الباحث القرآني
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ﴾ فَفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ أرْذَلَ العُمُرِ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ: يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ، قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: السّافِلُونَ هُمُ الضُّعَفاءُ والزَّمْنى، ومَن لا يَسْتَطِيعُ حِيلَةً ولا يَجِدُ سَبِيلًا، يُقالُ: سَفَلَ يَسْفُلُ فَهو سافِلٌ وهم سافِلُونَ، كَما يُقالُ: عَلا يَعْلُو فَهو عالٍ وهم عالُونَ، أرادَ أنَّ الهَرِمَ يُخَرِّفُ ويَضْعُفُ سَمْعُهُ وبَصَرُهُ وعَقْلُهُ وتَقِلُّ حِيلَتُهُ ويَعْجِزُ عَنْ عَمَلِ الصّالِحاتِ، فَيَكُونُ أسْفَلَ الجَمِيعِ، وقالَ الفَرّاءُ: ولَوْ كانَتْ أسْفَلَ سافِلٍ لَكانَ صَوابًا، لِأنَّ لَفْظَ الإنْسانِ واحِدٌ، وأنْتَ تَقُولُ: هَذا أفْضَلُ قائِمٍ ولا تَقُولُ: أفْضَلُ قائِمِينَ، إلّا أنَّهُ قِيلَ: سافِلِينَ عَلى الجَمْعِ لِأنَّ الإنْسانَ في مَعْنى جَمْعٍ فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾ [الزُّمَرِ: ٣٣] وقالَ: ﴿وإنّا إذا أذَقْنا الإنْسانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وإنْ تُصِبْهُمْ﴾ [الشُّورى: ٤٨] .
والقَوْلُ الثّانِي: ما ذَكَرَهُ مُجاهِدٌ والحَسَنُ ثُمَّ رَدَدْناهُ إلى النّارِ، قالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: وضَعَ أبْوابَ جَهَنَّمَ بَعْضَها أسْفَلَ مِن بَعْضٍ، فَيَبْدَأُ بِالأسْفَلِ فَيَمْلَأُ وهو أسْفَلُ سافِلِينَ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فالمَعْنى ثُمَّ رَدَدْناهُ إلى أسْفَلِ سافِلِينَ إلى النّارِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ فاعْلَمْ أنَّ هَذا الِاسْتِثْناءَ عَلى القَوْلِ الأوَّلِ مُنْقَطِعٌ، والمَعْنى ولَكِنِ الَّذِينَ كانُوا صالِحِينَ مِنَ الهَرْمى فَلَهم ثَوابٌ دائِمٌ عَلى طاعَتِهِمْ وصَبْرِهِمْ عَلى ابْتِلاءِ اللَّهِ إيّاهم بِالشَّيْخُوخَةِ والهَرَمِ، وعَلى مُقاساةِ المَشاقِّ والقِيامِ بِالعِبادَةِ وعَلى تَخاذُلِ نُهُوضِهِمْ، وأمّا عَلى القَوْلِ الثّانِي فالِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ ظاهِرُ الِاتِّصالِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: غَيْرُ مَنقُوصٍ ولا مَقْطُوعٍ.
وثانِيهِما: أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أيْ لا يَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، واعْلَمْ أنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِن صِفاتِ الثَّوابِ، لِأنَّهُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وأنْ لا يَكُونَ مُنَغَّصًا بِالمِنَّةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ وفِيهِ سُؤالانِ:
الأُولى: مَنِ المُخاطَبُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَما يُكَذِّبُكَ﴾ ؟ الجَوابُ فِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ خِطابٌ لِلْإنْسانِ عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ، والمُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَما يُكَذِّبُكَ﴾ أنَّ كُلَّ مَن أخْبَرَ عَنِ الواقِعِ بِأنَّهُ لا يَقَعُ فَهو كاذِبٌ، والمَعْنى فَما الَّذِي يُلْجِئُكَ إلى هَذا الكَذِبِ.
والثّانِي: وهو اخْتِيارُ الفَرّاءِ أنَّهُ خِطابٌ مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ، والمَعْنى فَمَن يُكَذِّبُكَ يا أيُّها الرَّسُولُ بَعْدَ ظُهُورِ هَذِهِ الدَّلائِلِ بِالدِّينِ.
السُّؤالُ الثّانِي: ما وجْهُ التَّعَجُّبِ ؟ الجَوابُ: أنَّ خَلْقَ الإنْسانِ مِنَ النُّطْفَةِ وتَقْوِيمَهُ بَشَرًا سَوِيًّا وتَدْرِيجَهُ في مَراتِبِ الزِّيادَةِ إلى أنْ يَكْمُلَ ويَسْتَوِيَ، ثُمَّ تَنْكِيسَهُ إلى أنْ يَبْلُغَ أرْذَلَ العُمُرِ دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى قُدْرَةِ الخالِقِ عَلى الحَشْرِ والنَّشْرِ، فَمَن شاهَدَ هَذِهِ الحالَةَ ثُمَّ بَقِيَ مُصِرًّا عَلى إنْكارِ الحَشْرِ فَلا شَيْءَ أعْجَبُ مِنهُ.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["ثُمَّ رَدَدۡنَـٰهُ أَسۡفَلَ سَـٰفِلِینَ","إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونࣲ","فَمَا یُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّینِ"],"ayah":"فَمَا یُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق