الباحث القرآني

وقوله سبحانه: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً، أي: ليسوا بعجب من آياتِ اللَّهِ، أي: فلا يَعْظُمْ ذلك عليك بحسب ما عَظَّمه السائلون، فإِن سائر آيات اللَّه أعظَمُ من قصتهم، وهو قول ابن عباس [[أخرجه الطبري (8/ 180) برقم: (22890) بنحوه، وذكره ابن كثير (3/ 73) ، والسيوطي (4/ 384) بنحوه، وعزاه لابن أبي حاتم.]] وغيره، واختلف الناس في الرَّقِيمِ ما هو؟ اختلافاً كثيراً، فقيل: «الرقيم» كتابٌ في لوحِ نُحَاسٍ، وقيل: في لوحِ رَصَاصٍ، وقيل: في لوحِ حجارةٍ كتبوا فيه قصَّة أهْل الكهفِ، وقيل غير هذا، وروي عن ابن عباس أنه قال: ما أدْرِي مَا الرَّقِيم [[أخرجه الطبري (8/ 182) برقم: (22905) ، وذكره ابن عطية (3/ 498) ، وابن كثير (3/ 73) ، والسيوطي (4/ 384) ، وعزاه لابن جرير من طريق ابن جريج.]] ؟ قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 497- 498) .]] : ويظهر من هذه الرواياتِ أنهم كانوا قوماً مؤَرِّخين، وذلك مِنْ نُبْل المملكة، وهو أمر مفيدٌ. وقوله سبحانه: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ: الْفِتْيَةُ، فيما روي قوم من أبناء أشرافِ مدينةِ دِقْيُوس المَلِكِ الكافِرِ، ويقال فيه «دقيانوس» ، وروي أنهم كانوا مُطَوَّقين مسَوَّرين بالذهب، وهم من الروم، واتبعوا دينَ عيسَى، وقيل: كانوا قبل عيسَى، واختلف الرواةُ في قصصهم، ونذْكُر من الخلافِ عُيُونَه، وما لا تستغني الآية عنه: فروي عن مجاهدٍ عن ابن عباس، أن هؤلاء الفتية كانوا في دينِ مَلِكٍ يعبد الأصنام [[ذكره ابن عطية (3/ 498) .]] ، فوقَع للفتيةِ عِلْمٌ من بعض الحواريِّين، حَسْبما ذكره النَّقَّاش، أو من مؤمني الأمم قبلهم، فآمنوا باللَّه، ورأَوا ببصائرهم قَبِيحَ فعْل الناس، فرفع أمرهم إِلى المَلِك، فاستحضَرَهُمْ، وأمرهم بالرجُوعِ إِلى دينه، فقالوا/ له فيما روي: رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... [الكهف: 14] الآية، فقال لهم الملك: إِنَّكُمْ شُبَّانٌ أغْمَارٌ، لا عَقْل لكم، وأَنا لا أعْجَلُ عليكم، وضَرَبَ لهم أجلاً ثم سافر خِلاَلَ الأجَلِ، فتشاور الفتْيَةُ في الهروبِ بأديانهم، فقال لهم أحَدُهم: إِني أعْرِفُ كهْفاً في جَبَلِ كذا، فلنذهب إِليه. وروت فرقةٌ إنَّ أمر أصحاب الكهْف إنما كان أنهم من أبناء الأشْرَافِ، فحضر عيدٌ لأهْلِ المدينة، فرأى الفتْيَةُ ما ينتحله الناسُ في ذلك العِيدِ من الكُفْرِ وعبَادة الأصنام، فوقع الإِيمانُ في قلوبهم، وأجمعوا على مفارقة دِينِ الكَفَرة، وروي أنهم خَرَجُوا، وهُمْ يلعبون بالصَّوْلَجَانِ والكَرة، وهم يدحرجونها إِلى نحو طريقهم لئلاَّ يشعر الناس بهم حتى وصلوا إِلى الكهف، وأما الكلب فرِوِيَ أنه كان كَلْبَ صيدٍ لبعضهم، وروي أنهم وجدوا في طريقهم رَاعياً له كلْبٌ، فاتبعهم الراعي على رأيهم، وذهب الكلْبُ معهم، فدخلوا الغَارَ، فروت فرقة أن اللَّه سبحانه ضَرَبَ على آذانهم عند ذلك، لما أراد مِنْ سَتْرهم وخَفِيَ على أهْل المملكة مكانُهم، وعَجِبَ الناسُ من غَرَابة فَقْدهم، فأرَّخوا ذلك ورقَّموه في لوحَيْنِ من رصاصٍ أو نحاسٍ، وجعلوه على باب المدينةِ، وقيل على الرواية: إن الملك بنى باب الغار، وإِنهم دفنوا ذلك في بِنَاءِ الملِك على الغار، وروت فرقة، أن المَلِك لما علم بذَهَاب الفتية، أَمَرَ بقَصِّ آثارهم إِلى باب الغار، وأمر بالدخول عليهم، فهَابَ الرجالُ ذلك، فقال له بعضُ وزرائه: «أَلَسْتَ أيها المَلِكُ إِن أخرجتَهم قتلَتهم؟ قال: نعم، قال: فأيُّ قِتْلة أبلغُ من الجُوع والعَطَش، ابن عليهم باب الغارِ، ودعْهم يموتوا فيه، ففعل، وقد ضَرَبَ اللَّه على آذانهم كما تقدَّم، ثم أخبر اللَّه سبحانه عن الفتْيَة أنهم لما أَوَوْا إِلى الكَهْف، أي: دخلوه وجعلوه مأوًى لهم وموضعَ اعتصام دَعَوُا اللَّه تعالى بأن يؤتيهم من عنده رحمةً، وهي الرْزقُ فيما ذكره المفسِّرون، وأن يهيِّىء لهم من أمرهم رَشَدَاً خلاصاً جميلاً، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم، وألفاظهم تقتضي ذلك، وقد كانوا على ثقةٍ من رَشَدِ الآخرة ورحمتها، وينبغي لكُلِّ مؤمن أنْ يجعَلَ دعاءه في أمر دنياه بهذه الآية الكريمة فقطْ فإنها كافية، ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمر الآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب