الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَلا تَقْفُ معناه لا تقُلْ ولا تتَّبع، واللفظة تستعملُ في القَذْف ومنه قول النبيّ ﷺ: «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ لاَ نَقْفُوا أُمَّنَا، وَلاَ نَنْتِفى مِنْ أَبِينَا» ، وأصل [[أخرجه ابن ماجه (2/ 871) كتاب «الحدود» باب: من نفى رجلا من قبيلة، حديث (2612) من طريق عقيل بن طلحة، عن مسلم بن هيضم، عن الأشعث بن قيس قال: أتيت رسول الله ﷺ في وفد كندة ولا يروني إلا أفضلهم فقلت: يا رسول الله ألستم منا؟ فقال: فذكره، وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات عقيل بن طلحة وثقه ابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم.]] هذه اللفظة من اتباع الأثر، تقول: قَفَوْتُ الأَثَرَ، وحكى الطبريُّ [[ينظر: «الطبري» (8/ 80) بنحوه.]] عن فرقةٍ أنها قالَتْ: قَفَا وقَافَ، مثل عَثَا وعَاث، فمعنى الآية: ولا تتبع لسانَكَ من القول ما لا عِلْمَ لك به، وبالجملة: فهذه الآية تنهى عن قول الزور والقذفِ وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة والمُرْدِيَة. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا عبَّر عن هذه الحواسِّ ب أُولئِكَ. لأن لها إدراكاً وجعلها في هذه الآية مسؤولة، فهي حالَةُ مَنْ يعقل. ت: قال ص: وما توهمه ابنُ عطية أُولئِكَ تختصُّ بمن يعقل ليس كذلك إِذ لا خلاف بين النحاة في جواز إطلاق «أولاء» و «أولئك» على مَنْ لا يعقل. ت: وقد نقل ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 456) .]] الجَوَازَ عن الزَّجَّاجِ وفي ألفِيَّةِ ابْنِ مالك: [الرجز] وبأولى أشر لجمع مطلقا [[وبعده: ............ ... والمدّ أولى ولدي البعد انطقا]] ... فقال ولده بدر الدين: أي سواءٌ كان مذكَّراً أو مؤنَّثاً، وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل، وقد يجيء/ لغيره كقوله: [الكامل] ذُمَّ المَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى ... والعَيْشَ بَعْدَ أُوَلئِكَ الأَيَّامِ [[البيت لجرير في «ديوانه» ص: (990) ، وفيه «الأقوام» مكان «الأيّام» ، و «تخليص الشواهد» ص: (123) ، و «خزانة الأدب» (5/ 430) ، و «شرح التصريح» (1/ 128) ، و «شرح شواهد الشافية» ص: (167) ، و «شرح المفصّل» (9/ 129) ، و «لسان العرب» (15/ 437) (أولي) ، و «المقاصد النحويّة» (1/ 408) ، وبلا نسبة في «أوضح المسالك» (1/ 134) ، و «شرح الأشموني» (1/ 63) ، و «شرح ابن عقيل» ص: (72) ، و «المقتضب» (1/ 85) . واستشهد فيه بقوله: «أولئك الأيام» حيث أشار ب «أولاء» إلى «الأيّام» ممّا يدلّ على جواز الإشارة ب «أولاء» إلى جمع غير العاقل. ويروى «الأقوام» مكان «الأيّام» ، ولا شاهد فيه حينئذ.]] وقد حكى [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 456) .]] ع البيْتَ، وقال: الرواية فيه «الأقوامِ» ، واللَّه أعلم انتهى. والضمير في عَنْهُ يعودُ على ما ليس للإِنسان به عِلْم، ويكون المعنى: إِن اللَّه تعالى يَسْأَل سَمْعَ الإِنسان وبَصَره وفُؤَاده عمَّا قال مما لاَ عْلَم له به، فيقع تكذيبه مِنْ جوارحه، وتلك غايةُ الخزْي، ويحتمل أنْ يعود على كُلُّ التي هي السمْعُ والبصر والفؤاد، والمعنى: إن اللَّه تعالى يسأل الإِنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده. قال صاحبُ «الكَلِمِ الفَارِقِيَّة» : لا تَدَعْ جَدْوَلَ سمِعْكَ يجرى فيه أُجَاج الباطل فيلهب باطنك بنار الحِرْص على العاجل، السَّمْعُ قُمْعٌ تغور فيه المعاني المَسْمُوعة إِلى قرار وعاء القَلْب، فإنْ كانَتْ شريفةً لطيفةً، شرَّفَتْه ولطَّفَتْه وهذَّبَتْه وزكَّتْه، وإِن كانَتْ رذيلةً دنيَّةً، رذَّلَتْه وخبَّثَتْه، وكذلك البصَرُ منْفُذٌ مِنْ منافذ القلب، فالحواسّ الخمس كالجداول والرواضع تَرْضَعُ من أثداءِ الأشياء التي تُلاَبِسُها، وتأخذ ما فيها من معانيها وأوصافها، وتؤدِّيها إلى القَلْب وتنهيها. انتهى. وقوله سبحانه: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً قرأ الجمهور [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 456) ، و «الدر المصون» (4/ 391) .]] مَرَحاً بفتح الحاء مصدر: مَرِحَ يَمْرَحُ إِذا تسيَّب مسروراً بدنياه، مقبلاً على راحته، فنُهِيَ الإِنسانُ أنْ يكون مشيه في الأرض على هذا الوجه، وقرأت فرقةٌ [[وقرأ بها يحيى بن يعمر. ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (80) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 457) ، و «البحر المحيط» (6/ 34) ، و «الدر المصون» (4/ 391) .]] : «مَرِحاً» بكسر الراء، ثم قيل له: إنك أيها المرح المختال الفخور، لن تَخْرِقَ الأرض، ولن تطاول الجبال بفخْرك وكبْرك، «وخرق الأرض» قَطْعها ومَسْحها واستيفاؤها بالمشْي. وقوله سبحانهُ: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ قرأ نافعٌ وابن كثير [[وحجتهم فيما قال أبو عمرو: «ولا يكون فيما نهى الله عنه شيء حسن، فيكون سيئه مكروها» . وينظر: «السبعة» (380) ، و «الحجة» (5/ 102) ، و «إعراب القراءات» (1/ 373) ، و «معاني القراءات» (2/ 95) ، و «العنوان» (120) ، و «شرح الطيبة» (4/ 431) ، و «حجة القراءات» (403) ، و «شرح شعلة» (463) ، و «إتحاف» (2/ 197) .]] وأبو عمرو: «سَيِّئَةً» فالإِشارة بذلك على هذه القراءةِ إلى ما تقدَّم ذكره مما نهي عنه كقوله: أُفٍّ [الإسراء: 23] وقذف الناس، والمَرَحِ، وغيرِ ذلك، وقرأ عاصم وابن عامرٍ وحمزةُ والكسائيُّ «سَيِّئُهُ» على إضافة «سَيِّىء» إلى الضمير، فتكون الإِشارة على هذه القراءة إلى جميع ما ذَكَرَ في هذه الآيات من برّ ومعصية، ثم اختص ذكر السّيّئ منه، بأنه مكروه عند الله تعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب