الباحث القرآني
قوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ... الآية: اختلف في تعْيينِ هؤلاء السفهاءِ، فقال ابن عبَّاس: هم الأحبارُ، وذلك أنهم جاءوا إِلى النبيّ ﷺ فقالوا: يا محمَّد، ما ولاَّك عَنْ قبلتنا، ارجع إليها، ونؤمنْ بك [[أخرجه الطبري (2/ 7) برقم (2167) ، وذكره ابن عطية (1/ 218) .]] ، يريدُونَ فتنتَهُ، وقيل: اليهود والمنافقُونَ، وقالت فرقة: هم كفّار قريش.
ووَلَّاهُمْ: معناه: صرفهم، ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ: إِشارة إِلى هداية اللَّه تعالى هذه الأمة إلى قبلة إِبراهيم، وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ، أيْ كما هديناكم إلى قبلة إبراهيم وشريعته، جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، أي: عدولاً روي ذلك عن رسول الله ﷺ وتظاهَرَتْ به عباراتُ المفسِّرين، والوَسَط: الخيارُ والأعلى من الشيء، وواسطة القلادةِ أنفَسُ حَجَر فيها ومنه قوله تعالى: قالَ أَوْسَطُهُمْ [القلم: 28] .
وشُهَداءَ: جمع شاهدٍ، والمراد بالناسِ هنا في قول جماعة: جميع الجنس، وأن أمة محمّد ﷺ تشهدُ يوم القيامة للأنبياءِ على أممهم بالتبليغِ، وروي في هذا المعنى حديثٌ صحيحٌ عن النبيّ ﷺ وروي عنه أنَّ أُمته تشهدُ لكُلِّ نبيٍّ نَاكَرَهُ قومه [[أخرجه البخاري (8/ 247) كتاب «التفسير» ، باب «ذرية من حملنا مع نوح» حديث (4712) ومسلم (1/ 184) كتاب «الإيمان» باب أدنى أهل الجنة منزلة حديث (327/ 194) من حديث أبي هريرة.]] .
ت: وهذا الحديثُ خرَّجه البخاريُّ، وابن ماجة، وابن المبارك في «رقائقه» وغيرهم قائلا ﷺ، فذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ... الآية.
وكون الرسولِ شهيداً، قيل: معناه: بأعمالكم يوم القيامة، وقيل: «عليكم» بمعنى «لَكُمْ» ، أي: يَشْهَدُ لَكُمْ بالإِيمان.
وقوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ ... الآية: قال قتادةُ وغيره: القِبْلة هنا بيْتُ المَقْدِس [[أخرجه الطبري (2/ 14) برقم (2206) عن السدي، وذكره ابن عطية (1/ 219) . وذكره الشوكاني (1/ 218) عن عطاء.]] ، أي: إِلا فِتْنَةً لنعلَمَ من يتبعك مِنَ العربِ الذين لم يألفوا إِلا مسجد مكَّة أو من اليهود على ما قاله الضّحّاك الذين قالوا للنبيّ ﷺ: «إِنْ صَلَيْتَ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، اتبعناك» ، فأمره اللَّه بالصَّلاة إِليه، امتحانا لهم، فلم يؤمنوا [[ذكره ابن عطية (1/ 219) .]] .
وقال ابنُ عَبَّاس: القبلة في الآيَةِ: الكعبةُ [[ذكره ابن عطية (1/ 220) .]] ، وكُنْتَ عَلَيْها بمعنى: أَنْتَ عليها كقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران: 110] ، بمعنى: أنتم.
وَمَا جَعَلْنَاهَا وَصَرَّفْنَاكَ إلَيْهَا إلا فتنةً، وروي في ذلك أنّ رسول الله ﷺ لما حُوِّل إِلى الكعبة، أكْثَرَ في ذلك اليهودُ والمنافقونَ، وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلتِ الآية، ومعنى: لِنَعْلَمَ، أي ليعلم رسولِي والمؤمنون به، والقاعدة نَفْيُ استقبال العلْمِ بعد أنْ لم يكن، ويَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ عبارةٌ عن المرتدِّ، والرجوعُ على العَقِبِ أَسوأُ حالات الراجع.
وقوله تعالى: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ... الآية: الضمير في «كَانَتْ» راجع إلى القبلة إلى بيت المقدس، أو إلى التحويلة إلى الكعبة، حَسْبما تقدَّم من الخلاف في القبلة، «وكَبِيرَة» هنا معناه: شاقَّة صعبةٌ، تكبُرُ في الصدور، ولما حُوِّلَتِ القبلة، كان من قول اليهود: يا محمَّدُ، إن كانَتِ الأولى حقاً، فأنتَ الآنَ على باطلٍ، وإن كانتْ هذه حقًّا، فكنْتَ في الأولى على ضلالٍ، فَوَجَمَتْ نفوسُ بعْضِ المؤمنين، وأشْفَقُوا على مَنْ مات قبل التحويل من صلاتِهِمُ السالفة، فنزلَتْ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، أي: صلاتكم، قاله ابن عبَّاس وغيره [[أخرجه الطبري (2/ 20) برقم (2232) . وذكره ابن عطية (1/ 221) .]] ، وسمَّى الصلاة إِيماناً لَمَّا كانَتْ صادرةً عن الإيمان ولأن الإِيمان هو القطب الذي عليه تدور الأعمال، فذكره إِذ هو الأصل، ولئلاَّ يندرج في اسم الصلاة صلاةُ المنافقين إِلى بيت المَقْدِسِ، فذكر المعنَى الَّذي هو ملاك الأمر، وأيْضاً سُمِّيتْ إِيماناً إِذ هي من شُعَب الإِيمان.
ت: وفي العتبية من سماع ابن القاسم [[ابن القاسم هو: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي بالولاء، المعروف بابن القاسم، ولد ب «مصر» سنة 128 هـ. وقيل: سنة 132 هـ. وقيل غير ذلك، سافر إلى «المدينة» فصحب الإمام مالكا، وتفقه عليه، وروى عنه وعن الليث بن سعد، وعبد العزيز بن الماجشون، وغيرهم، وروى عنه أصبغ، وسحنون، وعيسى بن دينار، وغيرهم.
ومن مؤلفاته: «كتاب المدونة» ، وهي التي أخذها عنه سحنون، وهي من أجل كتب الفقه المالكي، توفي ب «مصر» سنة 191 هـ.
ينظر: «الديباج المذهب» (1/ 465) ، «شذرات الذهب» (1/ 329) ، «وفيات الأعيان» (3/ 362) .]] ، قال مالكٌ: قال اللَّهُ تبارَكَ وتعالى:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ قال: هي صلاة المؤمنين إلى بيت المَقْدِس، قال ابنُ رُشْد وعلى هذا القول أكثر أهل التفسير، وقد قيل: إن المعنى في ذلك، وما كان اللَّه ليضيعَ إِيمانكم بفَرْضِ الصلاة عليكم إلى بيْتِ المقدِسِ. انتهى من «البَيَان» .
والرَّأْفَةُ: أعلى منازل الرحْمَة.
{"ayahs_start":142,"ayahs":["۞ سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"],"ayah":"۞ سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق