الباحث القرآني
وقوله سبحانه: وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ الإِشارة ب «ذلك» إلى الأمر الذي ذكَره اللَّه في جِهَتِهِمْ، والعبرة التي فعلها فيهم، «والبَعْث» : التحريك عن سكونٍ، واللام في قوله: لِيَتَسائَلُوا لام الصيرورة، وقول القائلِ: كَمْ لَبِثْتُمْ يقتضى أنه هجس في خاطره طُولُ نومهم، واستشعر أنَّ أمرهم خَرَجَ عن العادة بعضَ الخروجِ، وظاهر أمرهم أنهم انتبهوا في حالٍ منَ الوَقْت، والهواء الزمانيُّ لا يباين الحالة التي ناموا عليها، وقولهم:
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ يروى أنهم انتبهوا، وهُمْ جيَاعٌ، وأنَّ المبعوثَ هو تَمْلِيخَا، وروي أن باب الكهف انهدَمَ بناءُ الكفَّار منه لطول السنين، ويروى أن راعياً هدمه ليدخل فيه غنمه، فأخذ تمليخا ثياباً رثَّةً منْكَرة ولبسها، وخرَجَ من الكهف، فأنكر ذلك البِنَاءَ المهدُومَ إذ لم يعرفه بالأمْسِ، ثم مَشى، فجعل يُنْكِر الطريق والمعالمَ، ويتحيَّر وهو في ذلك لا يشعر شعوراً تامًّا، بل يكذِّب ظنه فيما تغيَّر عنده حتى بَلَغَ بابَ المدينة، فرأى على بابها أمَارة الإِسلام، فزادَتْ حَيْرَتُه، وقال: كيف هَذَا بِبَلد دقْيُوس، وبالأمْسِ كنا معه تَحْتَ ما كنا، فنهض إلى بابٍ آخر، فرأى نحواً من ذلك حتى مشَى الأبوابَ كلَّها، فزادَتْ حيرته، ولم يميِّز بشراً، وسمع الناس يُقْسِمُون باسم عيسى، فاستراب بنَفْسه، وظنَّ أنه جُنَّ، أو انفسد عقله، فبقي حَيْرَان يدعو اللَّه تعالى، ثم نهض إِلى باب الطعام الذي أراد/ اشتراءه، فقال: يا عبد اللَّه، بِعْنِي من طعامك بهذه الوَرِقِ، فدفع إِليه دَرَاهِمَ، كأخْفَافِ الربع فيما ذُكِرَ، فعجب لها البائعُ ودَفَعَهَا إلى آخر يُعَجِّبُهُ، وتعاطَاهَا النَّاسُ، وقالوا له: هذه دراهِمُ عَهْدِ فلانٍ المَلِكِ، مِنْ أيْن أنْتَ؟ وكَيْفَ وجدتَّ هذا الكَنْزَ، فجعل يبهت ويعجَبُ، وقد كان بالبلد مشهوراً هو وبَيْتُهُ، فقال: ما أعرفُ غير أنِّي وأصْحَابي خَرَجْنا بالأمْس من هذه المدينةِ، فقال النَّاس: هذا مجنونٌ، اذهبوا به إِلى المَلِكِ، ففزِعَ عند ذلك، فَذُهِبَ به حتى جيءَ به إلى المَلِكِ، فلما لم يَرَ دْقيُوس الكافِرَ، تأنَّس، وكان ذلك المَلِكُ مؤمناً فاضلاً يسمَّى تبدوسِيس، فقال له المَلِكُ: أين وجدت هذا الكَنْز؟ فقال له: إِنما خرجْتُ أنا وأصْحَابي أمْس من هذه المدينة، فأوينا إِلى الكَهْف الذي في جَبَل أنجلوس، فلما سمع المَلِكُ ذلك، قال في بعض ما رُوِيَ: لعلَّ اللَّه قَدْ بعث لكُمْ أيُّها الناس آيَةً فَلْنَسِرْ إِلى الكهف، حتى نرى أصحابه، فساروا، وروي أنه أو بعض جلسائه قال: هؤلاءِ هُمُ الفتيةُ الذين ورِّخَ أمرهم على عهد دقْيُوس المَلِك، وكتب على لُوح النُّحَاس بباب المدينةِ، فسار الملك إليهم، وسار الناس معه فلما انتهوا إلى الكهف، قال تَمْليَخا: أدخُلُ عليهم لئلا يرعبوا، فدخل عليهم، فأعلمهم بالأمْر، وأن الأمة أمَّة إِسْلام، فروي أنهم سُرُّوا وخَرَجُوا إلى الملك، وعظَّموه، وعظَّمهم، ثم رجَعُوا إلى الكهف، وأكثرُ الروايات على أنهم ماتُوا حين حدَّثهم تملِيخَا، فانتظرهم النَّاسُ، فلما أبطأ خروجُهم، دَخَل الناس إليهم، فرعبَ كلُّ من دخل، ثم أقدموا فوجَدُوهم موتى، فتنازعوا بحَسَب ما يأتى، وفي هذه القصص من الاختلاف ما تَضِيقُ به الصُحفُ فاختصرته، وذكرت المهم الذي به تتفسَّر ألفاظ الآيةِ، واعتمدتُّ الأصحَّ واللَّه المعينُ برحمته، وفي هذا البعث بالورق جواز الوكالة، وصحّتها.
وأَزْكى معناه: أكثر فيما ذكر عكرمة [[أخرجه الطبري (8/ 203) برقم: (22961) ، وذكره ابن عطية (3/ 506) ، والبغوي (3/ 155) .]] ، وقال ابن جُبَيْر: المراد أحَلّ [[أخرجه الطبري (8/ 203) برقم: (22963) ، وذكره ابن عطية (3/ 506) .]] ، وقولهم: يَرْجُمُوكُمْ قال الزجاج: بالحجارة، وهو الأصح وقال حَجَّاج: «يرجموكم» معناه: بالقول وقوله سبحانه: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ: الإِشارة في قوله: وَكَذلِكَ إلى بعثهم ليتساءلوا، أي: كما بعثناهم، أعثرنا عليهم، والضمير في قوله: لِيَعْلَمُوا يحتمل أن يعود على الأمَّة المسلمة الذين بُعِثَ أهّل الكهف على عهدهم، وإلى هذا ذهب الطبريُّ [[ينظر: «الطبري» (8/ 204) .]] وذلك أنهم فيما روي دخلتهم حينئذٍ فتنةٌ في أمْرِ الحَشْر وبَعْثِ الأجساد من القبور، فشَكَّ في ذلك بعضُ الناس، واستبعدوه، وقالوا: إِنما تُحْشَر الأرواح، فشَقَّ ذلك على مَلِكهم، وبقي حَيرَان لا يَدْرِي كيف يبيِّن أمره لهم، حتى لَبَس المُسُوح، وقعد على الرَّمَادَّ وتضرَّع إلى اللَّه في حُجَّة وبيانٍ، فأعثرهم اللَّه على أَهْل الكهف، فلما/ بعثهم اللَّه، وتبيَّن الناس أمرهم سُرَّ الملِكُ، ورَجَعَ مَنْ كان شَكَّ في بعث الأجساد إلى اليقين به، وإلى هذا وقعت الإِشارة بقوله: إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ على هذا التأويل، ويحتمل أن يعود الضميرُ في لِيَعْلَمُوا على أصحاب الكهف، وقوله: إِذْ يَتَنازَعُونَ على هذا التأويل: ابتداءُ خبرٍ عن القوم الذين بُعِثُوا على عهدهم، والتنازع على هذا التأويل إِنما هو في أمر البناء أو المسجد، لا في أمر القيامة، وقد قيل: والتنازع إِنما هو في أنْ اطلعوا عَليْهم، فقال بعضهم: هم أمواتٌ، وبعضٌ: هم أحياء، وروي أنَّ بعض القومِ ذهبوا إلى طمس الكَهْف عليهم، وترْكِهِم فيه مغيِّبين، فقالت الطائفة الغالبة على الأمر: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً، فاتخذوه، قال قتادة: الَّذِينَ غَلَبُوا هم الولاة [[ذكره ابن عطية (3/ 507) ، والسيوطي (4/ 392) بنحوه، وعزاه لعبد الرزاق، وابن أبي حاتم.]] .
{"ayahs_start":19,"ayahs":["وَكَذَ ٰلِكَ بَعَثۡنَـٰهُمۡ لِیَتَسَاۤءَلُوا۟ بَیۡنَهُمۡۚ قَالَ قَاۤىِٕلࣱ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُوا۟ لَبِثۡنَا یَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ یَوۡمࣲۚ قَالُوا۟ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوۤا۟ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَـٰذِهِۦۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ فَلۡیَنظُرۡ أَیُّهَاۤ أَزۡكَىٰ طَعَامࣰا فَلۡیَأۡتِكُم بِرِزۡقࣲ مِّنۡهُ وَلۡیَتَلَطَّفۡ وَلَا یُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا","إِنَّهُمۡ إِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ یَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ یُعِیدُوكُمۡ فِی مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا","وَكَذَ ٰلِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ لِیَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَیۡبَ فِیهَاۤ إِذۡ یَتَنَـٰزَعُونَ بَیۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُوا۟ ٱبۡنُوا۟ عَلَیۡهِم بُنۡیَـٰنࣰاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِینَ غَلَبُوا۟ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیۡهِم مَّسۡجِدࣰا"],"ayah":"إِنَّهُمۡ إِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ یَرۡجُمُوكُمۡ أَوۡ یُعِیدُوكُمۡ فِی مِلَّتِهِمۡ وَلَن تُفۡلِحُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق