الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ يعني القرآن نَزَلَ بالمصالح والسّداد للناس، وبِالْحَقِّ نَزَلَ يريد: بالحقِّ في أوامره ونواهيه وأخباره، وقرأ جمهور [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 490) ، و «البحر المحيط» (6/ 84) ، و «الدر المصون» (4/ 426) .]] الناس: «فَرْقَنَاهُ» بتخفيف الراء، ومعناه: بيَّنَّاه وأوضَحْناه وجَعَلْناه فرقاناً، وقرأ جماعةٌ خارجَ السبْعِ [[وهي قراءة أبيّ، وابن عباس، ومجاهد، وابن مسعود، وعلي، وأبي رجاء، وقتادة، والشعبي، وحميد، وعمرو بن فائد، وزيد بن علي، وعمرو بن ذر، وعكرمة، والحسين. ينظر: «مختصر الشواذ» (81) ، و «المحتسب» (2/ 23) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 490) ، و «البحر المحيط» (6/ 84) ، و «الدر المصون» (4/ 427) .]] : «فَرَّقْنَاهُ» بتشديد الراء، أي: أنزلناه شيئاً بعد شيء، لا جملةً واحدة، ويتناسق هذا المعنى مع قوله: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ، وتأوّلت فرقةٌ قوله: عَلى مُكْثٍ أي: على ترسُّل في التلاوةِ، وترتُّل، هذا قول مجاهد وابن عباس وابن جُرَيْج وابن زيد [[أخرجه الطبري (8/ 162) برقم: (22783) ، وذكره ابن عطية (3/ 491) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 372) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، والتأويلُ الآخر، أي على مُكْثٍ وتطاوُلٍ في المدة شيئاً بعد شيء. وقوله سبحانه: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا فيه تحقيرٌ للكفّار، وضرب من التوعّد، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ: قالت فرقة: هم مؤمنو أهل الكتاب، والْأَذْقانِ: أسافل الوجوه حيث يجتمع اللّحيان. قال الواحِدِيُّ: إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا أي: بإِنزال القرآن، وبعَث محمَّد لَمَفْعُولًا. انتهى. وقوله سبحانه: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً هذه مبالغةٌ في صفتهم، ومَدْحٌ لهم وحضٌّ لكل من توسَّم بالعلم، وحصَّلَ منه شيئاً أنْ يجري إلى هذه الرتبة النفيسَةِ وحكَى الطبريُّ عن التميميِّ أن من أوتي من العلْمِ ما لم يُبْكِهِ لخَلِيقِ ألاَّ يكونَ أُوتِيَ عْلماً ينفعه لأَنَّ اللَّه سبحانه نعت العلماء، ثم تَلاَ هذه الآية كلَّها. ت: وإِنه واللَّهِ لكذلكَ، وإِنما يخشَى اللَّهَ مِنْ عباده العلماءُ، اللهمَّ انْفَعْنَا بما عَلَّمتنا، ولا تجعْلُه علينا حجَّةً بفضلك، ونقل الغَزَّاليُّ عن ابن عبَّاس أنه قال: إِذا قرأتم سَجْدَةَ «سُبْحَانَ» ، فلا تعجلوا بالسُّجُود حتى تَبْكُوا، فإِن لم تَبْكِ عينُ أحدِكُمْ، فَلْيبكِ قلبه. قال الغَزَّالِيُّ: فإن لم يحضرْهُ حُزْن وبكاءٌ كما يحضر أرباب القلوب الصافيَةِ فليَبْكِ على فَقْدِ الحُزْن والبكاء، فإِن ذلك من أعظم المصِائبِ. قال الغَزَّالِيُّ: واعلم أنَّ الخشوع ثمرةُ الإِيمان، ونتيجةُ/ اليقينِ الحاصلِ بعظمةِ اللَّه تعالى، ومَنْ رُزِقَ ذلك، فإِنه يكون خاشعاً في الصلاة وغيرها فإِن موجب الخشوع استشعارُ عظمة اللَّه، ومعرفةُ اطلاعه على العَبْد، ومعرفةُ تقصير العَبْد، فمن هذه المعارفِ يتولَّد الخشوعُ، وليْسَتْ مختصَّةً بالصلاة، ثم قال: وقد دلَّت الأخبار على أن الأصل في الصَّلاة الخشوعُ، وحضورُ القَلْب، وأن مجرَّد الحركاتِ مع الغَفْلة قليلُ الجدوى في المعادِ، قال: وأعلم أنَّ المعاني التي بها تتمُّ حياة الصلاة تجمعها ستُّ جُمَلٍ، وهي: حضورُ القَلْبِ، والتفهُّمُ، والتعظيمُ، والهَيْبَة، والرجاءُ، والحياءُ، فحضور القَلْب: أن يفرِّغه من غير ما هو ملابسٌ له، والتفهُّم: أمر زائد على الحُضُور، وأما التعظيم، فهو أمر وراءَ الحضور والفَهْمِ، وأما الهَيْبة، فأمر زائد علي التعظيمِ، وهي عبارة عن خَوْفٍ مَنْشَؤه التعظيم، وأما التعظيم، فهو حالةٌ للقَلْب تتوَّلد من معرفتين: إِحداهما: معرفة جلالِ اللَّه سبحانه وعظمته، والثانية: معرفة حقارة النفْسِ، واعَلَمْ أَنَّ حضور القلب سببه الهِمَّة، فإِن قلبك تَابِعٌ لهمَّتك، فلا يحضر إِلا فيما أهمَّك، ومهما أهمَّك أمر، حَضَر القَلْب، شاء أم أبى، والقلب إذا لم يحضُرْ في الصلاة، لم يَكُنْ متعطِّلاً بل يكون حاضراً فيما الهمة مصروفةٌ إِليه. انتهى من «الإحياء» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب