح الجوهري.]] الآراءِ، والمُسْتَشِيرُ ينظر في ذَلِكَ الخلافِ، ويتخيَّر، فإذا أرشده اللَّه إلى ما شاء منْهُ، عزم علَيْه، وأنفذه متوكِّلاً على اللَّه إذ هو غايةُ الاجتهادِ المَطْلُوب منه، وبهذا أمر اللَّه تعالى نبيَّه في هذه الآيةِ، وصِفَةُ المُسْتشارِ في الأحكامِ أنْ يكونَ عالماً ديِّناً، وقلَّما يكونُ ذلك إلاَّ في عاقلٍ، فقَدْ قال الحَسَنُ ابْنُ أبِي الحَسَنِ: ما كَمَلَ دِينُ امرئ لَمْ يَكْمَلْ عَقْلُهُ [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 534) .]] .
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 534) .]] : والتوكُّل على اللَّه سبحانه وتعالى مِنْ فروض الإيمانِ وفصولِهِ، ولكنَّه مقترنٌ بالجِدِّ في الطاعاتِ، والتَّشْميرِ والحَزَامَةِ بغايةِ الجُهْدِ، وليس الإلقاء باليدِ وما أشبهه بتوكُّل، وإنما هو كما قال- عليه السلام-: «قَيِّدْهَا وَتَوَكَّلْ» .
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ هذه غايةٌ في الرِّفْعة، وشَرَفِ المنزلةِ، وقد جاءت آثار صحيحةٌ في فَضْل التوكُّلِ وعظيمِ منزلةِ المتوكِّلين، ففي «صحيح مُسْلِمٍ» عن عمران بن حصين أنّ النبيّ ﷺ قال: «يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ، قَالُوا: مَنْ هُمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ، وَلاَ يَستَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» ، [[أخرجه مسلم (1/ 198) ، كتاب «الإيمان» ، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب، حديث (218/ 371) ، وأحمد (4/ 436، 441) ، والبغوي في «شرح السنة» (7/ 327- بتحقيقنا) .]] وخَرَّج أبو عيسَى التِّرمذيُّ، عن أبي أُمَامَةَ، قَالَ: سمعتُ النبيَّ ﷺ يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِل الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثَلاَثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي» ، وخرَّجه ابن ماجة أيضاً [[أخرجه الترمذي (4/ 626) ، كتاب «صفة القيامة» ، باب (12) ، حديث (2437) ، وابن ماجة (2/ 1433) كتاب «الزهد» ، باب صفة أمة محمد ﷺ، حديث (4286) ، وأحمد (5/ 268) .]] ، وخرَّج أبو بَكْرٍ البَزَّارُ، وأبو عَبْدِ اللَّهِ التِّرمذيُّ الحكيمُ، عنْ عبد الرحمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصديقِ (رضي اللَّه عنه) ، قَالَ: قال النّبيّ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعْطَانِي سَبْعِينَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلاَّ استزدته قَالَ: قَدِ استزدته، فَأَعْطَانِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ الأَلْفَ سَبْعِينَ أَلْفاً، فقالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلاَّ استزدته، فَقَالَ: قَدِ استزدته، فَأَعْطَانِي هَكَذَا، وفَتَحَ أَبُو وَهْبٍ يَدَيْهِ، قَالَ أَبُو وَهْبٍ: قَالَ هِشَامٌ:
هَذَا مِنَ اللَّهِ لاَ يدرى، مَا عَدَدُهُ» [[أخرجه البزار كما في «مجمع الزوائد» (10/ 413- 414) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد، والبزار، والطبراني بنحوه، وفي أسانيدهم القاسم بن مهران عن موسى بن عبيد، وموسى بن عبيد هذا هو مولى خالد بن عبد الله بن أسيد، ذكره ابن حبان في «الثقات» . والقاسم بن مهران ذكره الذهبي في «الميزان» ، وأنه لم يرو عنه إلا سليم بن عمرو النخعي، وليس كذلك، فقد روى عنه هذا الحديث هشام بن حسان، وباقي رجال إسناده محتج بهم في الصحيح.]] ، وخرَّج أبو نُعَيْمٍ، عن أنس، عن النبيّ ﷺ قَالَ: «وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّة/ مِنْ أُمَّتِي مِائَةَ أَلْفٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا، قَالَ: وَهَكَذَا، وَأَشَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنَا، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قَادِرٌ أَنْ يُدْخِلَ النَّاسَ الجَنَّةَ بحفنة واحدة، فقال النّبيّ ﷺ: «صدق عمر» [[أخرجه أحمد (3/ 193) ، وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 344- 345) من طريق أبي هلال عن قتادة عن أنس مرفوعا.
وقال أبو نعيم: غريب من حديث قتادة عن أنس (رضي الله عنه) ، تفرد به أبو هلال، واسمه محمد بن سليم الراسبي، ثقة بصري.]] . اهـ من «التذكرة» [[ينظر: «التذكرة» (2/ 504) .]] ، وما وقَعَ من ذكْرِ الحَثْيَةِ والحَفْنَةِ لَيْسَ هو على ظاهره، فاللَّه سبحانه منزَّه عن صفَاتِ الأجْسَامِ.
وقوله تعالى: وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ أيْ: يترككم، والخذل الترك، والضميرُ في: مِنْ بَعْدِهِ يعودُ على اسمِ اللَّهِ، ويحتملُ على الخذل.
{"ayahs_start":159,"ayahs":["فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ","إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن یَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن یَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق