الباحث القرآني

وقوله: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ... الآية: قرأ حمزة [[والمقصود أن حمزة قرأ: «ائتوني» الثانية من الآية هكذا، وإلا فإن الأولى قرأها أبو بكر، عن عاصم «ائتوني» ، دون حمزة، فلم يقرأها هكذا.]] وغيره: «ائْتُوني» بمعنى «جيئوني» ، وقرأ نافع وغيره: «آتوني» بمعنى «أعْطُوني» ، وهذا كله إِنما هو استدعاء المناولة، وإِعمالُ القوَّة «والزُّبَر» جمع زُبْرة، وهي القطعة العظيمة منه، والمعنى: فرَصَفَه وبنَاه حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، وهما الجبلان، وقوله: قالَ انْفُخُوا ... إلى آخر الآية، معناه: أنه كان يأمر بوَضْع طاقة من الزُّبَر والحجارةِ، ثم يوقد عليها حَتَّى تحمَى ثم يؤتَى بالنُّحَاس المُذَاب أو بالرصاص أو بالحديد بحسب الخلافِ في «القِطْر» ، فيفرغه على تلك الطاقة المنضَّدة، فإِذا التأم واشتدَّ، استأنَفَ رَصْفَ طاقةٍ أخرى إلى أن استوَى العَمَلُ، وقال أكثر المفسِّرين: «القِطْر» : النُّحَاس المُذَابُ، ويؤيِّد هذا ما روي أنَّ النبيّ ﷺ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي رَأَيْتُ سَدَّ يُأْجُوجُ ومَأْجُوجَ، فَقَالَ: كَيْفَ رَأْيْتَهُ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُ كَالبُرُدِ المُحَبَّر طَريقَةٌ صَفْرَاءُ، وَطَرِيقَةٌ حمراء، وطريقة سوداء، فقال النبيّ ﷺ «قد رأيته» [[ينظر: «تفسير القرطبي» (11/ 62) .]] ويَظْهَرُوهُ ومعناه: يعلونه بُصعُودٍ فيه ومنه قوله في «الموطّإ» ، و «الشمس في حجرِتها قَبْل أَنْ تَظْهَرَ» ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً لبُعْد عَرْضه وقوَّته، ولا سبِيلَ سَوى هذين: إما ارتقاءٌ، وإِما نَقْب، وروي أن في طُولَه ما بَيْنَ طرفَيِ الجبلَيْنِ مِائَة فَرْسَخِ، وفي عَرْضه خمسينَ فرسخاً، وروي غير هذا مما لم نَقِفْ على صحَّته، فاختصرناه، إِذ لا غاية للتخرُّص وقوله في الآية انْفُخُوا يريد بالأَكْيَار. وقوله: هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ... الآية: القائل ذو القرنين، وأشار ب هذا إِلى الرَّدْمِ والقوةِ عليه، والانتفاعِ به، والوعدُ يحتملُ أنْ يريد به يوم القيامة، ويحتمل أنْ يريد به وقْتَ خروجِ يأجُوجَ ومأجوج، وقرأ [[وقرأ بها أبو عمرو، وابن عامر. ينظر: «السبعة» (402) ، و «الحجة» (5/ 182) ، و «إعراب القراءات» (1/ 422) ، و «حجة القراءات» (435) ، و «العنوان» (125) ، و «إتحاف» (2/ 228) .]] نافع وغيره: «دَكًّا» مصدر «دَكَّ يَدُكُ» ، إِذا هدم ورض، ونَاقةٌ دَكَّاء لا سَنَام لها، والضمير في تَرَكْنا للَّه عزَّ وجلَّ. وقوله: يَوْمَئِذٍ يحتمل أنْ يريد به يوم القيامة، ويحتمل أنْ يريد به يَوْمَ كمالِ السَّدِّ، والضميرُ في قوله: بَعْضَهُمْ على هذا ليأجوجَ ومأجُوجَ، واستعارة المَوْج لهم عبارةٌ عن الحَيْرة، وتردُّدِ بعضهم في بَعْضٍ، كالمُوَلَّهينَ مِنْ هَمٍّ وخوفٍ ونحوه، فشبَّههم بموجِ البَحْر الذي يضطرب بعضُه في بعض. وقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ... إلى آخر الآية: يعني به يومَ القيامة بلا احتمال لغيره، والصُّورِ في قول الجمهور وظاهر الأحاديثِ الصِّحَاحِ: هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل للقيامة [[تقدم تخريجه.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب