الباحث القرآني

وقوله: ذلِكَ يحتمل أَنْ يكونَ في موضع رفع بتقدير: فرضكم ذلك، أو الواجب ذلك، ويحتمل أن يكون في محلِّ نصب بتقدير: امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار، وأَحْسَنُ الأشياءِ مُضْمَراً أحسنُهَا مظهراً ونحو هذه الإشارةِ البليغةِ قَوْلُ زُهَيْرِ: [البسيط] هذا، وَلَيْسَ كَمَنْ يَعْيَا بخطبته ... وسط النّديّ إذا ما ناطق نطقا [[البيت في ديوانه (42) ، و «البحر» (6/ 339) ، و «الدر المصون» (5/ 145) . والندي: القوم المجتمعون ومنه النادي، والشاهد في قوله «هذا» حيث أشير باسم الإشارة إلى ما سبق من وصف الهرم.]] والحرمات المقصودة هنا هي أفعال الحج. وقال ابن العربي [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1284) .]] في «أحكامه» : الحرمات: امتثال ما أَمَرَ الله تعالى به، واجتنابُ ما نهى عنه فإنَّ للقسم الأَوَّلِ حرمةَ المبادرة إلى الامتثال، وللثاني حرمةَ الانكفاف والانزجار [[في ج: الازتجار.]] . انتهى. وقوله: فَهُوَ خَيْرٌ ظاهر أنها ليست للتفضيل، وإنما هي عِدةٌ بخير، ويحتمل أن يجعل خَيْرٌ للتفضيل على تجوز في هذا الموضع. ص: فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ أي: فالتعظيم خير له، [انتهى] [[سقط في ج.]] . وقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ يحتمل معنيين. أحدهما: أَنْ تكون «من» لبيان الجنس أي: الرجس الذي هو الأوثان فيقع النهي عن رِجْسِ الأوثان فقط، وتبقى سائر الأرجاس نَهْيُهَا في غير هذا الموضع. والمعنى الثاني: أَنْ تكون «من» لابتداء الغاية فكأنه نهاهم سبحانه عن الرجس عموماً، ثم عَيَّنَ لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعةٌ لكل فساد ورجس، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان فيكون هذا مِمَّا يُتْلَى عليهم، والمَرْوِيُّ عن ابن عباس وابن جرير: أنّ الآية نهي عن عبادة الأوثان [[أخرجه الطبريّ (9/ 144) برقم (25129) عن ابن عباس، وبرقم (25130) عن ابن جريج، وذكره ابن عطية (4/ 120) ، والسيوطي (4/ 646) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.]] ، والزُّورِ عامٌّ في الكَذِبِ والكفر وذلك أَنَّ كُلَّ ما عدا الحق فهو كذب وباطل. وقال ابن مسعود وغيره: إنّ رسول الله ﷺ قال: «عدلت شهادة الزور بالشّرك [[أخرجه أبو داود (2/ 329) كتاب الأقضية: باب في شهادة الزور حديث (3599) والترمذي (4/ 547) كتاب الشهادات: باب ما جاء في شهادة الزور حديث (2300) وابن ماجه (2/ 794) كتاب الأحكام: باب شهادة الزور حديث (2372) وأحمد (4/ 321، 322) والطبراني (4/ 209) رقم (4162) والبيهقي (1/ 121) كلهم من طريق حبيب بن النعمان عن خريم بن فاتك الأسدي به وقال الترمذي: خريم بن فاتك له صحبة وقد روى عن النبي ﷺ أحاديث وهو مشهور ا. هـ. والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 646) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «شعب الإيمان» . وأخرجه الترمذي (4/ 547) كتاب الشهادات: باب ما جاء في شهادة الزور حديث (2299) من طريق سفيان بن زياد الأسدي عن فاتك بن فضالة عن أيمن بن خريم مرفوعا وقال الترمذي: هذا حديث-- غريب إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد واختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد ولا يعرف لأيمن بن خريم سماعا من النبي ﷺ وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد. وأخرجه الطبريّ في «تفسيره» (9/ 144) رقم (25134) عن عبد الله بن مسعود موقوفا. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 646) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والخرائطي في «مكارم الأخلاق» .]] ، وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ» والزُّورُ: مْشْتَقٌّ من الزَّوْرِ، وهو الميل [[الزور: الكذب، والتزوير: تزيين الكذب، وزوّر الشيء حسّنه، وقومه، والزور مأخوذ من زور يزور، بمعنى مال، وانحرف، فالشاهد الذي يشهد بخبر كاذب يسمى شاهد زور، لأنه مائل عن الحق، منحرف عن الصدق. وشهادة الزور من أكبر الكبائر، وقد قرن الله (تعالى) بينها وبين الشرك، فقال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله ﷺ «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» ؟! قلنا: بلى يا رسول الله، قال «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» ، وكان متكئا، فجلس وقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور» حتى قلنا: ليته سكت. واختلف أهل العلم في كيفية ثبوت شهادة الزور، فقال الحنفية إن شاهد الزور لا يثبت كونه شاهد زور، إلا إذا أقر على نفسه، ولم يدع سهوا، أو غلطا. واعترض على هذا صدر الشريعة، بأنه قد يعلم بدونه، كما إذا شهد بموت زيد، أو بأن فلانا قتله، ثم ظهر زيد حيا، أو برؤية الهلال، فمضى ثلاثون يوما، وليس في السماء علة، ولم ير الهلال. وإنما لا تثبت شهادة الزور بالبينة، لأنها ستكون بينة على النفي، والبينة حجة للإثبات دون النفي. وفي «المهذب» للشافعية: ويثبت أنه شاهد زور من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقر أنه شاهد زور. الثاني: أن تقوم البينة على أنه شاهد زور. الثالث: أن يشهد بما يقطع بكذبه، بأن شهد على رجل أنه قتل، أو زنى في وقت معين في موضع معين، والمشهود عليه في ذلك الوقت كان في بلد آخر. وأما إذا شهد بشيء أخطأ فيه، لم يكن شاهد زور، لأنه لم يقصد الكذب. وإن شهد لرجل بشيء، وشهد به آخر أنه لغيره، لم يكن شاهد زور، لأنه ليس تكذيب أحدهما بأولى من تكذيب الآخر، فلم يقدح ذلك في عدالته. وكذلك اختلفوا في عقوبة شاهد الزور، فقال أبو حنيفة (رضي الله تعالى عنه) : شاهد الزور يعزر بتشهيره على الملأ في الأسواق ليس غير. وقال الصاحبان: نوجعه ضربا ونحبسه، وذكر شمس الأئمة السرخسي (رحمه الله تعالى) أنه يشهر عندهما أيضا، والتعزير والحبس على قدر ما يراه القاضي. وقال بهذه الرواية مالك، والشافعي، والأوزاعي، وابن أبي ليلى. لهما ما روي عن عمر (رضي الله تعالى عنه) أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه، ولا يقال: الاستدلال بهذا غير مستقيم على مذهبهما، لأنهما لا يريان التسخيم، لأنه يحمل التسخيم على أنه كان سياسة. -- واستدل أبو حنيفة. بأن شريحا كان يشهر، ولا يضرب، وما روي عن عمر من أنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه، فمحمول على السياسة، بدلالة التبليغ إلى الأربعين، والتسخيم. والتشهير منقول عن شريح (رحمه الله تعالى) ، فإنه كان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا، وإلى قومه إن كان غير سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا، ويقول إن شريحا يقرئكم السلام، ويقول: إنا وجدنا هذا شاهد زور، فاحذروه، وحذروا الناس منه. واختلف القائلون بجواز الضرب، والحبس: فقال ابن أبي ليلى: يجلد خمسة وسبعين سوطا، وهذه رواية عن أبي يوسف، وفي رواية أخرى عنه: يجلد تسعة وسبعين سوطا. وقال الشافعي: لا يزيد على تسعة وثلاثين. وقال أحمد: لا يزداد على عشر جلدات. وقال الأوزاعي في شاهدي الطلاق: يجلدان مائة مائة، ويغرمان الصداق. وقال صاحب «الفتح» : اعلم أنه قد قيل: إن المسألة على ثلاثة أوجه: أن يرجع على سبيل الإصرار، مثل أن يقول لهم: شهدت في هذه بالزور، ولا أرجع عن مثل ذلك، فإنه يعزر بالضرب بالاتفاق، وإن رجع على سبيل التوبة لا يعزر اتفاقا، وإن كان لا يعرف حاله، فعلى الاختلاف المذكور. واختلفوا في قبول شهادته بعد توبته، فذهب الحنفية إلى أنه إذا تاب شاهد الزور، وأتت على ذلك مدة، قيل سنة، وقيل ستة أشهر، والصحيح أنها مفوضة لرأي القاضي. فإن كان فاسقا تقبل شهادته، لإن الحامل له على الزور فسقه، وقد زال بالتوبة. وإن كان مستورا لا يقبل أصلا، وكذا إذا كان عدلا، على رواية بشر عن أبي يوسف، لأن الحامل له على ذلك غير معلوم، فكان الحال قبل التوبة وبعدها سواء، وروى أبو جعفر أنها تقبل، قالوا: وعليه الفتوى. وقال الشافعي، وأبو ثور، وأحمد: تقبل شهادته إذا أتت على ذلك مدة تظهر فيها توبته، ويتبين فيها صدقه، وعدالته.. وقال مالك: لا تقبل شهادته أبدا، لأنه لا يؤمن على قول الصدق.]] ، ومنه في جانب فلان زور، ويظهر أَنَّ الإشارة إلى زور أقوالهم في تحريمِ وتحليلِ ما كانوا قد شرعوا في الأنعام، وحُنَفاءَ معناه مستقيمين أو مائلين إلى الحق، بحسب أن لفظة الحنف من الأضداد، تَقَعُ على الاستقامة، وتقع على الميل، والسحيق: البعيد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب