الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ... الآية، هذا ابتداءُ قصَصٍ فيه غيُوبٌ وعَبَرٌ. وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، أي: ورثَ مُلكَه وَمنزِلَتَهُ من النبوَّة بعدَ موتِ أبيهِ، وقوله: «علّمناه منطق الطير» إخبار بنعمةِ الله تعالى عندهما في اَّنَّ فَهَّمهُمَا مِنْ أصواتِ الطير المعانيَ التي في نفوسِها، وهذا نحو ما كان النبيّ ﷺ يَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْحِجَارَةِ بالسَّلاَمِ عَلَيْهِ وغير ذلك حسب ما هو في الآثار. قال قَتَادَةُ وغيره: إنَّمَا كان هذا الأمرُ في الطيرِ خاصةً، والنملةُ طائِرٌ إذ قد يوجَدُ لَهَا جَنَاحَان [[ذكره ابن عطية (4/ 253) .]] . وقالت فُرقَةٌ: بل كَانَ ذَلِكَ في جَمِيعِ الحيَوانِ وإنما خَصِ الطيرَ لأْنَّه كان جُنداً من جنودِ سليمان يحتاجُهُ في التَّظلِيلِ من الشَّمس وفي البَعْثِ في الأمور. والنَّمْلُ حيوانُ فَطِنٌ قويٌّ شَمَّامٌ جِدّاً يدَّخِرُ ويتخذُ القرى وَيَشُقُّ الحَبَّ بقطعتينِ لِئَلاَّ يُنْبِتَ، ويشُقَّ الكزبرةَ بأربعِ قطعٍ لأَنها تُنْبِت إذاً قُسِّمَتْ شقينِ، ويأكلُ في عامِهِ نصفَ مَا جمعَ، ويستبقي سائِرَهُ عُدَّةً. قال ابن العربي في «أحكامه [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1449) .]] » : ولا خلافَ عندَ العُلَمَاءِ في أَنَّ الحيواناتِ كلَّها لَهَا أفهامٌ وعقولٌ، وقد قال الشافعيُّ: الحمَامُ أعقلُ الطَّيرِ، انتهى. وقوله: وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ معناه: يَصْلُحُ لنا ونَتَمَنَّاهُ ولَيستْ على العموم. ثُمَّ ذَكَرَ شُكْرَ فَضلِ الله تعالى، واخْتُلِفَ في مقدار جُنْدِ سُليمانَ عليه السلام اختلافاً شديداً لا أرَى ذكرَه لعَدَمِ صحةِ التَّحدِيدِ، غيرَ أنَّ الصَّحِيحَ في هذا أنَّ مُلكَه كَانَ عَظيماً مَلأَ الأَرْضَ، وانقادت له المعمُورةُ كُلُّها، وَكَانَ كُرسيُّه يَحملُ أجْنَادَه من الأنسِ والجنِّ، وكانتِ الطيرُ تُظِلُّه منَ الشمس، ويبعثها في الأمور، ويُوزَعُونَ مَعناهُ: يَرُدُّ أولهُم إلى آخرهم، ويكُفُّونَ، قال قَتَادَةُ: فكأنَّ لِكُلِّ صَنْفٍ/ [[ذكره البغوي (3/ 410) ، وابن عطية (4/ 253) .]] وَزْعَةً، ومنه قَوْلُ الحسن البصريّ حين ولي 51 ب قضَاءَ البَصْرَةِ: لا بدَّ للحَاكِم من وَزْعَةً [[ذكره ابن عطية (4/ 253) .]] ، ومنه قَوْلُ أبي قُحَافَةَ للجاريةِ: ذلك يا بنيّة الوازِع [[ذكره ابن عطية (4/ 253) .]] ومنه قولُ الشاعر: [الطويل] على حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... فَقُلْتُ: أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ [[البيت للنابغة الذبياني في «ديوانه» ص (32) و «الأضداد» ص (151) و «جمهرة اللغة» ص (1315) و «خزانة الأدب» (2/ 456) ، (3/ 407) ، (6/ 550) ، (553) و «الدرر» (3/ 144) و «سرّ صناعة الإعراب» (2/ 506) و «شرح أبيات سيبويه» (2/ 53) و «شرح التصريح» (2/ 42) و «شرح شواهد المغني» (2/ 816) ، (883) و «الكتاب» (2/ 330) ، و «لسان العرب» (8/ 390) (وزع) ، (9/ 70) (خشف) و «المقاصد النحويّة» (3/ 406) ، (4/ 357) وبلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (2/ 111) و «الإنصاف» (1/ 292) و «أوضح المسالك» (3/ 133) و «رصف المباني» ص (349) و «شرح الأشموني» (2/ 315) ، (3/ 578) و «شرح شذور الذهب» ص (102) و «شرح ابن عقيل» ص (387) و «شرح المفصّل» (3/ 16، 4/ 591، 8/ 137) و «مغني اللبيب» ص (571) و «المقرب» (1/ 290، 2/ 516) و «المنصف» (1/ 58) و «همع الهوامع» (1/ 218) . واستشهد فيه بقوله: «على حين» ، حيث يجوز في «حين» الإعراب وهو الأصل، والبناء لأنّه أضيف إلى مبنيّ، وهو الفعل الماضي «عاتب» .]] أي: كافٌّ، وهَكَذا نقل ابنُ العربيِّ [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1450) .]] عن مَالكٍ فقال: يُوزَعُونَ أي: يُكَفَّونَ. قال ابن العربي [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1450) .]] : وقد يكُونُ بمعنى يُلهَمُونَ من قوله «أَوْزِعْنِي أن أَشكُرَ نعمَتَكَ» أي: ألهمني، انتهى من «الإحكام» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب