الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: ذَكَرُوا في تَفْسِيرِهِ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ هَذا تَحْقِيقٌ لِما ذُكِرَ مِن خَلْقِ الإنْسانِ ثُمَّ رَدِّهِ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ألَيْسَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ صُنْعًا وتَدْبِيرًا، وإذا ثَبَتَتِ القُدْرَةُ والحِكْمَةُ بِهَذِهِ الدَّلالَةِ صَحَّ القَوْلُ بِإمْكانِ الحَشْرِ ووُقُوعِهِ، أمّا الإمْكانُ فَبِالنَّظَرِ إلى القُدْرَةِ، وأمّا الوُقُوعُ فَبِالنَّظَرِ إلى الحِكْمَةِ لِأنَّ عَدَمَ ذَلِكَ يَقْدَحُ في الحِكْمَةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [ص: ٢٧] . والثّانِي: أنَّ هَذا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُ وبَيْنَ خُصُومِهِ يَوْمَ القِيامَةِ بِالعَدْلِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ القاضِي: هَذِهِ الآيَةُ مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى أنَّهُ تَعالى لا يَفْعَلُ القَبِيحَ ولا يَخْلُقُ أفْعالَ العِبادِ مَعَ ما فِيها مِنَ السَّفَهِ والظُّلْمِ، فَإنَّهُ لَوْ كانَ الفاعِلُ لِأفْعالِ العِبادِ هو اللَّهَ تَعالى لَكانَ كُلُّ سَفَهٍ وكُلُّ أمْرٍ بِسَفَهٍ وكُلُّ تَرْغِيبٍ في سَفَهٍ فَهو مِنَ اللَّهِ تَعالى ومَن كانَ كَذَلِكَ فَهو أسْفَهُ السُّفَهاءِ، كَما أنَّهُ لا حِكْمَةٌ ولا أمْرٌ بِالحِكْمَةِ ولا تَرْغِيبٌ في الحِكْمَةِ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى، ومَن كانَ كَذَلِكَ فَهو أحْكَمُ الحُكَماءِ، ولَمّا ثَبَتَ في حَقِّهِ تَعالى الأمْرانِ لَمْ يَكُنْ وصْفُهُ بِأنَّهُ أحْكَمُ الحُكَماءِ أوْلى مِن وصْفِهِ بِأنَّهُ أسْفَهُ السُّفَهاءِ. ولَمّا امْتَنَعَ هَذا الوَصْفُ في حَقِّهِ تَعالى عَلِمْنا أنَّهُ لَيْسَ خالِقًا لِأفْعالِ العِبادِ والجَوابُ: المُعارَضَةُ بِالعِلْمِ والدّاعِي، ثُمَّ نَقُولُ: السَّفِيهُ مَن قامَتِ السَّفاهَةُ بِهِ لا مَن خَلَقَ السَّفاهَةَ، كَما أنَّ المُتَحَرِّكَ والسّاكِنَ مَن قامَتِ الحَرَكَةُ والسُّكُونُ بِهِ لا مَن خَلَقَهُما، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ بِالصَّوابِ، وصَلّى اللَّهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب