الباحث القرآني
وقوله تعالى: لاَّ جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً هذا ابتداءُ إِخبارٍ برفع الجُنَاحِ عن المُطَلِّق قبل البِنَاءِ والجِمَاعِ، فَرَض مَهْراً أو لم يفرض، ولمّا نهى رسول الله ﷺ عن التزوُّج لمعنَى الذَّوْقِ، وقضَاءِ الشَّهْوةِ، وأمر بالتزوُّج، طلباً للعصْمَة، والتماس ثَوَابِ اللَّهِ، وقَصْدِ دوامِ الصُّحْبَةِ، وقع في نُفُوسِ المؤمنِينَ أنَّ من طلَّق قبل البناء قد واقع جزءاً من هذا المكروه، فنزلَتِ الآية رافعةً للجُنَاحِ في ذلك، إِذا كان أصْل النَّكاح علَى المَقْصِد الحَسَن.
وقال قَوْمٌ: لاَّ جُناحَ عَلَيْكُمْ: معناه: لا طَلَبَ لجميعِ المَهْر، بل عليكُمْ نصْفُ المفروض لِمَنْ فرض لها، والمتعةُ لمن لم يُفْرَضْ لها، وفَرْضُ المهرِ: إثباتُه، وتحديدُهُ، 59 أوهذه الآية/ تُعْطِي جوازَ العَقْد على التفْويض لأنه نكاحٌ مقرَّر في الآية، مُبَيَّنٌ حكْمُ الطلاق فيه قاله مالك في «المدوّنة» .
والفريضة: المصداق.
وقوله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ. أي: أعطوهنَّ شيئاً يكون متاعاً لهنَّ، وحمله ابن عُمَر وغيره على الوجُوبِ، وحمله مالكٌ وغيره على الندْبِ، واختلف النَّاس في مقدارِ المُتْعة، قال الحَسَن: يمتَّع كلٌّ على قدْره، هذا بخادم، وهذا بأثوابٍ، وهذا بثوبٍ، وهذا بنفقةٍ [[ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 319) .]] ، وكذلك يقول مالك.
وقوله تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ: دليلٌ على رفض التحديد، والمُوسِعُ: أي: من اتسع حالُه، والمُقْتِر: المقلُّ القليلُ المالِ، ومَتاعاً: نصبٌ على المصدر [[ويجوز أن ينتصب على الحال، والعامل فيه حينئذ ما تضمنه الجار والمجرور «على الموسع» من معنى الفعل، وصاحب الحال ذلك الضمير المستكن في ذلك العامل. والتقدير: قدر الموسع يستقر عليه في حال كونه متاعا. وينظر: «الدر المصون» (1/ 583) .]] .
وقوله تعالى: بِالْمَعْرُوفِ، أي: لا حمل فيه، ولا تكلُّف على أحد الجانبَيْنِ، فهو تأْكيدٌ لمعنى قوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، ثم أكَّد تعالى الندْبَ بقوله:
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، أي: في هذه النازلةِ من التمتيعِ هُمْ محسِنُون، ومن قال بأنَّ المتعةَ واجبةٌ، قال: هذا تأكيدٌ للوجوب، أي: على المحسنين بالإيمان والإسلام، وحَقًّا: صفةٌ لقوله تعالى: مَتاعاً.
ت: وظاهر الآيةِ عمومُ هذا الحكْمِ في جميع المطلَّقات كما هو مذهبُ الشافعيِّ، وأحمد، وأصحاب الرأْي، والظاهرُ حمل المُتْعَة على الوجوبِ لوجوه، منها:
صيغةُ الأمر، ومنها: قولُه: حَقًّا، ومنْها: لفظةُ «على» ، ومنها: من جهة المعنى: ما يترتَّب على إِمتاعها من جَبْر القلوبِ، وربَّما أدى ترك ذلك إِلى العَدَاوة والبَغْضاء بَيْن المؤمنين، وقد مال بعضُ أئمَّتنا المتأخِّرين إِلى الوجوب. انتهى.
وقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ... الآية: اختلف في هذه الآية، فقالتْ فرقةٌ، فيها مالك: إِنها مُخْرِجَةٌ للمطلَّقة بعد الفَرْض من حُكْم التمتيعِ إِذ يتناولها.
قوله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ: وقال قتادةُ: نَسَخَتْ هذه الآيةُ الآيةَ الَّتي قبلها [[أخرجه الطبري (2/ 555) برقم (5252) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 320) .]] ، وقال ابن القاسِمِ في «المدوَّنة» : كان المتاعُ لكلِّ مطلَّقة بقوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 241] ، ولغير المدخولِ بها بالآيةِ الَّتي في سورة «الأحزاب» ، فاستثنى اللَّه سبحانَهُ المَفْرُوضَ لها قَبْل الدخولِ بهذه الآية، وأثبت لها نصْفَ ما فَرَضَ فقَطْ [[ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 327) .]] ، وزعم زيْدُ بْنُ أسْلَم أنها منسوخة [[ينظر المصدر السابق.]] ، حكى ذلك في «المدوَّنة» عن زيد بن أسْلَم زعْماً.
وقال ابن القاسِمِ: إنها استثناءٌ، والتحرير يردُّ ذلك إِلى النسخ الَّذي قال زيْدٌ لأنَّ ابْنَ القاسِمِ قال: إِن قولَه تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ [البقرة: 241] عمَّ الجميعَ، ثم استثنَى اللَّه منْه هذه التي فُرِضَ لها قبل المَسِيسِ، وقال فريق من العلماء، منهم أبو ثَوْر [[أبو عبد الله إبراهيم بن خالد بن أبي يمان، أبو ثور، أخذ عن الشافعي- رضي الله عنه- كما أخذ الفقه عن غيره، قال الخطيب البغدادي: كان أحد الثقات المأمونين، ومن الأئمة الأعلام في الدين، وله كتب مصنفة في الأحكام ينظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (1/ 55) ، و «تهذيب التهذيب» (1/ 118) ، و «طبقات السبكي» (1/ 277) .]] : المُتْعَة لكلِّ مطلَّقة عموماً، وهذه الآية إِنما بينت أن المفروض لها تأخُذُ نصْفَ ما فرض، أي: مع مُتْعَتها، وقرأ الجمهورُ [[وقرأ علي وزيد بن ثابت «فنصف» بضم النون في جميع القرآن. قال ابن عطية: وهي لغة، وكذلك روى الأصمعي قراءة عن أبي عمرو بن العلاء.
ينظر: «الشواذ» (ص 22) ، و «المحرر الوجيز» (1/ 320) . ونسبها أبو حيان في «البحر» (2/ 244) زيادة على ما تقدم إلى السلمي.]] : «فَنِصْفُ» بالرفع، والمعنى: فالواجبُ نصْفُ ما فرضْتُمْ.
وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ: استثناء منقطعٌ، و «يَعْفُونَ» : معناه: يتركْنَ ويصفحْنَ، أي: يتركْن النِّصْفَ الذي وجَبَ لهنَّ عند الزوْجِ، وذلك إِذا كانت المرأةُ تمْلِكُ أمْرَ نَفْسِها.
واختلف في المرادِ بقوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.
فقال ابن عَبَّاس، ومُجَاهدٌ، ومالكٌ، وغيرهم: هو الوليُّ الذي المَرْأَة في حِجْره [[أخرجه الطبري (2/ 558- 559) برقم (5286- 5287- 5308) عن مجاهد برقم (5304) عن ابن عباس. وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (1/ 219) عن ابن عباس. وابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 320) . والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 521) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.]] ، 59 ب وقالتْ فرْقَة: الذي بيده عُقْدة النكاح هو الزَّوْج [[أخرجه الطبري (2/ 560- 563) بأرقام (5317- 5363) عن علي وشريح. وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (1/ 219) ، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 321) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 521) . وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني في «الأوسط» ، والبيهقي بسند حسن، عن ابن عمرو، عن النبي ﷺ ...
وعزاه لوكيع، وسفيان، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني، والبيهقي، عن علي بن أبي طالب.
وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي من طرق عن ابن عباس.]] ، فعلى القول الأول: / الندْبُ في النَّصْف الذي يجبُ للمرأة إِمَّا أن تعفو هي، وإِما أن يعفو وليُّها، وعلى القول الثَّاني: إِما أنْ تعفو هي أيضاً فلا تأخذَ شيئاً، وإِما أن يعفو الزوْجُ عن النِّصْفِ الذي يحطّ، فيؤدّي جميع المَهْر، ثم خاطب تعالَى الجميعَ نادباً بقوله: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، أي: يا جميعَ الناسِ، وقرأ عليُّ بن أبي طالبٍ. وغيره: «وَلاَ تَنَاسَوا الفَضْلَ» ، وهي قراءةٌ متمكِّنة المعنى [[ينظر: «المحتسب» (1/ 127) ، و «مختصر الشواذ» (ص 22) . وزاد ابن عطية نسبتها إلى مجاهد وأبي حيوة، وابن أبي عبلة.
ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 322) ، و «البحر المحيط» (2/ 247) ، و «الدر المصون» (1/ 588) .]] لأنه موضع تناسٍ، لا نسيان إِلا على التشْبيه.
وقوله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ: ندْبٌ إِلى المجاملة.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ خَبَرٌ، وضمنه الوَعْد للمحسِنِ والحِرْمان لغير المحسن.
{"ayahs_start":236,"ayahs":["لَّا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُوا۟ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَـٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِینَ","وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّاۤ أَن یَعۡفُونَ أَوۡ یَعۡفُوَا۟ ٱلَّذِی بِیَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوۤا۟ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلۡفَضۡلَ بَیۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ"],"ayah":"لَّا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُوا۟ لَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَـٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق