الباحث القرآني
وقوله سبحانه: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ... الآية: البَلْع: تجرُّع الشيء وازدراده، والإقلاع عن الشيء: تركه، وغِيضَ معناهُ: نَقَصَ، وأكْثَرُ ما يجيء فيما هو بمعنى الجُفُوف، وقوله: وَقُضِيَ الْأَمْرُ: إِشارة إِلى جميع القصَّة: بعثِ الماء، وإِهلاكِ الأُممِ، وإِنجاءِ أَهْلِ السفينة.
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 175) .]] : وتظاهرت الرواياتُ وكُتُبُ التفسير بأَنَّ الغرق نَالَ جميعَ أَهْلِ الأَرْضِ، وعَمَّ الماءُ جَمِيعَهَا قاله ابن عباس وغيره، وذلك بَيِّن من أمْرِ نوحٍ بحمل الأزواجِ مِنْ كلِّ الحيوانِ، ولولا خَوْفُ فنائها مِنْ جميعِ الأرضِ، ما كان ذلك، وروي أنَّ نوحاً عليه السلام رَكِبَ في السفينةِ مِنْ عَيْنِ الوَرْدَةِ بالشامِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، واستوت [السفينة] على الجودِيِّ في ذي الحِجَّة، وأقامَتْ عليه شهراً، وقيل له: اهْبِطْ في يوم عاشُورَاءَ، فصامه هو ومَنْ معه، وروي أنَّ اللَّه تعالى أَوحى إِلى الجبالِ أَنَّ السفينة تَرْسِي على واحد منها، فتطاوَلَتْ كلُّها، وبقي الجُودِيُّ، وهو جبلٌ بالمَوْصِل في ناحيةِ الجزيرةِ، لم يتطاوَلْ تواضعاً للَّه فاستوت السفينةُ بأمْر اللَّهِ عليه، وقال [[ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (3/ 55) .]] الزَّجَّاجُ: الجُودِيُّ: هو بناحية «آمد» ، وقال قوم: هو عند باقردي، وأكْثَرَ النَّاسُ في قصص هذه الآية، واللَّه أعلم بما صَحَّ من ذلك.
وقوله: وَقِيلَ بُعْداً: يحتمل أنْ يكون من قول اللَّه عزَّ وجلَّ عطفاً على قوله:
وَقِيلَ الأولِ، ويحتملُ أن يكون من قول نوحٍ والمؤمنين، والأول أظهر.
وقوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ... الآية: احتجاج من نوحٍ عليه السلام أَنَّ الله أمره بحَمْلِ أهله، وابنه من أهله، فينبغي أن يُحْمَلَ، فأظهر اللَّه له أنَّ المراد مَنْ آمَنَ من الأهْلِ، وهذه الآية تقتضي أن نوحاً عليه السلام ظَنَّ أنَّ ابنه مؤمنٌ/.
وقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي: الذين عَمَّهم الوعْد لأنه ليس على دينِك، وإِن كان ابنك بالولادة.
وقوله: عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ: جعله وصفاً له بالمصدر على جهة المبالغة في وصفه بذلك كما قالت الخَنْسَاءُ تصفُ ناقَةً ذَهَبَ عنْها ولَدُها: [البسيط]
تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا ادكرت ... فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارُ [[ينظر: «ديوانها» ص: (383) ، و «الأشباه والنظائر» (1/ 198) ، و «خزانة الأدب» (1/ 431) ، (2/ 34) ، و «شرح أبيات سيبويه» (1/ 282) ، و «الشعر والشعراء» (1/ 354) و «الكتاب» (1/ 337) و «لسان العرب» (7/ 305) (رهط) (11/ 538) (قبل) ، (14/ 410) (سوا) ، و «المقتضب» (4/ 305) ، و «المنصف» (1/ 197) ، بلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (2/ 387) ، (4/ 68) و «شرح الأشموني» (1/ 213) ، و «شرح المفصّل» (1/ 115) ، و «المحتسب» (2/ 43) .]]
أي: ذاتُ إِقبالٍ وإِدبارٍ ويبيِّن هذا قراءةُ الكسَائِيِّ «إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالحٍ» فعلاً ماضياً، ونصب «غير» على المفعول ل «عَمِلَ» ، وقولُ من قال: «إِن الولد كان لِغِيَّةٍ» خطأ محضٌ، وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ [[ذكره البغوي (2/ 387) ، وابن عطية (3/ 177) بنحوه.]] والجمهور قالوا: وأما قوله تعالى: فَخانَتاهُما [التحريم: 10] فإِن الواحدة كانَتْ تقول للناس: هو مجنونٌ، والأخرَى كانت تنبِّه على الأضيافِ، وأما خيانة غَيْرُ هذا، فلا ويَعْضُدُه المعنَى، لشرف النبوَّة، وجوَّز المَهْدَوِيُّ أَنْ يعود الضمير في «إِنَّهُ» على السؤال، أي: إِن سؤالك إِيَّايَ ما ليس لَكَ به علْم عملٌ غَيْرُ صالحٍ قاله النَّخَعِيُّ وغيره. انتهى. والأولُ أبينُ وعليه الجمهورُ، وبه صدّر المهدويّ، ومعنى قوله: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي: إِذَا وَعَدتكَ، فاعلم يقيناً أَنه لا خُلْفَ في الوعد، فإِذا رأيتَ ولدك لم يُحْمَلْ، فكان الواجبُ عليك أنْ تقف، وتَعْلَم أَنَّ ذلك بحقٍّ واجبٍ عند اللَّه.
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 177- 178) .]] : ولكنَّ نوحاً عليه السلام حملته شفقةُ الأُبوَّة وسجيَّة البَشَر على التعرُّض لنفَحَاتِ الرحْمة، وعَلَى هذا القَدْر وقَع عتابُهُ ولذلك جاء بتلطُّف وترفيع في قوله سبحانه: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، ويحتمل قوله: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي: لا تطلُبْ منِّي أمراً لا تعلم المصلحة فيه عِلْمَ يقينٍ، ونحا إِلى هذا أبو عليٍّ الفارسيُّ، وهذا والأول في المعنَى واحدٌ.
وقوله: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ: إِنابة منه عليه السلام، وتسليمٌ لأمر ربه، والسؤالُ الذي وقع النهْيُ عنه، إِنما هو سؤالُ العَزْمِ الذي معه محاجَّة وطَلِبَةٌ مُلِحَّةٌ فيما قد حُجِبَ وجْهُ الحكمة فيه، وأما السؤال علَى جهة الاسترشاد والتعلُّم، فغير داخل في هذا، ثم قيل له: اهْبِطْ بِسَلامٍ، وذلك عند نزوله من السفينة، والسلام هنا: السلامة والأمن، والبركات الخيرُ والنموُّ في كلِّ الجهات، وهذه العِدَةُ، تعمُّ جميع المؤمنين إِلى يوم القيامة، قاله محمد بن كَعْب القُرَظِيُّ، ثم قطع قَوْلُهُ:
وَأُمَمٌ عَلَى وجْه الابتداء، وهؤلاء هم الكُفَّار إلى يوم القيامة [[ذكره ابن عطية (3/ 179) ، والبغوي في «تفسيره» (2/ 387) برقم: (48) بلا نسبة.]] .
{"ayahs_start":44,"ayahs":["وَقِیلَ یَـٰۤأَرۡضُ ٱبۡلَعِی مَاۤءَكِ وَیَـٰسَمَاۤءُ أَقۡلِعِی وَغِیضَ ٱلۡمَاۤءُ وَقُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِیِّۖ وَقِیلَ بُعۡدࣰا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَنَادَىٰ نُوحࣱ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِی مِنۡ أَهۡلِی وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ","قَالَ یَـٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَیۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَیۡرُ صَـٰلِحࣲۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّیۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ","قَالَ رَبِّ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَیۡسَ لِی بِهِۦ عِلۡمࣱۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِی وَتَرۡحَمۡنِیۤ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ","قِیلَ یَـٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَـٰمࣲ مِّنَّا وَبَرَكَـٰتٍ عَلَیۡكَ وَعَلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمࣱ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ یَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِیمࣱ"],"ayah":"قِیلَ یَـٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَـٰمࣲ مِّنَّا وَبَرَكَـٰتٍ عَلَیۡكَ وَعَلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمࣱ سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ یَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق