الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى نَاراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً هذا الاِسْتفهام توقيفٌ مضمنه: تَنْبِيه النفس إلى استماع ما يورد عليها، وهذا كما تبدَأُ الرجل إذا أَردْتَ إخْبَارَه بأَمْرٍ غَرِيبٍ فتقول: أعلمْتَ كذا، وكذا، ثم تبدأ تخبره. وكان من قصّة موسى- عليه السلام- أنه رحل من مَدْيَن بأهله بِنْت شُعَيْب- عليه السلام- وهو يريدُ أَرض مِصْر، وقد طالت مُدَّة جِنَايته هُنَالِكَ، فَرَجَا خَفَاءَ أمْره، وكان فيما يزعمون رَجُلاً غَيُوراً، فكان يَسِيرُ الليلَ بأهْلِهِ، وَلاَ يَسِيرُ بالنهار مخافةَ كشفة [[في ج: كشف.]] الناسِ، فَضَلَّ عن طريقه في لَيْلَةٍ مظلمة، فبينما هو كذلك، وقد قَدَحَ بزنده، فلم يُورِ شَيْئاً إِذْ رَأى نَاراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا، أيْ: أقِيموا، وذهب هو إلى النار، فإذا هي مُضْطَرِمةٌ في شَجَرةٍ خَضْرَاءَ يانِعةٍ، قيل: كانت من عُنَّابٍ، وقِيلَ: من عَوْسَج [[العوسج: شجر من شجر الشوك، له ثمر مدوّر كأنه خرز العقيق. واحدته: عوسجة. ينظر: «المعجم الوسيط» (606) .]] ، وقِيلَ: من علّيق [[في ج، ب: عليقة.]] ، فكلّما دَنَا مِنْها، تباعَدَتْ منه، ومَشَتْ فإذا رجع عنها اتَّبعَتْهُ، فلما رأَى ذَلِكَ أَيقنَ أَنَّ هذا مِنْ أُمُورِ الله الخَارِقَةِ للعادة، ونُودِي، وانقضى أَمْرُه كُلّه في تلك الليلة هذا [[في ج: هذا هو.]] قول الجُمْهُورِ، وهو الحقُّ، وما حُكِيَ عن ابنِ عباسٍ: أنَّه قال: أَقامَ في ذلك الأَمْرِ حَوْلاً، فغيرُ صَحِيحٍ عن ابن عباس [[ذكره ابن عطية (4/ 38) .]] . وآنَسْتُ: معناه: أَحْسَسْتُ، والقَبَسُ: الجذْوةُ من النار، تكون على رَأْس العُودِ. والهُدَى: أراد هُدَى الطريقِ، أَيْ: لعلي أَجِدُ مرشداً لي، أوْ دليلاً. وفي قِصَّة موسى بأسْرها في هذه السورة تسلية للنبي ﷺ عما لقي في تبليغه من المشقّات ﷺ والضميرُ في قوله: أَتاها: عائِدٌ على النار. وقوله: «نُودي» : كنايةٌ عن تَكْلِيم الله تعالى له (عليه السلام) . وقرأَ نَافِعٌ [[وكذلك قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، غير أن نافعا فتح الياء، وأسكنها الباقون. ينظر: «السبعة» (417) ، و «الحجة» (5/ 218) ، و «إعراب القراءات» (2/ 28) ، و «معاني القراءات» (2/ 143) ، و «شرح الطيبة» (5/ 39) ، «وحجة القراءات» (451) ، و «شرح شعلة» (490) ، و «إتحاف» (2/ 244) .]] وغيرُه: إنِّي- بكسر الهمزة- على الابْتداءِ، وقرأَ أَبُو عَمْرو، وابن كَثِير: «أَنِّي» - بفتحها- على معنى: لأَجل أَنِّي أَنا رَبُّك، فَاخْلَعْ نعليك. واخْتُلِفَ في السبب الذي مِنْ أَجْله أُمِرَ بخلْعِ النعلين: فقالتْ فِرْقَةٌ: كَانَتَا من جِلْد حَمِارٍ مَيِّتٍ، فأُمِرَ بِطَرْحِ النَّجَاسَةِ. وقالت فرقةٌ: بل كَانَتْ نَعْلاَهُ مِنْ جِلْدِ بقَرَةٍ ذَكِيّ لكن أُمِر بخلعهما لينَالَ بركَةَ الوَادِي المُقدَّسِ، وتمَسَّ قَدَماهُ تُرْبَةَ الوَادِي. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 39) .]] : وتحتمل الآيةُ مَعْنًى آخَرَ، هو الأَليقُ بها عِنْدِي وهو: أَن الله تعالى أمرِه أنْ يتأدَّبَ، ويتَوَاضَعَ لعظم الحَالِ الَّتي حَصَلَ فيها، والعُرْف عِنْد المُلُوكِ: أن تخلع النَّعْلاَنِ، ويبلغُ الإنْسان إلَى غاية تَوَاضُعِهِ، فكأَنَّ موسى- عليه السلام- أُمِر بذلك عَلَى هذا الوجه، وَلاَ نُبَالِي كيفَ كَانَتْ نَعْلاَهُ من ميتة أو غيرها. والْمُقَدَّسِ: معناه المطهّر، وطُوىً: [معناه] [[سقط في ج.]] مَرَّتَيْنِ. فقالت فرقةٌ: معناه قُدِّسَ مرتيْنِ، وقالت فِرْقةٌ: معناه طُوِيَتْ لك الأَرْضُ مَرَّتَيْنِ من ظنك. قال الفَخْرُ: وقِيلَ: إنَّ طُوًى اسم وادٍ بالشام، وهو عند الطُّورِ الذي أَقْسم الله به في القرآن. وقيل/: إنَّ طُوىً بمعنى: يَا رَجُلُ، بالعَبْرَانِيَّةِ، كأنه قِيلَ: يا رجل اذهب إلَى فِرْعون. انتهى «من تفسيره لسورة والنازعات» . قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 39) .]] : وحدثني أَبِي- رحمه الله- قال: سمعت أَبا الفضل بْنَ الجوهري- رحمه الله تعالى- يقول: لما قِيل لموسى: استمع لما يوحى، وقف على حَجَرٍ، واستند إلَى حَجَرٍ، ووضع يَمِينه عَلَى شِمَالِه وأَلْقى ذَقَنَهُ على صَدْرِه، ووقف يستمع، وكان كُلُّ لباسه صُوفاً. وقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي: يحتمل أن يريدَ: لِتَذْكُرَنِي فيها، أوْ يريد: لأَذْكركَ في عِلِّيَينَ بها، فالمصدرُ محتمل الإضافة إلى الفَاعِل، أَوِ المفعول. وقالت فِرْقةٌ: معنى قولهِ لِذِكْرِي أيْ: عند ذِكْرى، أَيْ: إذا ذكرتني، وأمري لك بها. ت: وفي الحديث عن النبيّ ﷺ أنه قال: «مَنْ نَسِيَ صَلاَةً، فَلُيصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإنَّ ذَلِكَ وَقْتَهَا [[أخرجه أحمد (3/ 269) ، والبخاري (2/ 70) «كتاب مواقيت الصلاة» باب من نسي صلاة، الحديث (597) ، ومسلم (1/ 477) «كتاب المساجد» باب قضاء الصلاة الفائتة، الحديث (314/ 684) ، والترمذي (1/ 335- 336) «كتاب الصلاة» باب ما جاء في الرجل ينسى، الحديث (178) ، وابن ماجه (1/ 227) «كتاب الصلاة» باب من نام عن الصلاة أو نسيها، حديث (696) ، والنسائي (1/ 293) ، كتاب المواقيت باب فيمن نسي صلاة (613) ، وأبو داود (1/ 174) «كتاب الصلاة» باب من نام عن-- صلاة أو نسيها (442) ، وأبو عوانة (1/ 385) ، والدارمي (1/ 280) ، وابن خزيمة (2/ 97) رقم (993) ، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 465) ، وفي «المشكل» (1/ 187) ، والبيهقي (2/ 218) ، وابن عبد البر في «التمهيد» (6/ 270) ، من حديث أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» . وأخرجه مسلم (1/ 477) «كتاب المساجد» باب قضاء الصلاة الفائتة (316) ، وأحمد (3/ 369) ، وأبو نعيم (9/ 52) ، بلفظ: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فَلْيُصَلِّها إذَا ذَكَرَهَا فَإنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.]] قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» . انتهى. فقد بيّن لك ﷺ ما تحتمله الآيةُ، واللهُ الموفِّقُ بفضله وهكذا استدل ابنُ العربي هنا بالحديثِ [[ينظر «أحكام القرآن» لابن العربي (3/ 1258) .]] ، ولفظه: وقد روى مالك وغيره: أنّ النبيّ ﷺ قال: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أوْ نسِيَهَا، فَلْيُصَلِّها إذَا ذَكَرَهَا فَإنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: أَقِمِ الصلاة لِذِكْرَي» [[ينظر الحديث السابق.]] . انتهى من «الأحكام» . وقرأت فرقةٌ: «للذكرى» ، وقرأتْ [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 39) ، «والبحر المحيط» (6/ 218) ، و «الدر المصون» (5/ 11) .]] فرقةٌ: «لِلذِّكْرِ» ، وقرأتْ فرقةٌ: «لذكرى» [[في ج: لذكر.]] بغير تعريف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب