الباحث القرآني
(p-٣٧)[ سُورَةُ البَيِّنَةِ ]
وهِيَ ثَمانِ آياتٍ مَدَنِيَّةٌ
﷽
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ﴾ ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ ﴿فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ ﴿وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ﴾
﷽
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ﴾ ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ ﴿فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ ﴿وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ﴾
اعْلَمْ أنَّ في الآيَةِ مَسائِلَ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الواحِدِيُّ في كِتابِ البَسِيطِ: هَذِهِ الآيَةُ مِن أصْعَبِ ما في القُرْآنِ نَظْمًا وتَفْسِيرًا، وقَدْ تَخَبَّطَ فِيها الكِبارُ مِنَ العُلَماءِ، ثُمَّ إنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى لَمْ يُلَخِّصْ كَيْفِيَّةَ الإشْكالِ فِيها وأنا أقُولُ: وجْهُ الإشْكالِ أنَّ تَقْدِيرَ الآيَةِ: ”لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ“ الَّتِي هي الرَّسُولُ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمْ يَذْكُرْ أنَّهم مُنْفَكُّونَ عَنْ ماذا لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ، إذِ المُرادُ هو الكُفْرُ الَّذِي كانُوا عَلَيْهِ، فَصارَ التَّقْدِيرُ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ الَّتِي هي الرَّسُولُ، ثُمَّ إنَّ كَلِمَةَ حَتّى لِانْتِهاءِ الغايَةِ فَهَذِهِ الآيَةُ تَقْتَضِي أنَّهم صارُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ عِنْدَ إتْيانِ الرَّسُولِ، ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ﴾ وهَذا يَقْتَضِي أنَّ كُفْرَهم قَدِ ازْدادَ عِنْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ بَيْنَ الآيَةِ الأُولى والآيَةِ الثّانِيَةِ مُناقَضَةٌ في الظّاهِرِ، هَذا مُنْتَهى الإشْكالِ فِيما أظُنُّ.
والجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
أوَّلُها وأحْسَنُها الوَجْهُ الَّذِي لَخَّصَهُ صاحِبُ الكَشّافِ: وهو أنَّ الكُفّارَ مِنَ الفَرِيقَيْنِ؛ أهْلِ الكِتابِ وعَبَدَةِ الأوْثانِ، كانُوا يَقُولُونَ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لا نَنْفَكُّ عَمّا نَحْنُ عَلَيْهِ مِن دِينِنا، ولا نَتْرُكُهُ حَتّى (p-٣٨)يُبْعَثَ النَّبِيُّ المَوْعُودُ الَّذِي هو مَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ. وهو مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَحَكى اللَّهُ تَعالى ما كانُوا يَقُولُونَهُ، ثُمَّ قالَ: ﴿وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ يَعْنِي أنَّهم كانُوا يَعُدُّونَ اجْتِماعَ الكَلِمَةِ والِاتِّفاقَ عَلى الحَقِّ إذا جاءَهُمُ الرَّسُولُ، ثُمَّ ما فَرَّقَهم عَنِ الحَقِّ ولا أقَرَّهم عَلى الكُفْرِ إلّا مَجِيءُ الرَّسُولِ، ونَظِيرُهُ في الكَلامِ أنْ يَقُولَ الفَقِيرُ الفاسِقُ لِمَن يَعِظُهُ: لَسْتُ أمْتَنِعُ مِمّا أنا فِيهِ مِنَ الأفْعالِ القَبِيحَةِ حَتّى يَرْزُقَنِي اللَّهُ الغِنى، فَلَمّا رَزَقَهُ اللَّهُ الغِنى ازْدادَ فِسْقًا فَيَقُولُ واعِظُهُ: لَمْ تَكُنْ مُنْفَكًّا عَنِ الفِسْقِ حَتّى تُوسِرَ، وما غَمَسْتَ رَأْسَكَ في الفِسْقِ إلّا بَعْدَ اليَسارِ يُذَكِّرُهُ ما كانَ يَقُولُهُ تَوْبِيخًا وإلْزامًا، وحاصِلُ هَذا الجَوابِ يَرْجِعُ إلى حَرْفٍ واحِدٍ، وهو أنَّ قَوْلَهُ: ”لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ“ مَذْكُورَةٌ حِكايَةً عَنْهم، وقَوْلَهُ: ﴿وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ﴾ هو إخْبارٌ عَنِ الواقِعِ، والمَعْنى أنَّ الَّذِي وقَعَ كانَ عَلى خِلافِ ما ادَّعَوْا.
وثانِيها: أنَّ تَقْدِيرَ الآيَةِ، لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ وإنْ جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ. وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَزُولُ الإشْكالُ هَكَذا ذَكَرَهُ القاضِي إلّا أنَّ تَفْسِيرَ لَفْظَةِ حَتّى بِهَذا لَيْسَ مِنَ اللُّغَةِ في شَيْءٍ.
وثالِثُها: أنّا لا نَحْمِلُ قَوْلَهُ: ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ عَلى الكُفْرِ بَلْ عَلى كَوْنِهِمْ مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ بِالمَناقِبِ والفَضائِلِ والمَعْنى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ بِالمَناقِبِ والفَضائِلِ حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ، قالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أيْ حَتّى أتَتْهم، فاللَّفْظُ لَفْظُ المُضارِعِ ومَعْناهُ الماضِي، وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما تَتْلُو الشَّياطِينُ﴾ [البَقَرَةِ: ١٠٢] أيْ ما تَلَتْ، والمَعْنى أنَّهم ما كانُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ ذِكْرِ مَناقِبِهِ، ثُمَّ لَمّا جاءَهم مُحَمَّدٌ تَفَرَّقُوا فِيهِ، وقالَ كُلُّ واحِدٍ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ رَدِيًّا ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البَقَرَةِ: ٨٩] والقَوْلُ المُخْتارُ في هَذِهِ الآيَةِ هو الأوَّلُ.
وفِي الآيَةِ وجْهٌ رابِعٌ وهو أنَّهُ تَعالى حَكَمَ عَلى الكُفّارِ أنَّهم ما كانُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ إلى وقْتِ مَجِيءِ الرَّسُولِ، وكَلِمَةُ ”حَتّى“ تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الحالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلافِ ما كانَ قَبْلَ ذَلِكَ، والأمْرُ هَكَذا كانَ لِأنَّ ذَلِكَ المَجْمُوعَ ما بَقُوا عَلى الكُفْرِ بَلْ تَفَرَّقُوا فَمِنهم مَن صارَ مُؤْمِنًا، ومِنهم مَن صارَ كافِرًا، ولَمّا لَمْ يَبْقَ حالُ أُولَئِكَ الجَمْعِ بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ كَما كانَ قَبْلَ مَجِيئِهِ، كَفى ذَلِكَ في العَمَلِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ حَتّى.
وفِيها وجْهٌ خامِسٌ: وهو أنَّ الكُفّارَ كانُوا قَبْلَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ مُنْفَكِّينَ عَنِ التَّرَدُّدِ في كُفْرِهِمْ بَلْ كانُوا جازِمِينَ بِهِ مُعْتَقِدِينَ حَقِيقَتَهُ، ثُمَّ زالَ ذَلِكَ الجَزْمُ بَعْدَ مَبْعَثِ الرَّسُولِ، بَلْ بَقُوا شاكِّينَ مُتَحَيِّرِينَ في ذَلِكَ الدِّينِ وفي سائِرِ الأدْيانِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ﴾ [البَقَرَةِ: ٢١٣] والمَعْنى أنَّ الدِّينَ الَّذِي كانُوا عَلَيْهِ صارَ كَأنَّهُ اخْتَلَطَ بِلَحْمِهِمْ ودَمِهِمْ فاليَهُودِيُّ كانَ جازِمًا في يَهُودِيَّتِهِ وكَذا النَّصْرانِيُّ وعابِدُ الوَثَنِ، فَلَمّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: اضْطَرَبَتِ الخَواطِرُ والأفْكارُ وتَشَكَّكَ كُلُّ أحَدٍ في دِينِهِ ومَذْهَبِهِ ومَقالَتِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ مُشْعِرٌ بِهَذا لِأنَّ انْفِكاكَ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ هو انْفِصالُهُ عَنْهُ، فَمَعْناهُ أنَّ قُلُوبَهم ما خَلَتْ عَنْ تِلْكَ العَقائِدِ وما انْفَصَلَتْ عَنِ الجَزْمِ بِصِحَّتِها، ثُمَّ إنَّ بَعْدَ المَبْعَثِ لَمْ يَبْقَ الأمْرُ عَلى تِلْكَ الحالَةِ.
* * *
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الكُفّارُ كانُوا جِنْسَيْنِ:
أحَدُهُما: أهْلُ الكِتابِ كَفِرَقِ اليَهُودِ والنَّصارى وكانُوا كُفّارًا بِإحْداثِهِمْ في دِينِهِمْ ما كَفَرُوا بِهِ كَقَوْلِهِمْ: ”عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ“ و”المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ“ وتَحْرِيفِهِمْ كِتابَ اللَّهِ ودِينَهُ.
والثّانِي: المُشْرِكُونَ الَّذِينَ كانُوا لا يُنْسَبُونَ إلى كِتابٍ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعالى الجِنْسَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عَلى الإجْمالِ ثُمَّ أرْدَفَ ذَلِكَ الإجْمالَ بِالتَّفْصِيلِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ﴾ وهَهُنا سُؤالانِ:
(p-٣٩)السُّؤالُ الأوَّلُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ ومِنَ المُشْرِكِينَ فَهَذا يَقْتَضِي أنَّ أهْلَ الكِتابِ مِنهم كافِرٌ ومِنهم لَيْسَ بِكافِرٍ، وهَذا حَقٌّ، وأنَّ المُشْرِكِينَ مِنهم كافِرٌ ومِنهم لَيْسَ بِكافِرٍ، ومَعْلُومٌ أنَّ هَذا لَيْسَ بِحَقٍّ.
والجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: كَلِمَةُ ”مِن“ هَهُنا لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ بَلْ لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ﴾ [الحَجِّ: ٣٠] .
وثانِيها: أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، بَعْضُهم مِن أهْلِ الكِتابِ وبَعْضُهم مِنَ المُشْرِكِينَ، فَإدْخالُ كَلِمَةِ مِن لِهَذا السَّبَبِ.
وثالِثُها: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿والمُشْرِكِينَ﴾ أيْضًا وصْفًا لِأهْلِ الكِتابِ، وذَلِكَ لِأنَّ النَّصارى مُثَلِّثَةٌ واليَهُودَ عامَّتُهم مُشَبِّهَةٌ، وهَذا كُلُّهُ شِرْكٌ، وقَدْ يَقُولُ القائِلُ: جاءَنِي العُقَلاءُ والظُّرَفاءُ يُرِيدُ بِذَلِكَ قَوْمًا بِأعْيانِهِمْ يَصِفُهم بِالأمْرَيْنِ.
وقالَ تَعالى: ﴿الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ [التَّوْبَةِ: ١١٢] وهَذا وصْفٌ لِطائِفَةٍ واحِدَةٍ، وفي القُرْآنِ مِن هَذا البابِ كَثِيرٌ، وهو أنْ يُنْعَتَ قَوْمٌ بِنُعُوتٍ شَتّى، يُعْطَفُ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ بِواوِ العَطْفِ ويَكُونُ الكُلُّ وصْفًا لِمَوْصُوفٍ واحِدٍ.
السُّؤالُ الثّانِي: المَجُوسُ هَلْ يَدْخُلُونَ في أهْلِ الكِتابِ ؟ قُلْنا: ذَكَرَ بَعْضُ العُلَماءِ أنَّهم داخِلُونَ في أهْلِ الكِتابِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«سَنُوَلِّيهِمْ سُنَّةَ أهْلِ الكِتابِ» “ وأنْكَرَهُ الآخَرُونَ قالَ: لِأنَّهُ تَعالى إنَّما ذَكَرَ مِنَ الكُفّارِ مَن كانَ في بِلادِ العَرَبِ، وهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، قالَ تَعالى حِكايَةً عَنْهم: ﴿أنْ تَقُولُوا إنَّما أُنْزِلَ الكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنا﴾ [الأنْعامِ: ١٥٦] والطّائِفَتانِ هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى.
السُّؤالُ الثّالِثُ: ما الفائِدَةُ في تَقْدِيمِ أهْلِ الكِتابِ في الكُفْرِ عَلى المُشْرِكِينَ ؟ حَيْثُ قالَ: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ﴾ ؟ الجَوابُ: أنَّ الواوَ لا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، ومَعَ هَذا فَفِيهِ فَوائِدُ:
أحَدُها: أنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ فَكَأنَّ أهْلَ الكِتابِ هُمُ المَقْصُودُونَ بِالذِّكْرِ.
وثانِيها: أنَّهم كانُوا عُلَماءَ بِالكُتُبِ فَكانَتْ قُدْرَتُهم عَلى مَعْرِفَةِ صِدْقِ مُحَمَّدٍ أتَمَّ، فَكانَ إصْرارُهم عَلى الكُفْرِ أقْبَحَ.
وثالِثُها: أنَّهم لِكَوْنِهِمْ عُلَماءَ يَقْتَدِي غَيْرُهم بِهِمْ فَكانَ كُفْرُهم أصْلًا لِكُفْرِ غَيْرِهِمْ، فَلِهَذا قُدِّمُوا في الذِّكْرِ.
ورابِعُها: أنَّهم لِكَوْنِهِمْ عُلَماءَ أشْرَفُ مِن غَيْرِهِمْ فَقُدِّمُوا في الذِّكْرِ.
السُّؤالُ الرّابِعُ: لِمَ قالَ مِن أهْلِ الكِتابِ، ولَمْ يَقُلْ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى ؟ الجَوابُ: لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ﴾ يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِمْ عُلَماءَ، وذَلِكَ يَقْتَضِي إمّا مَزِيدَ تَعْظِيمٍ، فَلا جَرَمَ ذُكِرُوا بِهَذا اللَّقَبِ دُونَ اليَهُودِ والنَّصارى، أوْ لِأنَّ كَوْنَهُ عالِمًا يَقْتَضِي مَزِيدَ قُبْحٍ في كُفْرِهِ، فَذُكِرُوا بِهَذا الوَصْفِ تَنْبِيهًا عَلى تِلْكَ الزِّيادَةِ مِنَ العِقابِ.
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: هَذِهِ الآيَةُ فِيها أحْكامٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّرْعِ:
أحَدُها: أنَّهُ تَعالى فَسَّرَ قَوْلَهُ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بِأهْلِ الكِتابِ وبِالمُشْرِكِينَ، فَهَذا يَقْتَضِي كَوْنَ الكُلِّ واحِدًا في الكُفْرِ، فَمِن ذَلِكَ قالَ العُلَماءُ: الكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ واحِدَةٌ، فالمُشْرِكُ يَرِثُ اليَهُودِيَّ وبِالعَكْسِ.
والثّانِي: أنَّ العَطْفَ أوْجَبَ المُغايَرَةَ، فَلِذَلِكَ نَقُولُ: الذِّمِّيُّ لَيْسَ بِمُشْرِكٍ، وقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«غَيْرَ ناكِحِي نِسائِهِمْ ولا آكِلِي ذَبائِحِهِمْ» “ فَأثْبَتَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الكِتابِيِّ والمُشْرِكِ.
الثّالِثُ: نَبَّهَ بِذِكْرِ أهْلِ الكِتابِ أنَّهُ لا يَجُوزُ الِاغْتِرارُ بِأهْلِ العِلْمِ إذْ قَدْ حَدَثَ في أهْلِ القُرْآنِ مِثْلُ ما حَدَثَ في الأُمَمِ الماضِيَةِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ القَفّالُ: الِانْفِكاكُ هو انْفِراجُ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ وأصْلُهُ مِنَ الفَكِّ وهو الفَتْحُ (p-٤٠)والزَّوالُ، ومِنهُ فَكَكْتُ الكِتابَ إذا أزَلْتُ خَتْمَهُ فَفَتَحْتُهُ، ومِنهُ فِكاكُ الرَّهْنِ وهو زَوالُ الِانْغِلاقِ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ ألا تَرى أنَّ ضِدَّ قَوْلِهِ: انْفَكَّ الرَّهْنُ، ومِنهُ فِكاكُ الأسِيرِ وفَكُّهُ، فَثَبَتَ أنَّ انْفِكاكَ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ هو أنْ يُزِيلَهُ بَعْدَ التِحامِهِ بِهِ، كالعَظْمِ إذا انْفَكَّ مِن مَفْصِلِهِ، والمَعْنى أنَّهم مُتَشَبِّثُونَ بِدِينِهِمْ تَشَبُّثًا قَوِيًّا لا يُزِيلُونَهُ إلّا عِنْدَ مَجِيءِ البَيِّنَةِ، أمّا البَيِّنَةُ فَهي الحُجَّةُ الظّاهِرَةُ الَّتِي بِها يَتَمَيَّزُ الحَقُّ مِنَ الباطِلِ فَهي مِنَ البَيانِ أوِ البَيْنُونَةِ لِأنَّها تُبَيِّنُ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ، وفي المُرادِ مِنَ البَيِّنَةِ في هَذِهِ الآيَةِ أقْوالٌ:
الأوَّلُ: أنَّها هي الرَّسُولُ، ثُمَّ ذَكَرُوا في أنَّهُ لِمَ سُمِّيَ الرَّسُولُ بِالبَيِّنَةِ وُجُوهًا:
الأوَّلُ: أنَّ ذاتَهُ كانَتْ بَيِّنَةً عَلى نُبُوَّتِهِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ في نِهايَةِ الجِدِّ في تَقْرِيرِ النُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ، ومَن كانَ كَذّابًا مُتَصَنِّعًا فَإنَّهُ لا يَتَأتّى مِنهُ ذَلِكَ الجِدُّ المُتَناهِي، فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنْ يَكُونَ صادِقًا أوْ مَعْتُوهًا.
والثّانِي مَعْلُومُ البُطْلانِ لِأنَّهُ كانَ في غايَةِ كَمالِ العَقْلِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنَّهُ كانَ صادِقًا.
الثّانِي: أنَّ مَجْمُوعَ الأخْلاقِ الحاصِلَةِ فِيهِ كانَ بالِغًا إلى حَدِّ كَمالِ الإعْجازِ، والجاحِظُ قَرَّرَ هَذا المَعْنى، والغَزالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ نَصَرَهُ في كِتابِ المُنْقِذِ، فَإذًا لِهَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ سُمِّيَ هو في نَفْسِهِ بِأنَّهُ بَيِّنَةٌ.
الثّالِثُ: أنَّ مُعْجِزاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَتْ في غايَةِ الظُّهُورِ وكانَتْ أيْضًا في غايَةِ الكَثْرَةِ فَلِاجْتِماعِ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ جُعِلَ كَأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في نَفْسِهِ بَيِّنَةٌ وحُجَّةٌ، ولِذَلِكَ سَمّاهُ اللَّهُ تَعالى: ﴿سِراجًا مُنِيرًا﴾ [الأحْزابِ: ٤٦] . واحْتَجَّ القائِلُونَ بِأنَّ المُرادَ مِنَ البَيِّنَةِ هو الرَّسُولُ بِقَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ فَهو رَفْعٌ عَلى البَدَلِ مِنَ البَيِّنَةِ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: ”رَسُولًا“ حالٌ مِنَ البَيِّنَةِ قالُوا: والألِفُ واللّامُ في قَوْلِهِ: ﴿البَيِّنَةُ﴾ لِلتَّعْرِيفِ أيْ هو الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ عَلى لِسانِ مُوسى وعِيسى، أوْ يُقالُ: إنَّها لِلتَّفْخِيمِ أيْ هو ”البَيِّنَةُ“ الَّتِي لا مَزِيدَ عَلَيْها أوِ البَيِّنَةُ كُلُّ البَيِّنَةِ لِأنَّ التَّعْرِيفَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّفْخِيمِ وكَذا التَّنْكِيرُ وقَدْ جَمَعَهُما اللَّهُ هَهُنا في حَقِّ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَبَدَأ بِالتَّعْرِيفِ وهو لَفْظُ البَيِّنَةِ ثُمَّ ثَنّى بِالتَّنْكِيرِ فَقالَ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ هو رَسُولٌ وأيُّ رَسُولٍ، ونَظِيرُهُ ما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في الثَّناءِ عَلى نَفْسِهِ فَقالَ: ﴿ذُو العَرْشِ المَجِيدُ﴾ [البُرُوجِ: ١٥] ثُمَّ قالَ: ﴿فَعّالٌ﴾ فَنَكَّرَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ.
القَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِنَ ﴿البَيِّنَةُ﴾ مُطْلَقُ الرُّسُلِ وهو قَوْلُ أبِي مُسْلِمٍ قالَ: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿حَتّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ﴾ أيْ حَتّى تَأْتِيَهم رُسُلٌ مِن مَلائِكَةِ اللَّهِ تَتْلُو عَلَيْهِمْ صُحُفًا مُطَهَّرَةً وهو كَقَوْلِهِ: ﴿يَسْألُكَ أهْلُ الكِتابِ أنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابًا مِنَ السَّماءِ﴾ [النِّساءِ: ١٥٣] وكَقَوْلِهِ: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم أنْ يُؤْتى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ [المُدَّثِّرِ: ٥٢] .
القَوْلُ الثّالِثُ: وهو قَوْلُ قَتادَةَ وابْنِ زَيْدٍ: (البَيِّنَةُ) هي القُرْآنُ ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿أوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما في الصُّحُفِ الأُولى﴾ [طه: ١٣٣] ثُمَّ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ لا بُدَّ فِيهِ مِن مُضافٍ مَحْذُوفٍ والتَّقْدِيرُ: وتِلْكَ البَيِّنَةُ وحْيٌ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ .
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ فاعْلَمْ أنَّ الصُّحُفَ جَمْعُ صَحِيفَةٍ وهي ظَرْفٌ لِلْمَكْتُوبِ، وفي: (المُطَهَّرَةِ) وُجُوهٌ:
أحَدُها: (مُطَهَّرَةً) عَنِ الباطِلِ وهي كَقَوْلِهِ: ﴿لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٢] وقَوْلِهِ: ﴿مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾ [عَبَسَ: ١٤] .
وثانِيها: (مُطَهَّرَةً ) عَنِ الذِّكْرِ القَبِيحِ فَإنَّ القُرْآنَ يُذْكَرُ بِأحْسَنِ الذِّكْرِ ويُثْنى عَلَيْهِ أحْسَنَ الثَّناءِ.
وثالِثُها: أنْ يُقالَ: (مُطَهَّرَةً) أيْ يَنْبَغِي أنْ لا يَمَسَّها إلّا المُطَهَّرُونَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾ ﴿لا يَمَسُّهُ إلّا المُطَهَّرُونَ﴾ [الواقِعَةِ: ٧٨] .
(p-٤١)واعْلَمْ أنَّ المُطَهَّرَةَ وإنْ جَرَتْ نَعْتًا لِلصُّحُفِ في الظّاهِرِ فَهي نَعْتٌ لِما في الصُّحُفِ وهو القُرْآنُ وقَوْلُهُ: ﴿كُتُبٌ﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
(أحَدُهُما) المُرادُ مِنَ الكُتُبِ الآياتُ المَكْتُوبَةُ في الصُّحُفِ.
والثّانِي: قالَ صاحِبُ النَّظْمِ: الكُتُبُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنى الحُكْمِ: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ﴾ [المُجادَلَةِ: ٢١] ومِنهُ حَدِيثُ العَسِيفِ: ”«لَأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ اللَّهِ» “ أيْ بِحُكْمِ اللَّهِ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ أيْ أحْكامٌ قَيِّمَةٌ أمّا القَيِّمَةُ فَفِيها قَوْلانِ:
الأوَّلُ: قالَ الزَّجّاجُ: مُسْتَقِيمَةٌ لا عِوَجَ فِيها تُبَيِّنُ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ مِن قامَ يَقُومُ كالسَّيِّدِ والمَيِّتِ، وهو كَقَوْلِهِمْ: قامَ الدَّلِيلُ عَلى كَذا إذا ظَهَرَ واسْتَقامَ.
الثّانِي: أنْ تَكُونَ القَيِّمَةُ بِمَعْنى القائِمَةِ أيْ هي قائِمَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالحُجَّةِ والدَّلالَةِ، مِن قَوْلِهِمْ: قامَ فُلانٌ بِالأمْرِ يَقُومُ بِهِ إذا أجْراهُ عَلى وجْهِهِ، ومِنهُ يُقالُ لِلْقائِمِ بِأمْرِ القَوْمِ: القَيِّمُ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ نَسَبَ تِلاوَةَ الصُّحُفِ المُطَهَّرَةِ إلى الرَّسُولِ مَعَ أنَّهُ كانَ أُمِّيًّا ؟ قُلْنا: إذا تَلا مَثَلًا المَسْطُورَ في تِلْكَ الصُّحُفِ كانَ تالِيًا ما فِيها وقَدْ جاءَ في كِتابٍ مَنسُوبٍ إلى جَعْفَرٍ الصّادِقِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَقْرَأُ مِنَ الكِتابِ، وإنْ كانَ لا يَكْتُبُ، ولَعَلَّ هَذا كانَ مِن مُعْجِزاتِهِ ﷺ .
* * *
وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في هَذِهِ الآيَةِ سُؤالٌ، وهو أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في أوَّلِ السُّورَةِ أهْلَ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ، وهَهُنا ذَكَرَ أهْلَ الكِتابِ فَقَطْ، فَما السَّبَبُ فِيهِ ؟ وجَوابُهُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّ المُشْرِكِينَ لَمْ يُقَرُّوا عَلى دِينِهِمْ فَمَن آمَنَ فَهو المُرادُ ومَن لَمْ يُؤْمِن قُتِلَ، بِخِلافِ أهْلِ الكِتابِ الَّذِينَ يُقَرُّونَ عَلى كُفْرِهِمْ بِبَذْلِ الجِزْيَةِ.
وثانِيها: أنَّ أهْلَ الكِتابِ كانُوا عالِمِينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِسَبَبِ أنَّهم وجَدُوها في كُتُبِهِمْ، فَإذا وُصِفُوا بِالتَّفَرُّقِ مَعَ العِلْمِ كانَ مَن لا كِتابَ لَهُ أدْخَلَ في هَذا الوَصْفِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الجُبّائِيُّ: هَذِهِ الآيَةُ تُبْطِلُ قَوْلَ القَدَرِيَّةِ الَّذِينَ قالُوا: إنَّ النّاسَ تَفَرَّقُوا في الشَّقاوَةِ والسَّعادَةِ في أصْلابِ الآباءِ قَبْلَ أنْ تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ، والجَوابُ: أنَّ هَذا رَكِيكٌ لِأنَّ المُرادَ مِنهُ أنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِذَلِكَ وإرادَتَهُ لَهُ حاصِلٌ في الأزَلِ، أمّا ظُهُورُهُ مِنَ المُكَلَّفِ فَإنَّما وقَعَ بَعْدَ الحالَةِ المَخْصُوصَةِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالُوا: هَذِهِ الآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ الكُفْرَ والتَّفَرُّقَ فِعْلُهم لا أنَّهُ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ﴾، ثُمَّ قالَ: ﴿أُوتُوا الكِتابَ﴾ أيْ أنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ آتاهم ذَلِكَ فالخَيْرُ والتَّوْفِيقُ مُضافٌ إلى اللَّهِ، والشَّرُّ والتَّفَرُّقُ والكُفْرُ مُضافٌ إلَيْهِمْ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: المَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآيَةِ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ ﷺ أيْ: لا يَغُمَّنَّكَ تَفَرُّقُهم فَلَيْسَ ذَلِكَ لِقُصُورٍ في الحُجَّةِ بَلْ لِعِنادِهِمْ، فَسَلَفُهم هَكَذا كانُوا لَمْ يَتَفَرَّقُوا في السَّبْتِ وعِبادَةِ العِجْلِ: ﴿إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ﴾ فَهي عادَةٌ قَدِيمَةٌ لَهم.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["لَمۡ یَكُنِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ مُنفَكِّینَ حَتَّىٰ تَأۡتِیَهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ","رَسُولࣱ مِّنَ ٱللَّهِ یَتۡلُوا۟ صُحُفࣰا مُّطَهَّرَةࣰ","فِیهَا كُتُبࣱ قَیِّمَةࣱ","وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ"],"ayah":"وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَةُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق