الباحث القرآني

وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ «مِنْ» للتبعيض، التقدير: ووقتاً مِنَ الليلِ، أيَّ: قم وقتاً، والضمير في «به» عائدٌ على هذا المقدَّر، ويحتملُ أن يعود على القرآن، و «تهجَّد» معناه: اطرح الهجودَ عَنْك، «والهُجُود» : النوم، المعنى: ووقتاً من الليل اسهر به في صلاةٍ وقراءة، وقال علقمة وغيره: التهجُّد بعد نومة [[أخرجه الطبري (8/ 129) برقم: (22611) ، وذكره ابن عطية (3/ 478) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 54) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 355) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، ومحمد بن نصر في كتاب «الصلاة» .]] ، وقال الحَجَّاج بن عمرو: إِنما التهجُّد بعد رقدة [[أخرجه الطبري (8/ 129) برقم: (22616) ، وذكره ابن عطية (3/ 478) .]] ، وقال الحسن: التهجُّد ما كان بعد العشاء الآخرة [[أخرجه الطبري (8/ 129) برقم: (22615) ، وذكره ابن عطية (3/ 478) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 54) .]] . وقوله: نافِلَةً لَكَ قال ابن عباس: معناه: زيادةً لك في الفَرْضٍ، قال: وكان قيامُ الليل فرضا على النبيّ ﷺ [[أخرجه الطبري (8/ 130) برقم: (22617) ، وذكره ابن عطية (3/ 478) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 54) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 355) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.]] ، وقال مجاهد: إنما هي نافلة للنبيّ ﷺ لأنه مغفورٌ له، والناس يحطُّون بمثل ذلك خطاياهم، يعني: ويجبرون بها فرائضهم حَسْبما/ ورد في الحديثِ [[أخرجه الطبري (8/ 130) برقم: (22618) ، وذكره البغوي (3/ 129) ، وذكره ابن عطية (3/ 478) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 55) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 356) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، ومحمد بن نصر، والبيهقي في «الدلائل» .]] ، قال صاحب «المدخل» ، وهو أبو عبد الله بن الحَاجِّ وقد قالوا: إِنَّ مَنْ كان يتفلَّت منه القرآن، فليقُمْ به في الليْلَ، فإن ذلك يثبته له ببركة امتثال السُّنَّة سِيَمَا الثُّلُثُ الأخير من الليلِ لما ورد في ذلك من البركَات والخَيْرَات، وفي قيامِ اللَّيْلِ من الفوائد جملةٌ، فلا ينبغي لطالب العلْم أنْ يفوته منْها شَيْءٌ. فمنها: أنه يحطُّ الذنوب كما يحطُّ الريحُ العاصف الورق اليابس من الشجرة. الثاني: أنه ينوِّر القلب. الثالث: أنه يحسِّن الوجه. الرابع: أنه يذهب الكسل، وينشِّط البدن. الخامس: أن موضعه تراه الملائكَة من السماء كما يتراءى الكوكب الدُّرِّيُّ لنا في السماءِ، وقد روى الترمذيُّ عن أبي أمامة أن رسول الله ﷺ قَالَ: «عَلْيُكُمْ بِقَيِامِ اللَّيْلِ، فإِنَّهُ مِنْ دأْبِ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلى اللَّهِ تعالى، ومَنْهَاةٌ عَنِ الآثَامِ، وتَكْفِيرٌ للسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ للِدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ» [[أخرجه الترمذي (5/ 552- 553) كتاب «الدعوات» باب: في دعاء النبي ﷺ، حديث (3549) ، من طريق بكر بن خنيس، عن محمد القرشي، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن بلال به، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث بلال إلا من هذا الوجه من قبل إسناده، قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد القرشي هو: محمد بن سعيد الشامي وهو ابن أبي قيس، وهو محمد بن حسان، وقد ترك حديثه، وقد روى هذا الحديث معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن ابن إدريس الخولاني، عن أبي أمامة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة للإثم» ، وقال الترمذي: وهذا أصحّ من حديث إدريس عن بلال اه. قلت: ومن الوجه الذي ذكره الترمذي، أخرجه الحاكم (1/ 308) ، والبيهقي (2/ 502) ، والبغوي في «شرح السنة» (2/ 458- بتحقيقنا) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.]] وروى أبو داودَ في «سُنَنِهِ» عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، ومَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، ومَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةِ، كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِين» انتهى [[تقدم تخريجه.]] من «المدخل» . وقوله سبحانه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً: عِدَةٌ من اللَّه عزَّ وجلَّ لنبيِّه، وهو أمر الشَّفاعة الذي يتدافعه الأنبياء حتى ينتهي إليه ﷺ، والحديث بطوله في البخاريِّ ومسلمٍ. قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1223) .]] » : واختلف في وَجْهِ كوْنِ قيامِ الليْلِ سَبَباً للمقامِ المْحُمودِ على قَوْلين للعلماء: أحدهما: أن البارِي تعالى يجعلُ ما يشاء مِنْ فضله سبباً لفضله من غير معرفة لنا بَوْجهِ الحكمة. الثاني: أنَّ قيام الليل فيه الخَلْوَة بالباري تعالى، والمناجاة معه دون الناسِ، فيعطى الخَلْوة به ومناجاتَه في القيامةِ، فيكون مقاماً محموداً، ويتفاضل فيه الخَلْق بحسب درجاتهم، وأجلّهم فيه درجة نبيّنا محمّد ﷺ، فيعطى من المحامدِ ما لم يعطَ أحدٌ، ويَشْفَعُ فَيُشَفَّع. انتهى. وقوله سبحانه: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ... الآية: ظاهر الآية: والأحْسَنُ أن يكون دعا عليه السلام في أن يحسِّن اللَّه حالته في كلِّ ما يتناول من الأمور ويحاولُ من الأسفار والأعمال، وينتظر من تصرُّف المقادير في المَوْت والحياة، فهي على أتمِّ عمومٍ، معناه: ربِّ، أصْلِحْ لي وِرْدِي في كلِّ الأمور، وَصَدَري. وذهب المفسِّرون إِلى تخصيص اللفْظِ، فقال ابن عبَّاس وغيره: أدْخِلْنِي المدينة، وأخرجني من مكَّة [[أخرجه الترمذي (5/ 304) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة بني إسرائيل، حديث (3139) ، وقال الترمذي: حسن صحيح.]] ، وقال ابن عباس أيضاً: الإِدخال بالمَوْت في القبرِ، والإِخراج: البعث [[أخرجه الطبري (8/ 136) برقم: (22649) ، وذكره ابن عطية (3/ 479) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 360) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.]] ، وقيل غير هذا، وما قدَّمت من العموم التَّامِّ الذي يتناول هذا كلَّه أصوبُ، «والصِّدق» هنا صفة تقتضي رفْعَ المذامِّ واستيعاب المَدْح، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال مجاهدٌ: يعني حجَّةً تنصرني بها على الكفَّار [[أخرجه الطبري (8/ 137) برقم: (22657) ، وذكره البغوي (3/ 132) ، وذكره ابن عطية (3/ 480) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 59) .]] . وقوله سبحانه: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ ... الآية: قال قتادة: الْحَقُّ القُرآن، والْباطِلُ الشيطان [[أخرجه الطبري (8/ 138) برقم: (22661) ، وذكره ابن عطية (3/ 480) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 360) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] . وقالت فرقة: الْحَقُّ: الإيمان، والْباطِلُ: الكُفْران، وقيل غير هذا، والصواب تعميمُ اللفظ بالغايةِ المُمْكنة فيكون التفسيرُ: جَاءَ الشرع بجميع ما انطوى فيه، وزَهَق الكُفْر بجميع ما انطوى فيه، وهذه الآية نزَلْت بمكَّة، وكان يستشهد بها النبيّ ﷺ يَوْمَ فتحِ مكَّة وقْتَ طعنه الأصنام وسقوطَها لطعنه إياها بالمخصرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب