الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ... الآية: «ذو القرنين» ، هو المَلِكُ الإسْكَنْدَرُ اليُونَانِيُّ، واختلف في وَجْه تسميته ب «ذي القَرْنَيْنِ» وأحسنُ ما قيل فيه: أنه كان ذا ظفيرتين، من شَعْرهما قرناه، والتمكينُ له في الأرض: أنه مَلَكَ الدنيا، ودانَتْ له الملوك كلها، وروي أن جميع من مَلَكَ الدنيا كلَّها أربعَةٌ، مُؤْمِنَانِ وكافران فالمُؤْمِنَانِ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام، والإسْكَنْدَرُ، والكافِرَانِ: نُمْرُود، وبُخْتَ نَصَّرَ. وقوله سبحانه: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً معناه: علْماً في كل أمْرٍ، وأقيسةً يتوصَّل بها إِلى معرفة الأشياء، وقوله: كُلِّ شَيْءٍ عمومٌ معناه الخصوص في كلِّ ما يمكنه أنْ يعلمه ويحتاجُ إلَيْه، وقوله: فَأَتْبَعَ سَبَباً، أي: طريقاً مسلوكةً، وقرأ نافع وابن كثير [[ينظر: «السبعة» (398) ، و «الحجة» (5/ 169) ، و «إعراب القراءات» (1/ 412) ، و «معاني القراءات» (2/ 121) ، و «حجة القراءات» (428) ، و «العنوان» (124) ، و «شرح الطيبة» (5/ 18) ، و «شرح شعلة» (478) ، و «إتحاف» (2/ 223) .]] : وحفص عن عاصم: «في عَيْنٍ حِمِئَة» ، أي: ذاتِ حَمْأة، وقرأ الباقون: «في عَيْنٍ حَامِيَةٍ» ، أي: حارَّة، وذهب [[ينظر: «الطبري» (8/ 274) .]] الطبريُّ إلى الجمع بين الأمرين، فقال: يحتملُ أن تكون العين حارَّة ذاتَ حَمْأة واستدلَّ بعضُ الناس على أن ذا القرنين نبيّ بقوله تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ، ومن قال: إنه ليس بنبيٍّ، قال كانت هذه المقالةُ مِنَ اللَّهِ له بإِلهامِ. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 539) .]] : والقول بأنه نبيّ ضعيف، وإِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ معناه: بالقَتْلِ على الكُفْر، وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً، أي: إِن آمنوا، وذهب الطبري [[ينظر: «تفسير الطبري» (8/ 275) .]] إِلى أنَّ اتخاذه الحُسْن هو الأسْرُ مع كُفْرهم، ويحتمل أنْ يكون الاتخاذ ضَرْبَ الجزية، ولكنْ تقسيم ذي القرنين بعد هذا الأمْر إِلى كفر وإيمان يردُّ هذا القول بعض الردّ، وظَلَمَ في هذه الآية: بمعنى كَفَر، وقوله: عَذاباً نُكْراً، أي: تنكره الأوهام، لعظمه، وتستهوله، والْحُسْنى يراد بها الجَنَّة. وقوله تعالى: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً المعنى: ثم سلك ذو القرنين الطُّرُق المؤدِّية إِلى مَقْصِده، وكان ذو القرنَيْن، على ما وقع في كُتُب التاريخ يَدُوسُ الأرض بالجيوش الثّقال، والسّيرة الحميدة، والحزم المستيقظ، والتأييد المتواصِلِ، وتقوى اللَّه عزَّ وجلَّ، فما لقي أمّة، ولا مرّ بمدينةٍ إِلا ذَلَّتْ ودَخَلَتْ في طاعته، وكُلُّ من/ عارضه أوْ توقَّف عن أمْره، جعله عظةً وآيةً لغيره، وله في هذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ وغرائبُ، مَحَلُّ ذكرها كُتُبُ التاريخ. وقوله: وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ المراد ب «القوم» الزَّنْج، قاله قتادة [[أخرجه الطبري (8/ 277) برقم: (23317) ، وابن عطية (3/ 540) ، وابن كثير (3/ 103) ، والسيوطي (4/ 448) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن أبي حاتم.]] ، وهم الهنود وما وراءهم، وقال الناس في قوله سبحانه: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً معناه: أنهم ليس لهم بنيانٌ، إِذ لا تحتمل أرضهم البناءَ وإِنما يدخلون مِنْ حَرِّ الشمس في أسْرَابٍ، وقيل: يدخلون في مَاءِ البَحْر قاله الحسن [[أخرجه الطبري (8/ 276) برقم: (23314) بنحوه، والبغوي (3/ 179) .]] وغيره، وأكْثَرَ المفسِّرون في هذا المعنى، والظاهر من اللفظ أنها عبارة بَلِيغَةٌ عن قُرْب الشمس منهم، ولو كان لهم أسرابٌ تغني لكان سِتْراً كثيفاً. وقوله: كَذلِكَ معناه: فَعَلَ معهم كَفِعْله مع الأولين أهْلِ المَغْرب، فأوجز بقوله: كَذلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب