الباحث القرآني
قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قال: وهذه أشدُّ من الأولى- قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، قال:
مائل، فقال الخَضِرُ بيده هكذا، فأقامه، فقال موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يطعمونا، ولم يضيّفونا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قال سعيدُ بنُ جُبَيْر: أجراً نأكله [[ذكره ابن عطية (3/ 534) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 420) ، وعزاه لعبد بن حميد، ومسلم، وابن مردويه.]] - «قال هذا فراق بيني وبينك» إِلى قوله: ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً، فقال رسول الله ﷺ:
وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرَهِمَا» [[تقدم تخريجه.]] قال سعيد: فكان ابن عباس يَقْرأُ: «وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سفينة [صالحة] غصبا» ، وكان يقرأ: «وأَمَّا الغُلاَمُ [فَكَانَ كَافِراً] وكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ» ، وفي رواية للبخاريِّ: يزعمون عن غَيْر سعيدِ بْنِ جُبَيْر أنَّ اسم المَلِكِ: هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ، والغلام المقتولُ اسمه يزعمون حَيْسُورُ، ويقال: جَيْسُورَ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، فأردتُّ إِذا هِيَ مَرَّتْ به أنْ يَدَعَها لِعَيْبها [[أخرجه البخاري (8/ 262، 277) كتاب «التفسير» ، حديث (4725- 4726- 4727) من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس.]] ، فإِذا جَاوَزُوا أصْلَحُوها، فانتفعوا بها، ومنهم من يقول: سَدُّوها بقَارُورة، ومنهم من يقول بالقار، كان أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ، وكان كافراً، فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً أنْ يحملهما حبُّه على أنْ يتابعاه على دينه، فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً لقوله: «أقتلْتَ نفساً زاكية» ، وَأَقْرَبَ رُحْماً هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خَضِر، وزعم غير سعيد أنهما أُبْدلا جاريةً، وأما داوُدُ بن أبي عاصِمٍ، فقال عن غير واحدٍ: إنها جاريةٌ. انتهى لفظُ البخاريِّ.
ت: وقد تحرَّينا/ في هذا المختصر بحَمْد اللَّه التحقيقَ فيما علَّقناه جُهْد الاستطاعة، واللَّه المستعان، وهو المسئول أن ينفع به بجُوده وكَرَمِهِ.
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 532) .]] : ويشبه أنْ تكون هذه القصَّة أيضاً أصلاً للآجال في الأحكام التي هي ثَلاَثَةٌ، وأيام التلوم ثلاثةٌ، فتأمَّله.
وقوله سبحانه: فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما وفي الحديث: «أَنَّهُمَا كَانَا يَمْشِيَانِ عَلَى مَجَالِسِ أُولَئِكَ القَومِ يَسْتَطْعمَانِهِمْ» .
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 533) .]] : وهذه عبرة مصرِّحة بهوان الدنيا على اللَّه عزَّ وجلَّ. ص:
وقوله: فِراقُ بَيْنِي الجمهور [[ينظر: «البحر المحيط» (6/ 144) ، و «الدر المصون» (4/ 476) .]] بإضافة «فراق» ، أبو البقاء، تفريقُ وَصْلِنا، وقرأ ابن أبي عَبْلَةَ «فِراقٌ» بالتنوين [[ينظر: «الكشاف» (2/ 740) ، و «البحر المحيط» (6/ 144) ، و «الدر المصون» (4/ 476) .]] ، أبو البقاء و «بَيْنَ» : منصوبٌ على الظرف انتهى.
قال [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 535) .]] ع: ووَراءَهُمْ هو عندي على بابه، وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعًى بها الزمانُ، وذلك أنَّ الحادث المقدَّم الوُجُودِ هو الأمامُ، والذي يأتي بَعْدُ هو الوَرَاء، وتأمَّل هذه الألفاظ في مواضِعِها حيْثُ وردَتْ تجدها تَطَّرد، ومِن قرأ [[وقرأ بها ابن عباس، وابن جبير، كما في «الجامع لأحكام القرآن» (11/ 24) .]] :
«أَمامَهُمْ» ، أراد في المكان.
قال [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 536) .]] ع: وفي الحديث، «أنَّ هَذَا الغُلاَمَ طُبِعَ يَوْمَ طُبعَ كافِراً» ، والضمير في «خشينا» للخضِرِ، قال الداوديُّ: قوله: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما، أي: علمنا انتهى.
«والزَكَاةُ» شرف الخُلُق والوقارُ والسكينةُ المنطويةُ على خَيْرٍ ونيَّة، «والرُّحْم» الرحمة، وروي عن ابن جُرَيْج، أنهما بُدِّلا غلاماً مسْلِماً [[أخرجه الطبري (8/ 267) برقم: (23250) بنحوه، وذكره ابن عطية (3/ 536) ، والبغوي (3/ 177) ، وابن كثير (3/ 98) .]] ، وروي عنه أنهما بُدِّلا جاريةً، وحكى النَّقَّاش أنها وَلَدَتْ هي وَذُرِّيَّتُها سبعين نبيًّا، وذكره المهدويُّ عن ابن عباس [[ذكره ابن عطية (3/ 536) .]] ، وهذا بعيدٌ، ولا تُعْرَف كثرة الأنبياءِ إِلا في بني إسرائيل، وهذه المرأة لم تكُنْ فيهم، واختلف النَّاسُ في هذا الكنز المذكور هنا، فقال ابن عباس: كان عِلْماً في صُحُف مدفونةٍ [[أخرجه الطبري (8/ 268) برقم: (23256) ، وذكره ابن عطية (3/ 537) ، وابن كثير (3/ 98) .]] ، وقال عمر مولى غَفْرَة: كان لَوْحاً من ذَهَبٍ قد كُتِبَ فيه: «عجباً للموقِنِ بالرِّزْقِ كيف يَتْعَبُ، وعجباً للموقِنِ بالحسابِ كيف يَغْفَلُ، وعجباً للموقِنِ بالمَوْتِ كيف يَفُرَحُ» ، وروي نحو هذا مما هو في معناه، وقال الداوديّ: كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما، عن النبي ﷺ قال: «ذَهَبٌ وفِضَّة» انتهى، فإِن صحَّ هذا الحديثُ، فلا نظرَ لأحَدٍ معه، فاللَّه أعلم أيَّ ذلك كَانَ.
وقوله سبحانه: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً ظاهر اللفظِ، والسابقُ منه إِلى الذهنِ أنه والدهما دِنْيَةً [[يقال: هو ابن عمي دنية، إذا كان ابن عمه لحّا.
ينظر: «لسان العرب» (1436) .]] ، وقيل: هو الأب السابعُ، وقيل: العاشر، فَحُفِظَا فيه، وفي الحديثِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُ الرَّجُلَ الصَّالِحَ في ذُريتِهِ» ، وقول الخضر: وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي، يقتضي أنه نَبِيٌّ، وقد اختلف فيه، فقيل: هو نبيٌّ، وقيل: عَبْدٌ صالح، وليس بنبيٍّ وكذلك اختلف في موته وحياته، واللَّه أعلم بجميع ذلك، ومما يقضي بموت الخضر قوله ﷺ:
«أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن إلى رأس مائة مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ على ظَهْرِ الأَرضِ أحد» [[تقدم تخريجه.]] .
قال القرطبيُّ في «تذكرته» : وذكر عن عمرو بن دِينَارٍ: الخَضِرُ وإِلياسُ عليهما السلام حَيَّانِ، فإِذا رفع القرآن ماتا/ قال القرطبيُّ: وهذا هو الصحيحُ انتهى، وحكاياتُ مَنْ رأَى الخَضِرَ من الأولياء لا تحصَى كثرةٍ فلا نطيلُ بَسْردها، وانظر «لطائِفَ المِنَن» لابن عطاء اللَّه.
وقوله: ذلِكَ تَأْوِيلُ: أي مآل، وحكى السُّهَيْليُّ أنه لما حان للخَضِر وموسى أن يفترقا، قال له الخَضر: لو صَبَرْتَ، لأَتَيْتَ عَلَى أَلْفِ عَجَبٍ، كلُّها أعجبُ ممَّا رأَيْتَ، فبكى موسى، وقالَ للخَضِر: أوْصِنِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فقال: يا مُوسَى، اجْعَلْ همَّك في معادِكَ، ولا تَخُضْ فيما لا يَعْنِيك، ولا تأمَنْ مِنَ الخوفِ في أمْنِكَ، ولا تَيْئَس من الأمن في خوفك، وتدَّبر الأمورَ في علانيتِكَ، ولا تَذَر الإحسانَ في قُدْرتك، فقال له موسى: زِدْنِي يرحمك اللَّه، فقال له الخَضِر: يا مَوسَى، إِياكَ واللَّجَاجَةُ، ولا تَمْش في غير حَاجَةٍ، ولا تَضْحَكْ من غَيْر عَجَبٍ، ولا تعير أحداً، وابكِ على خطيئتك يا بن عمران. انتهى.
{"ayahs_start":75,"ayahs":["۞ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِیعَ مَعِیَ صَبۡرࣰا","قَالَ إِن سَأَلۡتُكَ عَن شَیۡءِۭ بَعۡدَهَا فَلَا تُصَـٰحِبۡنِیۖ قَدۡ بَلَغۡتَ مِن لَّدُنِّی عُذۡرࣰا","فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَیَاۤ أَهۡلَ قَرۡیَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَاۤ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡا۟ أَن یُضَیِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِیهَا جِدَارࣰا یُرِیدُ أَن یَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَیۡهِ أَجۡرࣰا","قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَیۡنِی وَبَیۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِیلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَیۡهِ صَبۡرًا","أَمَّا ٱلسَّفِینَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَـٰكِینَ یَعۡمَلُونَ فِی ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِیبَهَا وَكَانَ وَرَاۤءَهُم مَّلِكࣱ یَأۡخُذُ كُلَّ سَفِینَةٍ غَصۡبࣰا","وَأَمَّا ٱلۡغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَیۡنِ فَخَشِینَاۤ أَن یُرۡهِقَهُمَا طُغۡیَـٰنࣰا وَكُفۡرࣰا","فَأَرَدۡنَاۤ أَن یُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَیۡرࣰا مِّنۡهُ زَكَوٰةࣰ وَأَقۡرَبَ رُحۡمࣰا","وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَیۡنِ یَتِیمَیۡنِ فِی ٱلۡمَدِینَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزࣱ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحࣰا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن یَبۡلُغَاۤ أَشُدَّهُمَا وَیَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةࣰ مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِیۚ ذَ ٰلِكَ تَأۡوِیلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَیۡهِ صَبۡرࣰا"],"ayah":"قَالَ إِن سَأَلۡتُكَ عَن شَیۡءِۭ بَعۡدَهَا فَلَا تُصَـٰحِبۡنِیۖ قَدۡ بَلَغۡتَ مِن لَّدُنِّی عُذۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق