الباحث القرآني

وقوله سبحانه: فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ، أي: في توقيف هذا الرجل على هذا الفعلِ وأَنتم معكم من تسألون ثم رأوا ببديهة العقل أنَّ الأصنام لا تنطق، فقالوا لإبراهيمَ حين نكسوا في حيرتهم: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ، فوجد إبراهيمُ عليه السلام عند هذه المقالة موضعَ الحُجَّةِ ووقفهم موبّخا لهم بقوله: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً ... الآية. ثم حَقَّرَ شأنهم وشأنها بقوله: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... الآية. ص [[[هذه الجملة جواب قسم محذوف والقسم وجوابه معمولان لقول مضمر وذلك القول المضمر حال من مرفوع نكسوا أي نكسوا قائلين والله لقد علمت قوله: «ما هؤلاء ينطقون» يجوز أن تكون ما هذه مجازية فتكون هؤلاء اسمها وينطقون في محل نصب خبرها أو تميمية فلا علم لها والجملة المنفية بأسرها سادة مسد المفعولين إن كانت «علمت» على بابها ومسد واحد إن كانت عرفانية] . ينظر: «الدر المصون» (5/ 98) .]] : وقولهم: لَقَدْ عَلِمْتَ: جواب قَسَمٍ محذوف معمول لقول محذوف في موضع الحال، أي: قائلين، لقد علمت. انتهى. وقال الثعلبي: فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ أي: تفكروا بعقولهم فقالوا: ما نراه إلاَّ كما قال، إنكُم أنتم الظالمون في عبادتكم الأَصنامَ الصغارَ مع هذا الكبير. اهـ. وما قدمناه عن ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 88) .]] هو الأوجه وأُفٍّ لفظة تُقال عند المُسْتَقْذَرَاتِ من الأَشياءِ، ويُسْتَعَارُ ذلك للمُسْتَقْبَح من المعاني، ثم أخذتهم العِزَّةُ بالإثم وانصرفوا إلى طريق الغلبة والغشم، فقالوا: حَرِّقُوهُ رُوِيَ: أَنَّ قائل هذه المقالة هو رجل من الأَكْرَادِ من أعرابِ فارس، أي: من باديتها، فَخَسَفَ اللَّه به الأَرض، فهو يتجلجلُ فيها إلى يومِ القيامة، وروي: أَنه لما أجمع رأيهم على تحريقه حَبَسَهُ نمرودُ الملك (لعنه الله) وأمر بجمع الحَطَبِ حتى اجتمع منه ما شاءَ اللَّه، ثم أضرم نارا فلما أرادوا طرحَ إِبراهيمَ فيها لم يقدروا على القرب منها، فجاءهم إبليسُ في صورة شيخ فقال لهم: أنا أصنع لكم آلةً يُلْقَى بها، فَعَلَّمَهُمْ صنعة المِنْجَنِيقِ، ثم أُخْرِجَ إبراهيمُ عليه السلام فشد رباطاً، ووُضِعَ في كفَّةِ المنجنيق، ورُمِيَ به، فتلقَّاهُ جبريلُ- عليه السلام- في الهواءِ فقال له: ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأَمَّا إلى اللَّه فبلى. قلت: قال ابنُ عطاء اللَّه في «التنوير» : وكنْ أَيُّها الأَخْ إبراهيميّاً إذْ زُجَّ به في المنجنيق، فتعرَّض له جبريل فقال: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وأما إلى ربي، فبلى، قال: فَاسْأَلْهُ. قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، فانظرْ كيف رفع هِمَّتَهُ عن الخلق، ووجَّهَهَا إلى الملك الحقِّ، فلم يستغث بجبريل، ولا احتال على السؤال، بل رأى رَبَّهُ تعالى أقربَ إليه من جبريل ومن سؤاله فلذلك سَلَّمَهُ من نمرودَ ونكَالِهِ، وأنعم عليه بنواله وأفضاله. انتهى. وقوله سبحانه: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً قال بعض العلماء فيما روي: إنَّ اللَّه تعالى لو لم يقلْ: وَسَلاماً لهلك إبراهيمُ من برد النارِ، ورُوِيَ أَنَّه لما وقع في النار سَلَّمَهُ اللَّه، واحترق الحبل الذي رُبِطَ به، وقد أَكثر الناس في قصصه فاختصرناه لعدم صِحَّة أكثره، وروي: أَنَّ إبراهيمَ عليه السلام كان له بسط وطعام في تلك النارِ كُلُّ ذلك من الجنة، وروي: أَنَّ العيدانَ أينعت وأثمرت له هناك ثمارَها، ورُوِيَ: أنهم قالوا: إنَّ هذه نار مسحورة، لا تحرق، فرموا فيها شيخاً منهم فاحترق، واللَّه أعلم بما كان من ذلك. قلت: قال صاحب «غاية المَغْنَم في اسم اللَّه الأعظم» وهو من الأئمة المحدثين، وعن الإمام أَحمدَ بنِ حَنبلَ رحمه اللَّه: إنه يُكْتَبُ للمَحْمُومِ ويُعَلَّقُ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم، يا الله يا الله محمد رسول الله ﷺ يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ، اللهم ربَّ جبريل وميكائيل اشْفِ حاملها بحولك وقوتك وجبروتك يا أرحمَ الراحمين. انتهى. وقوله: وَسَلاماً معناه: وسلامةً، و «الكيد» : هو ما أرادوه من حرقه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب