وقوله سبحانه: دَعْواهُمْ: أي: دعاؤهم فيها وسُبْحانَكَ اللَّهُمَّ: تَقْدِيسٌ وتسبيحٌ وتنزيهٌ لجلاله سبحانه عن كلِّ ما لا يليق به، وقال علي بن أبي طالب في ذلك: هي كلماتٌ رَضِيَهَا اللَّه تعالى لنفْسه [[أخرجه الطبري (6/ 536) برقم: (17583) ، وذكره ابن عطية (3/ 107) .]] ، وقال طلحة بن عبيد اللَّه/: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا مَعْنَى سُبْحَانَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَعْنَاهَا: «تَنْزِيهاً للَّهِ مِنَ السُّوءِ» ، وَحُكِيَ عن بعض المفسِّرين أَنهم رَوَوْا أَنَّ هذه الكلمةَ إِنَّما يقولها المؤمنُ عِنْدَ ما يشتهي الطَّعَام، فإِنه إِذا رأَى طائِراً أَو غير ذلك، قال: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، فنزلتْ تلك الإِرادة بَيْنَ يديه فَوْقَ ما اشتهى. رواه ابنُ جُرَيْج وسفيانُ بن عُيَيْنة، وعبارة الداوديّ عن ابنِ جُرَيْج: «دَعْواهُمْ فيها» : قال: إِذا مَرَّ بهم الطائرُ يَشْتَهُونه، كان دعواهم به سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، فيأكلون منه ما يَشْتَهُونَ، ثم يطيرُ، وإِذا جاءتهم الملائكةُ بما يَشْتَهُونَ، سَلَّمُوا عَلَيْهم، فذلك قولُهُ: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ، وإِذا أَكلوا حاجتهم، قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فذلك قوله: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وقوله سبحانه: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ: يريدُ تسليمَ بعضهم على بعض، والتحيَّة:
مأخوذة مِنْ تَمَنِّي الحياةِ للإِنسان والدُّعاءِ بها، يقالُ: حَيَّاهُ ويُحيِّيه ومنه قَوْلُ زُهَيْرِ بن جنَابٍ: [الكامل]
مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الفَتَى ... قَدْ نِلْتُهُ إِلاَّ التَّحِيَّهْ [[البيت لزهير بن جناب في «إصلاح المنطق» ص: (316) ، و «الأغاني» (18/ 307) ، و «الشعر والشعراء» (1/ 386) ، و «لسان العرب» (11/ 46) (بجل) ، (14/ 216) (حيا) ، و «المؤتلف والمختلف» ص:
(130) ، وبلا نسبة في «خزانة الأدب» (5/ 299) ، و «شرح التصريح» (1/ 326) ، و «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي: ص (100) ، و «لسان العرب» (14/ 217) (حيا) .]]
يريد: دعاء الناس للمُلُوكِ بالحياةِ، وقال بعضُ العلماء: وَتَحِيَّتُهُمْ يريد: تسليم اللَّه تعالَى عليهم، والسَّلام: مأخوذً من السَّلامة، وَآخِرُ دَعْواهُمْ: أي: خاتمةُ دعائهِم وكلامِهِمْ في كلِّ موطِنٍ حَمْدُ اللَّه وشُكْرُهُ، عَلَى ما أسبغ عليهم من نعمه، وقال ابن العربيِّ في «أحكامه» [[ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1050) .]] . في تفسير هذه الآية قولان:
الأول: أَنَّ المَلَكَ يأتيهم بما يشتهون، فيقول: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، أي: سَلِمْتُم، فَيَرُدُّون عليه، فإِذا أكلوا، قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
الثاني: أنَّ معنى «تَحِيَّتُهُمْ» : أي: تحيَّة بعضهم بعضاً، فقد ثبت في الخبر: «أن اللَّه تعالى خلق آدَمَ، ثم قَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلى أُولَئِكَ النَّفَر مِنَ المَلاَئِكَةِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ، فَجَاءَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ، وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» [[تقدم تخريجه.]] ، وبَيَّنَ في القرآن هاهنا أنها تحيتهم في الجنّة، فهي تحيَّة موضوعةٌ من أول الخلقة إلى غير نهاية، وقد رَوَى ابنُ القاسِمُ، عن مالكٍ في قوله تعالى: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أي: هذا السَّلام الذي بين أظهركم، وهذا أظهر الأقوال، واللَّه أعلم. انتهى.
وقرأ الجمهور [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 108) ، و «البحر المحيط» (5/ 132) .]] : «أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ» ، وهي عند سَيْبَوَيْهِ [[ينظر: «الكتاب» (1/ 480) .]] «أن» المخفَّفَةُ من الثقيلة قال أبو الفتح: فهي بمنزلة قول الأعْشَى: [البسيط] :
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يحفى وينتعل [[ينظر: «ديوانه» ص: (109) ، و «الأزهية» ص: (64) ، و «الإنصاف» ص: (199) ، و «تلخيص الشواهد» ص: (382) ، و «خزانة الأدب» (5/ 426) ، (8/ 390) ، (10/ 393) ، (11/ 353- 354) ، و «الدرر» (2/ 194) ، و «شرح أبيات سيبويه» (2/ 76) ، و «الكتاب» (2/ 137) ، (3/ 74، 164، 454) ، و «المحتسب» (1/ 308) ، و «مغني اللبيب» (1/ 314) ، و «المقاصد النحويّة» (2/ 287) ، و «المنصف» (3/ 129) ، وبلا نسبة في «خزانة الأدب» (10/ 391) و «رصف المباني» ص: (115) ، و «شرح المفصل» (8/ 71) ، و «المقتضب» (3/ 9) ، و «همع الهوامع» (1/ 142) .]]
{"ayah":"دَعۡوَىٰهُمۡ فِیهَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰمࣱۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}