الباحث القرآني

وقوله سبحانه: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ المعنى: أفلم [[في ج: أو لم.]] يبين لهم. وقرأت [[وهي قراءة ابن عباس والسلمي. كما في «الجامع لأحكام القرآن» (11/ 172) . ينظر: «الكشاف» (3/ 96) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 69) ، و «البحر المحيط» (6/ 267) ، و «الدر المصون» (5/ 63) .]] فرقةٌ: «نَهْدِ» بالنون، والمراد بالقرونِ المهلَكِين: عَادٌ، وثَمُودٌ، والطَّوائِفُ التي كانت قريشٌ تجوزُ على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره، ثم أعلم سبحانه نبيه ﷺ أن العذابَ كان يصير لهم لِزَاماً لولا كلمة سبقَتْ من الله تعالى في تَأْخيره عنهم إلى أجلٍ مُسَمًّى عنده، فتقدير الكلام. ولولاَ كلمةٌ سبقت في التَّأْخِير، وأجلٍ مسمى، لكَانَ العذابُ لِزَاماً كما تقولُ لَكَانَ حَتْماً، أو واقعاً، لكنّه قدم وأَخّر لتشابه رُؤُوس الآي. واختُلِف في الأجل المسمى: هل هو يوم القيامة، أو موت كل واحد منهم، أو يوم بدْرٍ؟ وفي «صحيح البخاري» : [[ينظر «صحيح البخاري» (8/ 355) كتاب التفسير: باب فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً رقم (4767) .]] أن يوم بَدْرٍ هو: اللزام، وهو: البَطْشَةُ الكبرى، يعني: وقع في البخاري من تفسير ابن مسعود، وليس هو من تفسير النبي ﷺ. قال ص: ولِزاماً: إمَّا مصدرٌ، وإمَّا بمعنى ملزم، وأجاز أبو البقاء: أنْ يكون جمع لاَزِم، كَقَائِمٍ وقيام. انتهى. ثم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ﷺ بالصّبْر على أقوالهم: إنه ساحرٌ، إنه كاهن، إنه كاذب [[في ج: كذاب.]] إلَى غير ذلك. وقوله سبحانه: / وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ... الآية، قال أكثرُ المفسرين: هذه إشارة 14 ب إلى الصلوات الخمس فقبل طلوع الشمس صلاةُ الصبح، وقبل غُرُوْبَها صَلاةُ العَصْر، ومن آناءِ الليل العِشَاءُ، وأطرافُ النهار المغرِبُ والظهر. [قال ابن العربي [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1263) .]] : والصحيحُ أنَّ المغربَ من طَرَفِ الليل، لاَ مِنْ طرف النَّهَارِ. انتهى من «الأحكام» ] [[سقط في ج.]] . وقالت فرقةٌ: آناء الليل: المغرب والعشاء، وأطراف النهار: الظهر وحدها، ويحتمل اللفظ أن يراد به قول: سبحان الله وبحمده. وقالت فرقةٌ: في الآية: إشارةٌ إلى نوافل، فمنها آناء الليل، ومنها قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر. ت: ويتعذر على هذا التأويل قولُه: وَقَبْلَ غُرُوبِها إذْ لَيْس ذلك الوقْتُ وقْتَ نفل [[سقط في ج.]] ، على ما علم إلاَّ أنَّ يتأول ما قبل الغروب بما قبل صلاة العصر وفيه بعد. قال ص: بِحَمْدِ رَبِّكَ في موضع الحال، أي: وأنت حامدٌ. انتهى. وقرأ الجمهور [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 70) ، و «البحر المحيط» (6/ 269) .]] : لَعَلَّكَ تَرْضى بِفَتْح التاء، أي: لعلك تُثَابُ على هذه الأعمال بما ترضى به. قال ابنُ العربي في «أحكامه» [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1263) .]] : وهذه الآية تُماثِلُ قولَهُ تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى: 5] . وعنه ﷺ أنه قال: «إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ فإنِ استطعتم أَلاَّ تُغْلَبُوا [[في ج: لا تغموا.]] على صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَعْنِي: الصُّبْحَ، وقَبْلَ غُرُوبَهِا فافعلوا» [[تقدم تخريجه.]] . وفي الحديث الصحيح أيضاً: «منْ صَلَّى البَرْدَيْنِ، دَخَلَ الجَنَّةَ» [[أخرجه البخاري (2/ 52) كتاب مواقيت الصلاة: باب فضل صلاة الفجر، حديث (574) ومسلم (1/ 440) كتاب المساجد: باب فضل صلاة الصبح والعصر، حديث (215/ 635) ، وأحمد (4/ 80) ، والدارمي (1/ 331، 332) ، وابن حبان (1739) ، والبيهقي (1/ 466) ، والبغوي في «شرح السنة» (2/ 39- بتحقيقنا) .]] . انتهى. وقرأَ الكسائي، وأبو بكر عن عاصم [[ينظر: «السبعة» (425) ، و «الحجة» (5/ 252) ، و «إعراب القراءات» (2/ 57) ، و «معاني القراءات» (2/ 160) ، و «شرح الطيبة» (5/ 53) ، و «العنوان» (130) ، و «شرح شعلة» (497) ، و «إتحاف» (2/ 259) .]] : «ترضى» أي: لعلك تُعْطى ما يرضيك، ثم أمر سبحانه نبيه ﷺ: بالاحتقار لشأن الكفرة، والإعراض عن أموالهم، وما في أيْديهم من الدنيا إذ ذلك مُنْحَسِرٌ عنهم صائر إلى خِزْي، والأزواج: الأنواع، فكأنه قال: إلَى ما متعنا به أقواماً منهم، وأصنافا. وقوله: زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا شبَّه سبحانه نِعَم هؤلاء الكفار بالزهر، وهو ما اصفر من النّوْر، وقيل: الزهر: النورُ جملةً لأن الزهر له منظر، ثم يضمحل عن قرب، فكذلك مآل هؤلاء، ثم أخبر سبحانه نبيه ﷺ: أن ذلك إنما هو ليختبرهم به، ويجعله فِتْنةً لهم وأمراً يجازون عليه أسوأ الجزَاءِ لفساد تقلبهم فيه. ص: وزَهْرَةَ: منصوبٌ على الذمِّ، أو مفعولٌ ثانٍ ل: مَتَّعْنا مضمن معنى أعطينا. اهـ. ورزق الله تعالى الذي أحله للمتقين من عباده، خير وأبقى، أيْ: رزق الدنيا خيرٌ ورزق الآخرة أبقى، وبين أنه خير من رزق الدنيا، ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يأمر أهله بالصلاة، ويمتثلها معهم ويَصْطَبِر عليها ويلازمها، وتكفَّل هو تعالى برزْقِهِ لا إله إلاَّ هو، وأخبره أن العَاقِبَةَ للمتقِينَ بنصره في الدنيا، ورحمته في الآخرة، وهذا الخطاب للنبي ﷺ ويدخل في عُمُوْمِهِ: جميعُ أمته. ورُوِيَ: أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه كان إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم، بادر إلَى منزله، فدخله وهو يقول: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ... الآية إلى قوله وَأَبْقى ثم يُنَادِي: الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ رَحِمَكُمُ اللهُ، ويصلي [[أخرجه الطبريّ (8/ 480) رقم (24459) ، وذكره ابن عطية (4/ 71) ، وابن كثير (3/ 171) .]] . وكان عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ رضي الله عنه يوقِظُ أهل داره لصلاة اللّيل ويصلّي هو ويتمثّل بالآية [[ذكره ابن عطية (4/ 71) ، وابن كثير (3/ 171) نحوه، والسيوطي (4/ 561) ، وعزاه لمالك، والبيهقي عن أسلم عن عمر.]] . قال الداوديّ: وعن عَبْدِ اللهُ بْنِ سَلاَمٍ، قال: «كان النبيّ ﷺ إذا نزل بأهله ضِيقٌ أوْ شِدَّةٌ أمرهم بالصَّلاَةِ، ثم قرأَ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ إلى قوله لِلتَّقْوى [[ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 561) ، وعزاه إلى أبي عبيد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، والطبراني في «الأوسط» ، وأبي نعيم في «الحلية» ، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن عبد الله بن سلام.]] . انتهى. قال ابن عطاء اللَّه في «التنوير» : واعلم أنَّ هذه الآية علمت أهل الفَهْم عن اللَّه تعالى كَيْفَ يطلبون/ رزقَهُم، فإذَا توقفت عليهم أسباب المعيشة، أكثروا من الخدمة والموافقة، 15 أوقرعوا بابَ الرِّزْقِ بمعاملة الرزَّاق- جل وعلا- ثم قال: وسمعت شيخنا أبا العبّاس المُرْسِي رضي اللَّه عنه يقول: واللَّه مَا رَأَيْتَ العزَّ إلاَّ في رفع الهِمّة عن الخلق، واذكر رحمك اللَّه هنا: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] . ففي العز الذي أَعزّ اللَّه به المؤمن رفْعُ همته إلى مولاه، وثقتُه به دُونَ مَنْ سِوَاهُ، واستحي من اللَّه بعد أن كساك حُلّة الإيمان، وزينك بزينة العِرْفان أن تستولي عليك الغفلة والنسيان حتى تميل إلى الأكوان [[في ج: الأخوان.]] ، أو تطلب من غيره تعالى وجود إحسان، ثم قال: ورفع الهِمَّة عن الخلْقِ: هو ميزانُ ذوي الكمال ومِسْبار الرجال، كما توزن الذَّواتُ كذلك توزن الأحوالُ والصِّفَاتُ. انتهى. ومن كتاب «صفوة التصوف» لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ حَدِيثٌ [[في ج: حدث.]] بسنده عن ابن عمر قال: أتى النبيّ ﷺ رَجَلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدَّثْنِي حَدِيثاً، واجعله موجزا، فقال له النبيّ ﷺ: «صَلَّ صَلاَةَ مُوَدَّع، كَأَنَكَ تَرَاهُ، فَإنْ كُنْتَ لاَ تَرَاهُ، فَإنَّهُ يُرَاكَ، وَايَأَس مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، تَعْشِ غَنِيّاً، وإِيَّاكَ وَمَا يُعَتَذَّرُ مِنْهُ» ورواه أبو أيوب الأنصاري بمثله عن النبي ﷺ [[أخرجه البيهقي في «الزهد» (528) ، والقضاعي في «مسند الشهاب» رقم (952) ، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (1/ 108) من حديث ابن عمر. وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 232) ، وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» ، وفيه من لم أعرفهم.]] إنتهى. وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا محمدٌ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ، أي: بعلامة مما اقترحناها عليه، ثم وبخهم سبحانه بقوله: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى أَيْ: [ما في] [[سقط في ج.]] التوراة، وغيرها، ففيها أعظم شاهد، وأكبر آية له سبحانه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب