الباحث القرآني

أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾، قالَ الفَرّاءُ: الطُّغْيانُ والطَّغْوى مَصْدَرانِ إلّا أنَّ الطَّغْوى أشْبَهُ بِرُؤُوسِ الآياتِ فاخْتِيرَ لِذَلِكَ وهو كالدَّعْوى مِنَ الدُّعاءِ وفي التَّفْسِيرِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّها فَعَلَتِ التَّكْذِيبَ بِطُغْيانِها، كَما تَقُولُ: ظَلَمَنِي بِجَراءَتِهِ عَلى اللَّهِ تَعالى، والمَعْنى أنَّ طُغْيانَهم حَمَلَهم عَلى التَّكْذِيبِ بِهِ هَذا هو القَوْلُ المَشْهُورُ. والثّانِي: أنَّ الطَّغْوى اسْمٌ لِعَذابِهِمُ الَّذِي أُهْلِكُوا بِهِ، والمَعْنى كَذَّبَتْ بِعَذابِها أيْ لَمْ يُصَدِّقُوا رَسُولَهم فِيما أنْذَرَهم بِهِ مِنَ العَذابِ، وهَذا لا يَبْعُدُ لِأنَّ مَعْنى الطُّغْيانِ في اللُّغَةِ مُجاوَزَةُ القَدْرِ المُعْتادِ فَيَجُوزُ (p-١٧٧)أنْ يُسَمّى العَذابُ الَّذِي جاءَهم طَغْوى لِأنَّهُ كانَ صَيْحَةً مُجاوِزَةً لِلْقَدْرِ المُعْتادِ أوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ كَذَّبَتْ بِما أُوعِدَتْ بِهِ مِنَ العَذابِ ذِي الطَّغْوى ويَدُلُّ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بِالقارِعَةِ﴾ [الحاقة: ٤] أيْ بِالعَذابِ الَّذِي حَلَّ بِها، ثُمَّ قالَ: ﴿فَأمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ﴾ [الحاقة: ٥] فَسَمّى ما أُهْلِكُوا بِهِ مِنَ العَذابِ طاغِيَةً. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذِ انْبَعَثَ أشْقاها﴾ انْبَعَثَ مُطاوِعُ بَعَثَ، يُقالُ: بَعَثْتُ فُلانًا عَلى الأمْرِ فانْبَعَثَ لَهُ، والمَعْنى أنَّهُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِسَبَبِ طُغْيانِهِمْ حِينَ انْبَعَثَ أشْقاها وهو عاقِرُ النّاقَةِ وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ واسْمُهُ قُدارُ بْنُ سالِفٍ ويُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ يُقالُ: أشْأمُ مِن قُدارٍ، وهو أشْقى الأوَّلِينَ بِفَتْوى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . والثّانِي: يَجُوزُ أنْ يَكُونُوا جَماعَةً، وإنَّما جاءَ عَلى لَفْظِ الوُحْدانِ لِتَسْوِيَتِكَ في أفْعَلِ التَّفْضِيلِ إذا أضَفْتَهُ بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ والمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ تَقُولُ: هَذانِ أفْضَلُ النّاسِ وهَؤُلاءِ أفْضَلُهم، وهَذا يَتَأكَّدُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها﴾، وكانَ يَجُوزُ أنْ يُقالَ: أشْقَوْها، كَما يُقالُ: أفاضِلُهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب