الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ مَن يُحادِدِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَأنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدًا فِيها ذَلِكَ الخِزْيُ العَظِيمُ﴾ . اعْلَمْ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الآيَةِ أيْضًا شَرْحُ أحْوالِ المُنافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قالَ أهْلُ المَعانِي: قَوْلُهُ: ”ألَمْ تَعْلَمْ“ خِطابٌ لِمَن حاوَلَ الإنْسانُ تَعْلِيمَهُ مُدَّةً وبالَغَ في ذَلِكَ التَّعْلِيمِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ، فَيُقالُ لَهُ: ألَمْ تَعْلَمْ بَعْدَ هَذِهِ السّاعاتِ الطَّوِيلَةِ والمُدَّةِ المَدِيدَةِ ؟ (p-٩٦)وإنَّما حَسُنَ ذَلِكَ لِأنَّهُ طالَ مُكْثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَهم، وكَثُرَتْ نِهاياتُهُ لِلتَّحْذِيرِ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ والتَّرْغِيبِ في طاعَتِهِ، فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿أنَّهُ مَن يُحادِدِ اللَّهَ﴾ ضَمِيرُ الأمْرِ والشَّأْنِ، والمَعْنى: أنَّ الأمْرَ والشَّأْنَ كَذا وكَذا. والفائِدَةُ في هَذا الضَّمِيرِ هو أنَّهُ لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ كَلِمَةِ ”أنَّ“ ذَلِكَ المُبْتَدَأ والخَبَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَثِيرُ وقْعٍ. فَأمّا إذا قُلْتَ: الأمْرُ والشَّأْنُ كَذا وكَذا أوْجَبَ مَزِيدَ تَعْظِيمٍ وتَهْوِيلٍ لِذَلِكَ الكَلامِ. وقَوْلُهُ: ﴿مَن يُحادِدِ اللَّهَ﴾ قالَ اللَّيْثُ: حادَدْتُهُ أيْ: خالَفْتُهُ، والمُحادَدَةُ كالمُجانَبَةِ والمُعاداةِ والمُخالَفَةِ، واشْتِقاقُهُ مِنَ الحَدِّ، ومَعْنى حادَّ فُلانٌ فُلانًا، أيْ: صارَ في حَدٍّ غَيْرِ حَدِّهِ، كَقَوْلِهِ: شاقَّهُ أيْ: صارَ في شِقٍّ غَيْرِ شِقِّهِ، ومَعْنى: ﴿يُحادِدِ اللَّهَ﴾ أيْ: يَصِيرُ في حَدٍّ غَيْرِ حَدِّ أوْلِياءِ اللَّهِ بِالمُخالَفَةِ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: المُحادَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الحَدِيدِ؛ حَدِيدِ السِّلاحِ، ثُمَّ لِلْمُفَسِّرِينَ هَهُنا عِباراتٌ: يُخالِفُ اللَّهَ، وقِيلَ: يُحارِبُ اللَّهَ، وقِيلَ: يُعانِدُ اللَّهَ، وقِيلَ: يُعادِي اللَّهَ. ثُمَّ قالَ: ﴿فَأنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: التَّقْدِيرُ: فَحَقٌّ أنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ. الثّانِي: مَعْناهُ فَلَهُ نارُ جَهَنَّمَ، وأنَّ تُكَرَّرُ لِلتَّوْكِيدِ. الثّالِثُ: أنْ نَقُولَ: جَوابُ ”مَن“ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ مَن يُحادِدِ اللَّهَ ورَسُولَهُ يَهْلِكْ؛ فَأنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ. قالَ الزَّجّاجُ: ويَجُوزُ كَسْرُ ”أنَّ“ عَلى الِاسْتِئْنافِ مِن بَعْدِ الفاءِ، والقِراءَةُ بِالفَتْحِ. ونَقَلَ الكَعْبِيُّ في ”تَفْسِيرِهِ“ أنَّ القِراءَةَ بِالكَسْرِ مَوْجُودَةٌ. قالَ أبُو مُسْلِمٍ: جَهَنَّمُ مِن أسْماءِ النّارِ، وأهْلُ اللُّغَةِ يَحْكُونَ عَنِ العَرَبِ: أنَّ البِئْرَ البَعِيدَةَ القَعْرِ تُسَمّى الجِهِنّامَ عِنْدَهم، فَجازَ في جَهَنَّمَ أنْ تَكُونَ مَأْخُوذَةً مِن هَذا اللَّفْظِ، ومَعْنى بُعْدِ قَعْرِها أنَّهُ لا آخِرَ لِعَذابِها، والخالِدُ: الدّائِمُ، والخِزْيُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنى النَّدَمِ وبِمَعْنى الِاسْتِحْياءِ، والنَّدَمُ هُنا أوْلى؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأوُا العَذابَ﴾ [يونس: ٥٤] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب