الباحث القرآني
﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ كان تامة بمعنى حضر ووقع، وقرئ ذا عسرة، أي إن كان الغريم ذا عسرة ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ﴾ حكم الله للمعسر بالإنظار إلى أن يوسر، وقد كان قبل ذلك يباع فيما عليه، ونظرة مصدر، معناه: التأخير، وهو مرفوع على أنه خبر ابتداء تقديره فالجواب: نظرة، أو مبتدأ، وميسرة أيضاً مصدر وقرئ بضم السين وفتحها ﴿وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ ندب الله إلى الصدقة على المعسر بإسقاط الدين عنه فذلك أفضل من إنظاره، وباقي الآية وعظ، وقيل إنّ آخر آية نزلت آية الربا، وقيل بل قوله: ﴿وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ﴾، الآية.
وقيل آية الدين المذكورة بعد ﴿إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ﴾ أي إذا عامل بعضكم بعضاً بدين، وإنما ذكر الدين وإن كان مذكوراً في تداينتم ليعود عليه الضمير في اكتبوه وليزول الاشتراك الذي في تداينتم، إذ يقال لمعنى الجزاء ﴿إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ دليل على أنه لا يجوز إلى أجل مجهول، وأجاز مالك البيع إلى الجذاذ والحصاد، لأنه معروف عند الناس، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة، قال ابن عباس: نزلت الآية في السَّلم خاصة يعني: أن سَلَم أهل المدينة كان سبب نزولها، قال مالك وهذا يجمع الدين كله، يعني: أنه يجوز التأخير في السلم والسلف وغيرهما ﴿فَٱكْتُبُوهُ﴾ ذهب قوم إلى أن كتابة الدين واجبة بهذه الآية، وقال قوم: إنها منسوخة لقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً﴾ وقال قوم: إنها على الندب ﴿وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ﴾ قال قوم: يجب على الكاتب أن يكتب، وقال قوم نسخ ذلك بقوله: ولا يضار كاتب ولا شهيد، وقال آخرون: يجب عليه إذا لم يوجد كاتب سواه، وقال قوم: إنّ الأمر بذلك على الندب، ولذلك جاز أخذ الأجرة على كتب الوثائق ﴿بِٱلْعَدْلِ﴾ يتعلق عند ابن عطية بقوله: وليكتب، وعند الزمخشري بقوله: كاتب فعلى الأول: تكون الكتابة بالعدل، وإن كان الكاتب غير مرضيّ، وعلى الثاني: يجب أن يكون الكاتب مرضياً في نفسه، قال مالك: لا يكتب الوثائق إلاّ عارف بها، عدل في نفسه مأمون ﴿وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ﴾ نهي عن الإباية، وهو يقوّي الوجوب ﴿كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ﴾ يتعلق بقوله أن يكتب، والكاف للتشبيه أي: يكتب مثل ما علمه الله أو للتعليل: أي ينفع الناس بالكتابة كما علمه الله لقوله: ﴿وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: ٧٧] وقيل: يتعلق بقوله بعدها ﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ﴾ يقال أمللت الكتاب، وأمليته، فورد هنا على اللغة الواحدة، وفي قوله تملي عليه على الأخرى ﴿ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ﴾ لأنّ الشهادة إنما هي باعترافه، فإن كتب الوثيقة دون إملاله، ثم أقرّ بها جاز ﴿وَلاَ يَبْخَسْ﴾ أمر الله بالتقوى فيما يملي، ونهاه عن البخس وهو نقص الحق ﴿سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ﴾ السفيه الذي لا يحسن النظر في ماله، والضعيف الصغير وشبهه، والذي لا يستطيع أن يمل الأخرس وشبهه ﴿وَلِيُّهُ﴾ أبوه، أو وصيه، والضمير عائد على الذي عليه الحق ﴿وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾ نص في رفض شهادة الكفار والصبيان والنساء، وأما العبيد فاللفظ يتناولهم، ولذلك أجاز ابن حنبل شهادتهم، ومنعها مالك والشافعي لنقص الرق ﴿فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ﴾ قال قوم: لا تجوز شهادة المرأتين إلاّ مع الرجال، وقال معنى الآية: إن لم يكونا أي إن لم يوجدا وأجاز الجمهور أن المعنى إن لم يشهد رجلان فرجل وامرأتان، وإنما يجوز عند مالك شهادة الرجل والمرأتين في الأموال لا في غيرها، وتجوز شهادة المرأتين دون رجل، فيما لا يطلع عليه الرجال كالولادة والاستهلال، وعيوب النساء، وارتفع رجل بفعل مضمر تقديره: فليكن رجل، فهو فاعل، أو تقديره: فليستشهد رجل فهو مفعول لم يسم فاعله، أو بالابتداء تقديره: فرجل وامرأتان يشهدون ﴿مِمَّن تَرْضَوْنَ﴾ صفة للرجل والمرأتين، وهو مشترط أيضاً في الرجلين الشاهدين، لأن الرضا مشترط في الجميع وهو العدالة، ومعناها اجتناب الذنوب الكبائر، وتوقي الصغائر مع المحافظة على المروءة ﴿أَن تَضِلَّ﴾ مفعول من أجله، والعامل فيه هو المقدر العامل في رجل وامرأتان والضلال في الشهادة هو نسيانها أو نسيان بعضها، وإنما جعل ضلال إحدى المرأتين مفعولاً من أجله، وليس هو المراد، لأنه سبب لتذكير الأخرى لها وهو المراد، فأقيم السبب مقام المسبب، وقرئ: إن تضل: بكسر الهمزة على الشرط، وجوابه الفاء في فتذكر، ولذلك رفعه من كسر الهمزة، ونصبه من فتحها على العطف، وقرئ تذكر بالتشديد والتخفيف، والمعنى واحد ﴿وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ﴾ أي لا يمتنعون ﴿إِذَا مَا دُعُواْ﴾ إلى أداء الشهادة وقد ورد تفسيره بذلك عن النبي ﷺ، واتفق العلماء أن أداء الشهادة واجب إذا دعي إليها، وقيل: إذا دعوا إلى تحصيل الشهادة وكتبها. وقيل: إلى الأمرين ﴿وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ﴾ أي لا تملوا من الكتابة إذا ترددت وكثرت، سواء كان الحق صغيراً أو كبيراً، ونصب صغيراً على الحال ﴿ذَٰلِكُمْ﴾ إشارة إلى الكتابة ﴿أَقْسَطُ﴾ من القسط وهو العدل ﴿وَأَقْومُ﴾ بمعنى أشد إقامة، وينبني أفعل فيهما من الرباعي وهو قليل ﴿وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ﴾ أي أقرب إلى عدم الشك في الشهادة ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً﴾ أن في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، لأن الكلام المتقدم في الدين المؤجل، والمعنى: إباحة ترك الكتابة في التجارة الحاضرة، وهو ما يباع بالنقد وغيره، ﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ يقتضي القبض والبينونة ﴿وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ ذهب قوم إلى وجوب الإشهاد على كل بيع صغيراً أو كبيراً، وهم الظاهرية، خلافاً للجمهور. وذهب قوم إلى أنه منسوخ بقوله: فإن أمن بعضكم بعضاً، وذهب قوم إلى أنه على الندب ﴿وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ﴾ يحتمل أن يكون كاتب فاعلاً على تقدير كسر الراء المدغمة من يضارّ، والمعنى على هذا نهي للكاتب والشاهد أن يضارّ صاحب الحق أو الذي عليه الحق بالزيادة فيه أو في النقصان منه، أو الامتناع من الكتابة أو الشهادة، ويحتمل أن يكون كاتب مفعولاً لم يسم فاعله على تقدير فتح الراء المدغمة، ويقوي ذلك قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، "لا يضارر" بالتفكيك وفتح الراء، والمعنى: النهي عن الإضرار بالكاتب والشاهد بإذايتهما بالقول أو بالفعل ﴿وَإِن تَفْعَلُواْ﴾ أي إن وقعتم في الإضرار ﴿فَإِنَّهُ فُسُوقٌ﴾ حال بكم ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ﴾ إخبار على وجه الامتنان، وقيل: معناه الوعد بأن من اتقى علمه الله وألهمه وهذا المعنى صحيح، ولكن لفظ الآية لا يعطيه، لأنه لو كان كذلك لجزم يعلمكم في جواب اتقوا.
{"ayahs_start":280,"ayahs":["وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةࣲ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَیۡسَرَةࣲۚ وَأَن تَصَدَّقُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ","وَٱتَّقُوا۟ یَوۡمࣰا تُرۡجَعُونَ فِیهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسࣲ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا تَدَایَنتُم بِدَیۡنٍ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى فَٱكۡتُبُوهُۚ وَلۡیَكۡتُب بَّیۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَلَا یَأۡبَ كَاتِبٌ أَن یَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡیَكۡتُبۡ وَلۡیُمۡلِلِ ٱلَّذِی عَلَیۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡیَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا یَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَیۡـࣰٔاۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِی عَلَیۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِیهًا أَوۡ ضَعِیفًا أَوۡ لَا یَسۡتَطِیعُ أَن یُمِلَّ هُوَ فَلۡیُمۡلِلۡ وَلِیُّهُۥ بِٱلۡعَدۡلِۚ وَٱسۡتَشۡهِدُوا۟ شَهِیدَیۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ یَكُونَا رَجُلَیۡنِ فَرَجُلࣱ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَاۤءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا یَأۡبَ ٱلشُّهَدَاۤءُ إِذَا مَا دُعُوا۟ۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوۤا۟ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِیرًا أَوۡ كَبِیرًا إِلَىٰۤ أَجَلِهِۦۚ ذَ ٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ وَأَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَرۡتَابُوۤا۟ إِلَّاۤ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً حَاضِرَةࣰ تُدِیرُونَهَا بَیۡنَكُمۡ فَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوۤا۟ إِذَا تَبَایَعۡتُمۡۚ وَلَا یُضَاۤرَّ كَاتِبࣱ وَلَا شَهِیدࣱۚ وَإِن تَفۡعَلُوا۟ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"],"ayah":"وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةࣲ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَیۡسَرَةࣲۚ وَأَن تَصَدَّقُوا۟ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











