وقوله سبحانه: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ... الآية: قيل: إِن هذه الآية نزلَتْ في الكفَّار الذين كانوا إذا لقيهم النبيّ ﷺ تَطَامَنُوا وَثَنَوْا صُدُورهم كالمتستِّر، ورَدُّوا إِليه ظهورَهُم، وغَشُوا وجوهَهُمْ بثيابهم، تباعداً منهم، وكراهيةً للقائه، وهم يَظُنُّون أنَّ ذلك يخفَى عليه، أوْ عن اللَّه عزَّ وجلَّ، وقيل: هي استعارة للْغِلِّ والحِقْدِ الذي كانوا يَنْطَوُونَ عليه، فمعنى الآية: أَلاَ إِنهم يُسِرُّون العداوةَ، ويَتَكَتَّمون بها، لِتَخْفى في ظَنِّهِم عن اللَّه وهو سبحانه حينَ تغشِّيهم بثيابهم، وإِبلاغِهِم في التستّر، يعلم ما يسرّون، ويَسْتَغْشُونَ
: معناه يجعلونها أغشيةً وأغطيةً.
قال ص: قرأ [[ينظر: «البحر المحيط» (5/ 203) و «الدر المصون» (4/ 78) .]] الجمهور: «يَثْنُونَ» - بفتح الياء- مضارع ثَنَى الشَّيْءَ ثَنْياً:
طَوَاهُ. انتهى، وقرأ ابن عبَّاس [[وممن قرأ بها مجاهد، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وعبد الرحمن بن أبزي، والجحدري، وابن أبي إسحاق، وأبو رزين، وأبو جعفر محمد بن علي، وعلي بن حسين، وزيد بن علي، وجعفر بن محمد، والضحاك، وأبو الأسود الدؤلي.
ينظر: «الشواذ» ص: (64) ، و «المحتسب» (1/ 318) ، و «المحرر الوجيز» (3/ 150) ، و «البحر المحيط» (5/ 203) ، و «الدر المصون» (4/ 78) .]] وجماعة: «تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» - بالرفْعِ- على وزن «تَفْعَوْعِلُ» ، وهي تحتملُ المعنيين المتقدِّمين، وحكى الطبريُّ عن ابن عبَّاس على هذه القراءة. أنَّ هذه الآية نزَلَتْ في قومٍ كانوا لا يأتون النساءَ والحَدَثَ إِلاَّ ويستَغْشُونَ ثيابهم كراهيةَ أنْ يُفْضُوا بفروجهم إِلى السماء [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 626) برقم: (17965) بنحوه، وللحديث طريق آخر عن ابن عباس، وأخرجه البخاري (8/ 626) برقم: (4681- 4682) ، وذكره ابن عطية (3/ 151) ، والبغوي في «تفسيره» (2/ 374) ، وابن كثير في «تفسيره» (2/ 436) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (3/ 579) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، كلهم بنحوه.]] .
وقوله عزَّ وجلَّ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها ... الآية، المرادُ جميعُ الحيوانِ المحتاجِ إِلى رزْقٍ، والمستقر: صُلْب الأبِ، و «المستودَعُ» : بَطْن الأُمِّ، وقيل غير هذا، وقد تقدَّم.
وقوله: فِي كِتابٍ: إِشارةٌ إِلى اللوح المحفوظ.
قال ص: لِيَبْلُوَكُمْ اللام متعلِّقة ب «خَلَقَ» وقيل: بفعلٍ محذوفٍ، أي: أَعْلَمَ بذلك لَيَبْلُوَكُمْ، انتهى.
وَلَئِنْ قُلْتَ: اللام في «لَئِنْ» : مُؤذنةٌ بأَنَّ اللام في لَيَقُولَنَّ لامُ قسم، لا جوابِ شرطٍ، وقولهم: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ تناقُضٌ منهم لأنهم مقرُّونَ بأن اللَّه خلق السموات والأرض، وهم مع ذلك ينكرون ما هو أيْسَرُ من ذلك، وهو البَعْثُ مِنَ القبورِ، وإِذْ خَلْقُ السموات والأرضِ، أكْبَرُ من خلق الناس.
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ، أي: المتوعَّد به إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ، أي مدَّةٍ معدودة لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ، أي: ما هذا الحابسُ لهذا العذاب على جهة التكذيب، وَحاقَ:
معناه: حَلَّ وأحاط. البخاريّ: حاق: نزل.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["أَلَاۤ إِنَّهُمۡ یَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِیَسۡتَخۡفُوا۟ مِنۡهُۚ أَلَا حِینَ یَسۡتَغۡشُونَ ثِیَابَهُمۡ یَعۡلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ","۞ وَمَا مِن دَاۤبَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَیَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلࣱّ فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ","وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَاۤءِ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۗ وَلَىِٕن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَیَقُولَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ","وَلَىِٕنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰۤ أُمَّةࣲ مَّعۡدُودَةࣲ لَّیَقُولُنَّ مَا یَحۡبِسُهُۥۤۗ أَلَا یَوۡمَ یَأۡتِیهِمۡ لَیۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ"],"ayah":"أَلَاۤ إِنَّهُمۡ یَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِیَسۡتَخۡفُوا۟ مِنۡهُۚ أَلَا حِینَ یَسۡتَغۡشُونَ ثِیَابَهُمۡ یَعۡلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَمَا یُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}