الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هذه الآية مَكيةٌ، ولم يكن يومئذٍ قتالٌ، وكانتِ اليهودُ يومئذٍ بمكة وفيما جاورها، فربما وقع بينهم وبين بعض المؤمنين جدالٌ واحتجاجٌ في أمر الدينِ وتكذيب، فأَمر الله المؤمنين ألا يجادلوهم إلا بالتي هي أحسن دعاءً إلى الله تعالى وملاينةً، ثم استثنى من ظلم منهم المؤمنين وحصلت منه أذية فإن هذه الصنيفة استُثْنِيَ لأهل الإسلام معارضَتُهَا بالتغيير عليها، والخروج معها عن التي هي أحسن. ثم نُسِخَ هذا بَعْدُ بآية القتال وهذا قول قتادة [[أخرجه الطبريّ (10/ 150) رقم (27822) بنحوه، وذكره البغوي (3/ 470) بنحوه، وابن عطية (4/ 321) بنحوه، وابن كثير بنحوه (3/ 415) ، والسيوطي (5/ 282) ، وعزاه لأبي داود في «ناسخه» ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في «المصاحف» عن قتادة.]] وهو أحسن ما قيل في تأويل الآية. ت: قال عزُّ الدين بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ في «اختصاره لقواعد الأحكام» [[قال «المقري» في «قواعده» : لا يجوز التعصب إلى المذاهب بالانتصاب للانتصار بوضع الحجاج، وتقريبها على الطرق الجدلية مع اعتقاد الخطأ، أو المرجوحية عند المجيب، كما يفعله أهل الخلاف، إلا على وجه التدريب على نصب الأدلة، والتعليم لسلوك الطريق بعد بيان ما هو الحق، فالحق أعلى من أن يعلى، وأغلب من أن يغلب. وقال أيضا: ولا يجوز رد الأحاديث إلى المذاهب على وجه ينقص من بهجتها، ويذهب بالثقة بظاهرها فإن ذلك إفساد لها، وغض من منزلتها، لا أصلح الله المذاهب بفسادها، ولا رفعها بخفض درجاتها، فكل كلام يؤخذ منه ويرد إلا ما صح لنا عن سيدنا رسول الله ﷺ، بل لا يجوز الرد مطلقا لأن الواجب أن ترد المذاهب إليها كما قال «الإمام الشافعي» ، لا أن ترد هي إلى المذاهب ولله درّ علي- رضي الله عنه- أي بحر علم ضم جنباه! - إذ قال لكميل بن زياد لما قال له: أترانا نعتقد أنك على الحق، وأن طلحة، والزبير على الباطل؟!: اعرف الرجل بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وما أحسن قول أرسطو لما خالف أستاذه أفلاطون: تخاصم الحقّ وأفلاطون، وكلاهما صديق لي، والحق أصدق منه. انظر «القواعد» (2/ 397) وما بعدها بتصرف، وينظر: «القواعد الصغرى» بتحقيقنا ص 109.]] : فائدة: لا يجوز الجدال والمناظرة إلا لإظهار الحقِّ ونُصْرَتِهِ ليُعْرَفَ ويُعْمَلَ به، فمن جادل لذلك فقد أطاع، ومن جادَلَ لغرضٍ آخر، فقد عصى وخَابَ، ولا خير فيمن يتحيَّلُ لِنُصْرَةِ مذهبه مع ضعفه وبُعْدِ أدلته من الصواب، انتهى. تنبيه: رَوَى الترمذيُّ عن النبيِّ ﷺ أنه قَالَ: «الحَيَاءُ وَالْعِيُّ: شُعْبَتَانِ مِنَ الإيمَانِ، والبَذَاءُ وَالبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنَ النَّفَاقِ» [[أخرجه الترمذيّ (4/ 375) كتاب البر والصلة: باب ما جاء في العي، حديث (2027) ، وأحمد (5/ 269) ، والحاكم (1/ 9) ، والبغوي في «شرح السنة» (6/ 410- بتحقيقنا) كلهم من طريق محمد بن مطرف أبي غسان عن حسان بن عطية عن أبي أمامة مرفوعا. وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.]] . وروى أبو داود والترمذيّ عن النبيّ ﷺ أنه قال: «إنَّ اللهَ يَبْغَضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ بلسانها» حديث [[أخرجه أبو داود (2/ 720) كتاب الأدب: باب ما جاء في المتشدق في الكلام، حديث (5005) ، والترمذيّ (5/ 141) كتاب الأدب: باب ما جاء في الفصاحة والبيان، حديث (2853) ، وأحمد (2/ 165، 187) من طريق نافع بن عمر الجمحي عن بشر بن عاصم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.]] غريب، انتهى وهما في «مصابيح البغوي» . وروى أبو داودَ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ تَعَلَّمَ صَرْفَ الكَلاَمِ لِيَسْبِيَ بِه قُلُوبَ الرِّجَالِ، أَوِ النَّاسِ- لَمْ يَقْبَلِ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً» [[أخرجه أبو داود (2/ 720) كتاب الأدب: باب ما جاء في المتشدق في الكلام، حديث (5006) من حديث أبي هريرة.]] انتهى. وقوله تعالى: وَقُولُوا آمَنَّا الآية، قال أبو هريرة: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراةَ بالعبرانيةِ ويفسرونها بالعربية للمسلمين، فقال النبيُّ ﷺ: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ [[أخرجه البخاري (13/ 345) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب قول النبي ﷺ: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» ، حديث (7362) وفي (13/ 525) كتاب التوحيد: باب ما يجوز من تفسير التوراة، حديث (7542) ، والطبريّ في «تفسيره» (10/ 151) رقم (27823) من حديث أبي هريرة. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 282) ، وزاد نسبته إلى النسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «الشعب» .]] » ، وقُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» وَرَوَى ابنُ مسعود أن النبيّ ﷺ قال: «لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوْكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا: إمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، وإمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ» [[أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 151) رقم (27825) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 282) ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق.]] . وقوله تعالى: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يريدُ: التوراة والإنجيل كانوا في وقت نزول الكتاب عليهم يؤمنون بالقرآن. ثم أخبر عن معاصري نبينا محمد ﷺ أن منهم أيضاً مَنْ يؤمن به ولم يكونوا آمنوا بَعْدُ، ففي هذا إخبارٌ بغيب بَيَّنَه الوجودُ بَعْدَ ذلك. قوله تعالى: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ يُشْبِهُ أَن يُرَادَ بهذا الانحناءِ كفارُ قريش. ثم بيَّن تَعَالى الحجةَ وأوضحَ البرهانَ: أَن مما يقوى أَنَّ نزولَ هذا القرآن مِن عِنْدِ الله أن محمداً- عليه السلام- جاء به في غاية الإعجاز والطُّول والتَّضَمُنِ للغيوب، وغير ذلك؟ وهو أمِّيَّ لا يقرأ ولا يكتب ولا يتلو كتاباً/ ولا يخط حروفاً ولا سبيلَ له إلى 63 ب التعلم، ولو كان ممن يقرأ أو يخط، لارتاب المبطلون، وكان لهم في ارتيابهم مُعَلَّق، وأما ارتيابهُم مع وضوحِ هذهِ الحجةِ فظاهرٌ فساده. قوله تعالى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ يعني: القرآن، ويحتمل أن يعودَ على أمر محمد ﷺ والظَّالِمُونَ والْمُبْطِلُونَ يعمّ لفظهما كلّ مكذّب للنبي ﷺ، ولكنّ عظم الإشارةَ بهما إلى قريش لأنهم الأهم قاله مجاهد [[أخرجه الطبريّ (10/ 152) رقم (27832) بنحوه، وذكره ابن عطية (4/ 322) ، والسيوطي (5/ 283) بنحوه، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب