الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ هذه الآية إخبار للنبي ﷺ بأنه محفوظٌ من الكَفَرة آمِنٌ، أي: فَلْتُبْلِّغْ رسالةَ ربِّك، ولا تتهَّيب أحداً من المخلوقين قاله الطبريُّ [[ينظر: «الطبري» (8/ 100) .]] ونحوه للحَسَن [[أخرجه الطبري (8/ 100) برقم: (22408) ، وذكره ابن عطية (3/ 467) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 48) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 345) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] والسُّدِّيِّ. وقوله سبحانه: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ... الآية: الجمهورُ أنَّ هذه الرؤيا رؤيا عين ويقظة، وذلك أنّ النبيّ ﷺ لما كان صَبِيحَةَ الإِسراء، وأخبر بما رأى في تلك الليلة من العجائب، قال الكفَّار: إِن هذا لعجب، واستبعدوا ذلك فافتتن بهذا قومٌ من ضَعَفَةِ المسلمين فارتدوا وشقَّ ذلك على النبيّ ﷺ فنزلت هذه الآية فعلى هذا يحسن أنْ يكون معنى قوله: أَحاطَ بِالنَّاسِ في إِضلالهم وهدايتهم، أي: فلا تهتمَّ/، يا محمَّد، بكُفْر من كفر، وقال ابن عباس: الرؤيا في هذه الآية هي رؤيا النبيّ ﷺ أنه يدخُلُ مكَّة، فعجَّل في سنة الحُدَيْبِيَة، فصدّ فافتنن المسلمون لذلك، يعني بعَضهم، وليس بفتْنَة كُفْر [[أخرجه الطبري (8/ 103) برقم: (22433) ، وذكره ابن عطية (3/ 468) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 346) ، وعزاه لابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» .]] . وقوله: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ معطوفة على قوله: الرُّؤْيَا، أي جعلنا الرؤيا والشَّجرةَ فتنةً وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ في قول الجمهورِ: هي شجرةٌ الزَّقُّوم، وذلك أن أمرها لما نَزَلَ في سورة «والصَّافَّات» قال أبو جَهْل وغيره: هذا محمَّد يتوعَّدكم بنَارٍ تَحْرِقُ الحِجَارة، ثم يزعُمُ أنها تُنْبِتُ الشجَرَ، والنار تأكلُ الشجَر، وما نعرفُ الزَّقُّوم إِلا التمر بالزُّبْد، ثم أحضر تمراً وزُبْداً، وقال لأصحابه، تَزقَّمُوا، فافتتن أيضاً بهذه المقالةِ بعْضُ الضعفاء، قال الطبري عن [[ينظر: «الطبري» (8/ 103) .]] ابن عباس: أن الشجرة الملعونة، يريد الملعون أُكُلُهَا لأنها لم يَجْرِ لها ذكر [[ذكره ابن عطية (3/ 468) .]] . قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 468) .]] ويصحُّ أَن يريد الملعونَةِ هنا، فأكَّد الأمر بقوله: فِي الْقُرْآنِ، وقالت فرقة: الْمَلْعُونَةَ، أي: المُبْعَدَة المكْروهة، وهذا قريب في المعنى من الذي قبله، ولا شك أن ما ينبت في أصْل الجحيمِ هو في نهاية البُعْدِ من رحمة الله سبحانه. وقوله سبحانه: وَنُخَوِّفُهُمْ يريد كفّار مكّة. وقوله: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ الكافُ في «أَرَأَيْتَكَ» هي كافُ خطابٍ ومبالغةٍ في التنبيه، لا موضعَ لها من الإِعراب، فهي زائدةٌ، ومعنى «أَرأَيْتَ» : أتأملت ونحوه، كأنَّ المخاطِبَ بها ينبِّه المخاطَبَ ليستَجْمِعَ لما ينصُّه بعْدُ. وقوله: لَأَحْتَنِكَنَّ معناه لأُمِيلَنَّ ولأَجُرَّنَّ، وهو مأخوذ من تَحْنِيكِ الدابَّة، وهو أن يشدَّ على حَنَكِها بحَبْل أو غيره، فتقاد، والسَّنةُ تَحْتَنِكُ المالَ، أي: تجتره، وقال الطبري [[ينظر: «الطبري» (8/ 107) .]] «لأحتنكَنَّ» معناه لأستأصلنَّ، وعن ابن عباس: لأستولين [[أخرجه الطبري (8/ 107) برقم: (22461) ، وذكره ابن عطية (3/ 470) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 49) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 347) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، وقال ابن زيد [[أخرجه الطبري (8/ 107) برقم: (22462) ، وذكره ابن عطية (3/ 470) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/]] : لأضلّنّ. قال ع [[ينظر: «المحرر» (3/ 470) .]] وهذا بدلُ اللفظ، لا تفسير. وقوله: اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ، وما بعده من الأوامر: هي صيغةُ «افْعَلْ» بمعنى التهديد، كقوله تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: 40] «الموفور» ، المُكْمَل، وَاسْتَفْزِزْ معناه: استخف واخدع، وقوله: بِصَوْتِكَ: قيل: هو الغِنَاء والمزامير والمَلاَهي، لأنها أصواتٌ كلُّها مختصة بالمعاصي، فهي مضافةٌ إِلى الشيطانِ، قاله مجاهد [[أخرجه الطبري (8/ 108) برقم: (22466) ، وذكره البغوي (3/ 123) ، وذكره ابن عطية (3/ 470) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 49) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 348) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا في «ذم الملاهي» وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، وقيل: بدعائك إِياهم إِلى طاعتك. قال ابن عباس: صوته دعاءُ كُلِّ مَنْ دعا إِلى معصيةِ [[أخرجه الطبري (8/ 108) برقم (22468) ، وذكره البغوي (3/ 123) ، وذكره ابن عطية (3/ 470) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 49) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 348) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] اللَّه، والصوابُ أنْ يكون الصوتُ يعمُّ جميع ذلك. وقوله: وَأَجْلِبْ، أي: هوِّل، و «الجَلَبة» الصوتُ الكثير المختلِطُ الهائل. وقوله: بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ قيل: هذا مجازٌ واستعارة بمعنى اسع سعيك، وابلغ جهدك، وقيل: حقيقة وإنَّ له خيلاً ورَجُلاً من الجنِّ، قاله [[أخرجه الطبري (8/ 108) برقم: (22471) ، وذكره البغوي (3/ 123) ، وذكره ابن عطية (3/ 470) ، وذكره ابن كثير (3/ 49) .]] قتادة، وقيل: المراد فرسان الناس، ورجالتهم المتصرِّفون في الباطل، فإِنهم كلهم أعوان لإِبليس على غيرهم [[أخرجه الطبري (8/ 109) برقم: (22474) بنحوه، وذكره ابن عطية (3/ 470) .]] قاله مجاهد. وَشارِكْهُمْ/ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ عامٌّ لكل معصية يصنعها الناس بالمال، ولكلِّ ما يصنع في أمر الذرِّية من المعاصي، كالإيلاد بالزنا وكتسميتهم عَبْدَ شَمْس، وأبا الكُوَيْفِر، وعَبْدَ الحارِثِ، وكلَّ اسْمٍ مكروه ومن ذلك: وأد البنات ومن ذلك: صبغهم في أديان الكفر، وغير هذا، وما أدخله النَّقَّاش من وطْء الجنِّ، وأنه يُحْبِلُ المرأة من الإِنسِ، فضعيفٌ كلُّه. ت: أما ما ذكره من الحبل، فلا شك في ضَعْفه، وفسادِ قولِ ناقله، ولم أر في ذلك حديثاً لا صحيحاً ولا سقيماً، ولو أمكن أنْ يكون الحبل من الجنّ، كما زعم ناقله، لكان ذلك شُبْهَةً يدرأُ بها الحَدُّ عمَّن ظهر بها حَبَلٌ من النساء اللواتِي لا أزواج لهنَّ لاحتمال أنْ يكون حَبَلُها من الجنِّ كما زعم هذا القائلُ، وهو باطلٌ، وأما ما ذكره من الوطء، فقد قيل ذلك وظواهر الأحاديث تدلُّ عليه، وقد خرَّج البخاريُّ ومسلم وأبو داودَ والترمذيُّ والنسائي وابنُ ماجَه، عن ابن عبَّاس، قال: قَالَ النبيُّ ﷺ: «لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إِذَا أرَادَ أنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وجَنّب الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبداً» [[أخرجه البخاري (1/ 291) كتاب «الوضوء» باب: التسمية على كل حال وعند الوقاع، حديث (141) ، وفي (6/ 388) ، كتاب «بدء الخلق» باب: صفة إبليس، وجنوده، حديث (3283) ، وفي (9/ 136) كتاب «النكاح» باب: ما يقول الرجل إذا أتى أهله، حديث (5165) ، وفي (10/ 195) كتاب «الدعوات» باب: ما يقول إذا أتى أهله، حديث (6388) ، وفي (13/ 390- 391) ، كتاب «التوحيد» باب: السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها، حديث (7396) ، ومسلم (2/ 1058) كتاب «النكاح» باب: ما يستحب أن يقوله عند الجماع، حديث (16/ 1434) ، وأبو داود (2/ 655) كتاب «النكاح» باب: في جامع النكاح، حديث (2161) ، والترمذي (3/ 392) كتاب «النكاح» باب: ما يقول إذا دخل على أهله، حديث (1092) ، والنسائي في «الكبرى» (6/ 75) كتاب «عمل اليوم والليلة» باب: ما يقول إذا واقع أهله، وابن ماجه (1/ 618) كتاب «النكاح» باب: ما يقول الرجل إذا دخلت عليه أهله، حديث (1919) ، وأحمد (1/ 217، 220، 243، 283، 286) ، وابن أبي شيبة (10/ 394) ، وعبد الرزاق (6/ 194) رقم: (10466) ، وابن حبان (984- الإحسان) ، والبغوي في «شرح السنة» (3/ 123- بتحقيقنا) . كلهم من طريق كريب، عن ابن عباس مرفوعا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.]] فظاهر قوله عليه السلام: «اللَّهُمَّ، جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبَ الشَّيْطَانَ مَا رَزقتنا» - يقتضي أنَّ لهذا اللعين مشاركةً مَّا في هذا الشأنِ، وقد سمعتُ من شيخنا أبي الحسن عليِّ بن عِثمانَ الزَّواويِّ المَانْجَلاَتِيِّ سَيِّدِ علماء بِجَايَةَ في وقَتْه، قال: حدَّثني بعضُ الناس ممَّن يوثَقُ به يخبر عن زوجته أنها تجدُ هذا الأمْرَ، قال المخبِرُ: وأصْغَيْتُ إِلى ما أخبرت به الزوجَةُ، فسمعتُ حِسَّ ذلك الشىءِ، والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب