الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها. قال السدي: كان موسى في وقتِ هذه القصةِ على رَسْمِ التعلُّقِ بفرْعَونَ، وكان يَرْكَبُ مَرَاكِبَه حتى إنه كان يُدْعَى مُوسَى بنَ فِرْعَوْنَ [[أخرجه الطبريّ (10/ 42) رقم (27252) ، وذكره البغوي (3/ 438) ، وابن عطية (4/ 280) ، والسيوطي (5/ 231) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي.]] ، فركب فرعونُ يوماً وسارَ إلى مدينةٍ من مدائنِ مِصْرَ، فركبَ مُوسَى بَعْدَه ولَحِق بتلكَ المدينَةِ في وقتِ القائِلة، وهو حينُ الغَفْلَة قاله ابن عباس [[ذكره ابن عطية (4/ 280) .]] ، وقال أيضاً: هو بين العِشَاء والعَتَمَة، وقيل غيرُ هذا [[ذكره ابن عطية (4/ 280) .]] . وقوله تعالى: هذا مِنْ شِيعَتِهِ أي من بني إسرائيل، وعَدُوِّهِ هم القِبْطُ، و «الوَكْزُ» : الضَّرْبُ باليدِ مجموعةً، وقرأ ابن مسعود [[ينظر: «الشواذ» ص 114، و «الكشاف» (3/ 498) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 280) ، و «البحر المحيط» (7/ 105) ، و «الدر المصون» (5/ 335) .]] : «فَلَكَزَهْ» والمعنى: واحد إلا أن اللَّكْزَ في اللَّحْيِ، والوَكْزَ علَى القَلْبِ، وفَقَضى عَلَيْهِ معناه: قتله مجهزا، ولم يرد - عَلَيْهِ السلامُ- قَتَلَ القِبْطِيِّ، لَكِنْ وَافَقَتْ وَكْزَتُهُ الأجل فندم، ورأى أنّ ذلك من نزغ الشيطان في يده، ثم إن نَدَامَةَ موسى عليه السلام حَمَلَتْهُ على الخُضُوعِ لربِّه والاسْتِغْفَارِ من ذنبه، فغفر الله له ذلك، ومع ذلك لَم يَزَلْ عليه السلام يُعيد ذلك على نفسه مع علمه أَنه قَد غُفِر له، حتى إنَّهُ في القِيَامِةِ يَقُولُ: «وَقَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بقَتْلِهَا» حَسْبَمَا صَحَّ فِي حدِيثِ الشفاعة، ثم قال موسى- عليه السلام- معاهداً لربه: رَبِّ بنعمتِكَ عليّ وبسبب إحسانِك وغُفْرانِك، فأنا مُلْتَزِمٌ أَلاَّ أكون مُعِيناً للمجرمين هذا أحسن ما تأول. وقال الطبري [[ينظر: «الطبريّ» (10/ 46) .]] : إنه قَسَمٌ أقسم بنعمة اللهِ عندَه. قال ع [[ينظر: «المحرر» (4/ 281) .]] : واحتج أهلُ الفضلِ والعلمِ بهذهِ الآيةِ في مَنْعِ خِدْمَة أهل الجَوْرِ ومَعُونَتِهم في شيء من أمورهم، ورأوا أنها تَتَنَاوَلُ ذلكَ نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره. قال ابن عباس: ثم إنَّ مُوسَى- عليه السلام- مرَّ وَهُوَ بحالةِ التَّرَقُّبِ وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قَاتَلَ القبطيَّ بالأَمسِ يُقاتِلُ آخرَ مِن القِبْطِ [[أخرجه الطبريّ (10/ 47) رقم (27277) ، وذكره البغوي (3/ 440) ، وابن عطية (4/ 281) .]] ، وكان قَتَلُ القبطيّ قد خفي على الناس واكْتَتَم، فلما رأَى الإسرائيلي موسى، استصرخه، بمعنى صاحَ بهِ مستغيثاً فلما رأى موسى- عليه السلام- قِتَالهُ لآخرَ أعظم ذلكَ وقال له مُعَاتباً ومُؤَنِّباً: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ وكانت إرادة موسى- عليه السلام- مع ذلك، أن ينصرَ الإسرائيلي، فلما دنا منهما، وحبس الإسرائيلي وفَزَعَ منه، وظن أنه ربما ضَرَبَه، وفزع من قوتِهِ التي رأى بالأمس، فناداه بالفضيحةِ وشهَّر أمرَ المقتُولِ، ولما اشْتَهِرَ أنَّ مُوسَى قَتَل القَتِيلَ، وكان قول الإسرائيلي يَغْلِبُ على النفُوسِ تصديقُه على موسَى، مَعَ ما كانَ لِمُوسَى مِنَ المقدِّمَاتِ أتى رأي فرعون وملئه علَى قَتْلِ مُوسَى، وغَلَبَ على نفسِ فرعون أنه المشارُ إليه بفَسَادِ المَمْلَكَةِ، فأنْفَد فيهِ مَنْ يطلُبه ويأْتي بهِ للقَتْلِ، وألْهَمَ اللهُ رَجُلاً يقالُ إنه مؤمِنٌ مِن آل فرعَونَ أو غيره، فجاء إلى موسَى وبَلَّغَهُ قبلَهُم ويَسْعى / معناه: يسرع في مشيه قاله 56 ب الزجاج [[ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (4/ 138) .]] وغيره، وهو دون الجري، فقال: يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ... الآية. ت قال الهروي: قوله تعالى: يَأْتَمِرُونَ بِكَ أي: يؤامُرُ بعضهم بعضا في قَتلِك، وقال الأزهري: الباءُ في قوله: يَأْتَمِرُونَ بِكَ بمعنى: «في» يقال: ائتَمَرَ القومُ إذا شَاوَرَ بَعْضُهمْ بَعْضاً، انتهى. وعن أبي مجلز- واسمه لاحق بن حميد- قال: من خاف من أمير ظُلُماً فقال: رضيت بالله رَبّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيّاً وبالقرآن حَكَماً وإماماً، نجَّاه الله منه رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» ، انتهى من «السلاح» . وتِلْقاءَ معناه نَاحِيَةَ مدين، وبينَ مِصرَ ومَدْيَنَ مسيرةَ ثَمانِيَةَ أيامٍ، وكانَ مُلْكُ مدين لغير فرعونَ، ولما خَرَجَ عليه السلام فارّاً بنفسهِ منفرداً حافياً لا شيءَ معه ولا زادَ وغيرَ عارفٍ بالطريقِ أسْنَدَ أمرَه إلى اللهِ تعالى وقال: عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ومشى- عليه السلامُ- حتى وَرَدَ ماءَ مدينَ، وَوُرُودُهُ المَاءَ، معناه: بلُوغُه، ومدينُ: لا ينْصَرِفُ إذ هو بلدٍ معروفٌ، والأمَّة: الجمعُ الكثيرُ، ويَسْقُونَ معناه: ماشيتهم، ومِنْ دُونِهِمُ معناه: ناحيةً إلى الجهةِ الَّتي جَاء مِنها، فَوَصَل إلى المرْأَتَيْنِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلى الأمّة، وتَذُودانِ معناه: تَمْنعَانِ، وتَحْبِسَانِ غَنَمَهُمَا عَنِ الماءِ خوفاً من السقاة الأقوياء، وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ، أي: لا يستطيعُ لِضَعْفِهِ أن يُبَاشِرَ أمْرَ غَنَمِه. وقوله تعالى: فَسَقى لَهُما. قالت فرقة: كانت آبارهم مغطاةً بحجارةٍ كبارٍ، فَعَمَدَ إلى بِئْرٍ، وكان حَجَرُهَا لاَ يرفعُه إلاَّ جَماعَة، فَرَفَعَهُ وسقى للمرأتين. فَعَنْ رَفْعِ الصَّخْرَةِ وصِفتْه إحداهُما بالقوة، وقيل: وصفَتْه بالقوة لأنه زَحَمَ النَّاسَ وغَلَبَهُمْ عَلى المَاءِ حتى سَقَى لهما. وقرأ الجمهور [[وقرأ أبو عمرو وابن عامر «حتى يصدر» . وقرأ بها الحسن وأبو جعفر. ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 283) ، و «السبعة» (492) ، و «الحجة» (5/ 412) ، و «إعراب القراءات» (2/ 169) ، و «معاني القراءات» (250) ، و «العنوان» (147) ، و «حجة القراءات» (543) ، و «شرح شعلة» (533) ، و «إتحاف» (2/ 341) .]] «يُصْدِر الرِّعَاء» - على حَذْفِ المفعولِ- تقديرُه: مواشِيَهم، وتَولّى موسى إلى الظلّ وتعرّض لسؤال ما يطعمه بقوله: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ولم يُصَرِّحْ بسؤالٍ هكَذا، رَوَى جَمِيعُ المفسرينَ أنَّه طلبَ في هذا الكلامَ ما يأكلُه، قال ابن عباس: وكان قَدْ بَلَغَ به عليه السلام الجوعُ إلى أن اخْضَرَّ لونُه من أكل البَقْل، وَرُئِيَتْ خُضْرة البقْلِ في بَطْنِهِ، وإنه لأَكْرَمُ الخلقِ يومئِذٍ على الله، وفي هذا مُعْتَبَرٌ وحاكمٌ بهَوَانِ الدُّنْيا على [[أخرجه الطبريّ (10/ 57) رقم (27342) بنحوه، وذكره البغوي (3/ 441- 442) ، وابن عطية (4/ 284) ، وابن كثير (3/ 383، 384) ، والسيوطي (5/ 237) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والضياء في «المختارة» عن ابن عباس.]] الله تعالى، وعن معاذ بن أنس قال: قال النبي ﷺ: «من أكل طعاما، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ- غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، ومَنْ لَبِسَ ثَوْباً، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» [[أخرجه أبو داود (1/ 440) كتاب اللباس: باب ما جاء في اللباس، حديث (4023) ، والترمذيّ (5/ 508) كتاب الدعوات: باب ما يقول إذا فرغ من الطعام، حديث (3458) ، وابن ماجه (2/ 1093) كتاب الأطعمة: باب ما يقال إذا فرغ من الطعام، حديث (3285) ، وأحمد (3/ 439) ، والحاكم (1/ 507، 4/ 192) ، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» رقم (461) كلهم من طريق أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه به. وقال الترمذيّ: حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.]] رواه أبو داود واللفظُ له، والترمذيُّ وابن ماجه والحاكم في «المستدرك» ، وقال: صحيح على شرط البخاريِّ، وقالَ الترمذيُّ: حسنٌ غريب، انتهى من «السلاح» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب