الباحث القرآني

وقوله سبحانه: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ... الآية: لما وصف سبحانه مقالَةَ الكفَّار الذين قالوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ... [النحل: 24] عادل ذلك بذكر مقالة المؤمنين من أصحاب النبيّ ﷺ، وأوجب لكلِّ فريقٍ ما يستحقُّ، وقولهم: خَيْراً جوابٌ بحسبِ السؤالِ، واختلف في قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ... إلى آخر الآية، هل هو ابتداء كَلاَمٍ أو هو تفسيرٌ ل «الخير» الذي أَنْزَلَ اللَّه في الوَحْي على نبِّينا خبراً أنَّ من أحسَنَ في الدنيا بالطَّاعة، فله حسنةٌ في الدنيا ونعيمٌ في الآخرة، وروى أنَسُ بنُ مالكٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: «أَنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ المُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ» [[أخرجه مسلم (4/ 2162) كتاب «صفات المنافقين وأحكامهم» باب: جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا، حديث (56/ 2808) ، وأحمد (3/ 125) .]] . وقوله سبحانه: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ... الآية: تقدّم تفسير نظيرها، وطَيِّبِينَ: عبارةٌ عن صالح حالهم، واستعدادهم للمَوْت، و «الطَّيِّب» الذي لا خُبْثَ معه، وقولُ الملائكة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ: بشارةٌ من اللَّه تعالى، / وفي هذا المعنَى أحاديثُ صحاحٌ يطول ذكْرها، وروى ابن المبارك في «رقائقه» عن محمد بن كَعْب القُرَظِيِّ قال: إِذا استنقعت نَفْسُ العَبْدِ المؤمن، جاءه مَلَكٌ، فقال: السَلامُ علَيْكَ، وليَّ اللَّهِ، اللَّهُ يُقْرِىءُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، ثُمَّ نَزَعَ بهذه الآية: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ... انتهى. [[أخرجه الطبري (7/ 580) برقم: (21579) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 219) ، وعزاه لابن أبي مالك، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ في «العظمة» ، وأبي القاسم بن منده في كتاب «الأحوال» ، والبيهقي في «شعب الإيمان» .]] . وقوله سبحانه: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: علَّق سبحانه دخولَهُمُ الجَنَّة بأعمالهم من حيثُ جعَلَ الأعمالَ أمارةً لإِدخال العَبْدِ الجنَّةِ، ولا معارضة بين الآية، وقوله ﷺ: «لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ!» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِفَضْلٍ مِنْهُ وَرَحْمَةٍ» [[تقدم تخريجه.]] ، فإِن الآية تردُّ بالتأويل إِلى معنى الحديث. قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 391) .]] : ومن الرحمة والتغمُّد أنْ يوفِّق اللَّهُ العبْدَ إِلى أعمالٍ بَرَّة، ومقصِدُ الحديثِ نفْيُ وجوبِ ذلك على اللَّه تعالى بالعَقْل كما ذهب إليه فريق من المعتزلة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب