الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى﴾
واعْلَمْ أنَّ في اتِّصالِهِ بِما تَقَدَّمَ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّ انْقِطاعَ الوَحْيِ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِأنَّهُ عَزْلٌ عَنِ النُّبُوَّةِ، بَلْ أقْصى ما في البابِ، أنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأنَّهُ حَصَلَ الِاسْتِغْناءُ عَنِ الرِّسالَةِ، وذَلِكَ أمارَةُ المَوْتِ فَكَأنَّهُ يُقالُ: انْقِطاعُ الوَحْيِ مَتى حَصَلَ دَلَّ عَلى المَوْتِ، لَكِنَّ المَوْتَ خَيْرٌ لَكَ، فَإنَّ ما لَكَ عِنْدَ اللَّهِ في الآخِرَةِ خَيْرٌ وأفْضَلُ مِمّا لَكَ في الدُّنْيا.
وثانِيها: لَمّا نَزَلَ: ﴿ما ودَّعَكَ رَبُّكَ﴾ حَصَلَ لَهُ بِهَذا تَشْرِيفٌ عَظِيمٌ، فَكَأنَّهُ اسْتَعْظَمَ هَذا التَّشْرِيفَ فَقِيلَ لَهُ: ﴿ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى﴾ أيْ هَذا التَّشْرِيفُ وإنْ كانَ عَظِيمًا إلّا أنَّ ما لَكَ عِنْدَ اللَّهِ في الآخِرَةِ خَيْرٌ وأعْظَمُ.
وثالِثُها: ما يَخْطُرُ بِبالِي، وهو أنْ يَكُونَ المَعْنى: ولَلْأحْوالُ الآتِيَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الماضِيَةِ كَأنَّهُ تَعالى وعَدَهُ بِأنَّهُ سَيَزِيدُهُ كُلَّ يَوْمٍ عِزًّا إلى عِزٍّ، ومَنصِبًا إلى مَنصِبٍ، فَيَقُولُ: لا تَظُنُّ أنِّي قَلَيْتُكَ بَلْ تَكُونُ كُلَّ يَوْمٍ يَأْتِي فَإنِّي أزِيدُكَ مَنصِبًا وجَلالًا، وهَهُنا سُؤالانِ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: بِأيِّ طَرِيقٍ يُعْرَفُ أنَّ الآخِرَةَ كانَتْ لَهُ خَيْرًا مِنَ الأُولى ؟ الجَوابُ: لِوُجُوهٍ:
أحَدُها: كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ لَهُ: إنَّكَ في الدُّنْيا عَلى خَيْرٍ لِأنَّكَ تَفْعَلُ فِيها ما تُرِيدُ، ولَكِنَّ الآخِرَةَ خَيْرٌ لَكَ لِأنّا نَفْعَلُ فِيها ما نُرِيدُ.
وثانِيها: الآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ يَجْتَمِعُ عِنْدَكَ أُمَّتُكَ إذِ الأُمَّةُ لَهُ كالأوْلادِ قالَ تَعالى: ﴿وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ (p-١٩٢)[الأحزاب: ٦] وهو أبٌ لَهم، وأُمَّتُهُ في الجَنَّةِ فَيَكُونُ كَأنَّ أوْلادَهُ في الجَنَّةِ، ثُمَّ سَمّى الوَلَدَ قُرَّةَ أعْيُنٍ، حَيْثُ حَكى عَنْهم: ﴿هَبْ لَنا مِن أزْواجِنا وذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أعْيُنٍ﴾ [الفرقان: ٧٤] .
وثالِثُها: الآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ لِأنَّكَ اشْتَرَيْتَها، أمّا هَذِهِ لَيْسَتْ لَكَ، فَعَلى تَقْدِيرِ أنْ لَوْ كانَتِ الآخِرَةُ أقَلَّ مِنَ الدُّنْيا لَكانَتِ الآخِرَةُ خَيْرًا لَكَ، لَأنَّ مَمْلُوكَكَ خَيْرٌ لَكَ مِمّا لا يَكُونُ مَمْلُوكًا لَكَ، فَكَيْفَ ولا نِسْبَةَ لِلْآخِرَةِ إلى الدُّنْيا في الفَضْلِ.
ورابِعُها: الآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى لِأنَّ في الدُّنْيا الكُفّارَ يَطْعَنُونَ فِيكَ، أمّا في الآخِرَةِ فَأجْعَلُ أُمَّتَكَ شُهَداءَ عَلى الأُمَمِ، وأجْعَلُكَ شَهِيدًا عَلى الأنْبِياءِ، ثُمَّ أجْعَلُ ذاتِي شَهِيدًا لَكَ كَما قالَ: ﴿وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح: ٢٩، ٢٨] .
وخامِسُها: أنَّ خَيْراتِ الدُّنْيا قَلِيلَةٌ مَشُوبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، ولَذّاتِ الآخِرَةِ كَثِيرَةٌ خالِصَةٌ دائِمَةٌ.
السُّؤالُ الثّانِي: لِمَ قالَ: ﴿ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ﴾ ولَمْ يُقَلْ خَيْرٌ لَكم ؟
الجَوابُ: لِأنَّهُ كانَ في جَماعَتِهِ مَن كانَتِ الآخِرَةُ شَرًّا لَهُ، فَلَوْ أنَّهُ سُبْحانَهُ عَمَّمَ لَكانَ كَذِبًا، ولَوْ خَصَّصَ المُطِيعِينَ بِالذِّكْرِ لافْتُضِحَ المُذْنِبُونَ والمُنافِقُونَ، ولِهَذا السَّبَبِ قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿كَلّا إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ وأمّا مُحَمَّدٌ ﷺ فالَّذِي كانَ مَعَهُ لَمّا كانَ مِن أهْلِ السَّعادَةِ قَطْعًا، لا جَرَمَ قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَنا﴾ [التوبة: ٤٠] إذْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلّا نَبِيٌّ وصِدِّيقٌ، ورُوِيَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ خَرَجَ لِلِاسْتِسْقاءِ ومَعَهُ الأُلُوفُ ثَلاثَةَ أيّامٍ فَلَمْ يَجِدُوا الإجابَةَ، فَسَألَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ السَّبَبِ المُوجِبِ لِعَدَمِ الإجابَةِ، فَقالَ: لا أُجِيبُكم ما دامَ مَعَكم ساعٍ بِالنَّمِيمَةِ، فَسَألَ مُوسى مَن هو ؟ فَقالَ: [ إنِّي ] أبْغُضُهُ فَكَيْفَ أعْمَلُ عَمَلَهُ، فَما مَضَتْ مُدَّةٌ قَلِيلَةٌ حَتّى نَزَلَ الوَحْيُ بِأنَّ ذَلِكَ النَّمّامَ قَدْ ماتَ، وهَذِهِ جِنازَتُهُ في مُصَلّى كَذا، فَذَهَبَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ إلى تِلْكَ المُصَلّى، فَإذا فِيها سَبْعُونَ مِنَ الجَنائِزِ، فَهَذا سَتْرُهُ عَلى أعْدائِهِ فَكَيْفَ عَلى أوْلِيائِهِ، ثُمَّ تَأمَّلْ فَإنَّ فِيهِ دَقِيقَةً لَطِيفَةً، وهي أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: ”«لَوْلا شُيُوخٌ رُكَّعٌ» “ وفِيهِ إشارَةٌ إلى زِيادَةِ فَضِيلَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَإنَّهُ تَعالى كانَ يَرُدُّ الأُلُوفَ لِمُذْنِبٍ واحِدٍ، وهَهُنا يَرْحَمُ المُذْنِبِينَ لِمُطِيعٍ واحِدٍ.
{"ayah":"وَلَلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق