الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قاتِلُوهم يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكم ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكم عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ في الآيَةِ الأُولى: ﴿ألا تُقاتِلُونَ قَوْمًا﴾ [التَّوْبَةِ: ١٣] ذَكَرَ عَقِيبَهُ سَبْعَةَ أشْياءَ كُلُّ واحِدٍ مِنها يُوجِبُ إقْدامَهم عَلى القِتالِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ أعادَ الأمْرَ بِالقِتالِ، وذَكَرَ في ذَلِكَ القِتالِ خَمْسَةَ أنْواعٍ مِنَ الفَوائِدِ، كُلُّ واحِدٍ مِنها يَعْظُمُ مَوْقِعُهُ إذا انْفَرَدَ، فَكَيْفَ بِها إذا اجْتَمَعَتْ ؟
فَأوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ﴾ وفِيهِ مَباحِثُ:
البَحْثُ الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى سَمّى ذَلِكَ عَذابًا وهو حَقٌّ فَإنَّهُ تَعالى يُعَذِّبُ الكافِرِينَ فَإنْ شاءَ عَجَّلَهُ في الدُّنْيا، وإنْ شاءَ أخَّرَهُ إلى الآخِرَةِ.
البَحْثُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِن هَذا التَّعْذِيبِ القَتْلُ تارَةً، والأسْرُ أُخْرى، واغْتِنامُ الأمْوالِ ثالِثًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ما ذَكَرْناهُ.
فَإنْ قالُوا: ألَيْسَ أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنْفالِ: ٣٣] فَكَيْفَ قالَ هَهُنا: ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ﴾ ؟ .
قُلْنا: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ﴾ عَذابُ الِاسْتِئْصالِ، والمُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ﴾ عَذابُ القَتْلِ والحَرْبِ، والفَرْقُ بَيْنَ البابَيْنِ أنَّ عَذابَ الِاسْتِئْصالِ قَدْ يَتَعَدّى إلى غَيْرِ المُذْنِبِ، وإنْ كانَ في حَقِّهِ سَبَبًا لِمَزِيدِ الثَّوابِ، أمّا عَذابُ القَتْلِ فالظّاهِرُ أنَّهُ يَبْقى مَقْصُورًا عَلى المُذْنِبِ.
البَحْثُ الثّالِثُ: احْتَجَّ أصْحابُنا عَلى قَوْلِهِمْ بِأنَّ فِعْلَ العَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ﴾ فَإنَّ المُرادَ مِن هَذا التَّعْذِيبِ القَتْلُ والأسْرُ، وظاهِرُ النَّصِّ يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ القَتْلَ والأسْرَ فِعْلُ اللَّهِ تَعالى، إلّا أنَّهُ تَعالى يُدْخِلُهُ في الوُجُودِ عَلى أيْدِي العِبادِ، وهو صَرِيحُ قَوْلِنا ومَذْهَبِنا.
أجابَ الجُبّائِيُّ عَنْهُ فَقالَ: لَوْ جازَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ تَعالى يُعَذِّبُ الكُفّارَ بِأيْدِي المُؤْمِنِينَ لَجازَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ يُعَذِّبُ المُؤْمِنِينَ بِأيْدِي الكافِرِينَ، ولَجازَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ يُكَذِّبُ أنْبِياءَهُ عَلى ألْسِنَةِ الكُفّارِ، ويَلْعَنُ المُؤْمِنِينَ عَلى ألْسِنَتِهِمْ؛ لِأنَّهُ تَعالى خالِقٌ لِذَلِكَ، فَلَمّا لَمْ يَجُزْ (p-٤)ذَلِكَ عِنْدَ المُجْبِرَةِ، عُلِمَ أنَّهُ تَعالى لَمْ يَخْلُقْ أعْمالَ العِبادِ، وإنَّما نَسَبَ ما ذَكَرْناهُ إلى نَفْسِهِ عَلى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ مِن حَيْثُ إنَّهُ حَصَلَ بِأمْرِهِ وألْطافِهِ، كَما يُضِيفُ جَمِيعَ الطّاعاتِ إلَيْهِ بِهَذا التَّفْسِيرِ.
وأجابَ أصْحابُنا عَنْهُ فَقالُوا: أمّا الَّذِي ألْزَمْتُمُوهُ عَلَيْنا فالأمْرُ كَذَلِكَ إلّا أنّا لا نَقُولُهُ بِاللِّسانِ، كَما أنّا نَعْلَمُ أنَّهُ تَعالى هو الخالِقُ لِجَمِيعِ الأجْسامِ، ثُمَّ إنّا لا نَقُولُ: يا خالِقَ الأبْوالِ والعَذِراتِ، ويا مُكَوِّنَ الخَنافِسِ والدِّيدانِ، فَكَذا هَهُنا. وأيْضًا أنّا تَوافَقْنا عَلى أنَّ الزِّنا واللِّواطَ وسائِرَ القَبائِحِ إنَّما حَصَلَتْ بِأقْدارِ اللَّهِ تَعالى وتَيْسِيرِهِ، ثُمَّ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: يا مُسَهِّلَ الزِّنا واللِّواطِ، ويا دافِعَ المَوانِعِ عَنْها، فَكَذا هُنا، أمّا قَوْلُهُ: إنَّ المُرادَ إذَنِ الأقْدارُ فَنَقُولُ: هَذا صَرْفٌ لِلْكَلامِ عَنْ ظاهِرِهِ، وذَلِكَ لا يَجُوزُ إلّا لِدَلِيلٍ قاهِرٍ، والدَّلِيلُ القاهِرُ مِن جانِبِنا هَهُنا، فَإنَّ الفِعْلَ لا يَصْدُرُ إلّا عِنْدَ الدّاعِيَةِ الحاصِلَةِ، وحُصُولُ تِلْكَ الدّاعِيَةِ لَيْسَ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى.
وثانِيها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُخْزِهِمْ﴾ مَعْناهُ: ما يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الذُّلِّ والهَوانِ حَيْثُ شاهَدُوا أنْفُسَهم مَقْهُورِينَ في أيْدِي المُؤْمِنِينَ ذَلِيلِينَ مَهِينِينَ. قالَ الواحِدِيُّ: قَوْلُهُ: ﴿ويُخْزِهِمْ﴾ أيْ: بَعْدَ قَتْلِكم إيّاهم، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا الإخْزاءَ إنَّما وقَعَ بِهِمْ في الآخِرَةِ، وهَذا ضَعِيفٌ لِما بَيَّنّا أنَّ الإخْزاءَ واقِعٌ في الدُّنْيا.
وثالِثُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَنْصُرْكم عَلَيْهِمْ﴾ والمَعْنى أنَّهُ لَمّا حَصَلَ الخِزْيُ لَهم بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ مَقْهُورِينَ فَقَدْ حَصَلَ النَّصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ كَوْنِهِمْ قاهِرِينَ.
فَإنْ قالُوا: لَمّا كانَ حُصُولُ ذَلِكَ الخِزْيِ مُسْتَلْزِمًا لِحُصُولِ هَذا النَّصْرِ، كانَ إفْرادُهُ بِالذِّكْرِ عَبَثًا، فَنَقُولُ: لَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأنَّهُ مِنَ المُحْتَمَلِ أنْ يَحْصُلَ الخِزْيُ لَهم مِن جِهَةِ المُؤْمِنِينَ، إلّا أنَّ المُؤْمِنِينَ يَحْصُلُ لَهم آفَةٌ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَلَمّا قالَ: ﴿ويَنْصُرْكم عَلَيْهِمْ﴾ دَلَّ عَلى أنَّهم يَنْتَفِعُونَ بِهَذا النَّصْرِ والفَتْحِ والظَّفَرِ.
ورابِعُها: قَوْلُهُ: ﴿ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ خُزاعَةَ أسْلَمُوا، فَأعانَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ حَتّى نَكَّلُوا بِهِمْ، فَشَفى اللَّهُ صُدُورَهم مِن بَنِي بَكْرٍ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ مَن طالَ تَأذِّيهِ مِن خَصْمِهِ، ثُمَّ مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنهُ عَلى أحْسَنِ الوُجُوهِ فَإنَّهُ يَعْظُمُ سُرُورُهُ بِهِ، ويَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِقُوَّةِ النَّفْسِ، وثَباتِ العَزِيمَةِ.
وخامِسُها: قَوْلُهُ: ﴿ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ .
ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ: ﴿ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ مَعْناهُ أنَّهُ يَشْفِي مِن ألَمِ الغَيْظِ، وهَذا هو عَيْنُ إذْهابِ الغَيْظِ، فَكانَ قَوْلُهُ: ﴿ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ تِكْرارًا.
والجَوابُ: أنَّهُ تَعالى وعَدَهم بِحُصُولِ هَذا الفَتْحِ فَكانُوا في زَحْمَةِ الِانْتِظارِ، كَما قِيلَ: الِانْتِظارُ المَوْتُ الأحْمَرُ، فَشَفى صُدُورَهم مِن زَحْمَةِ الِانْتِظارِ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يَظْهَرُ الفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ فَهَذِهِ هي المَنافِعُ الخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ تَعالى في هَذا القِتالِ، وكُلُّها تَرْجِعُ إلى تَسْكِينِ الدَّواعِي النّاشِئَةِ مِنَ القُوَّةِ الغَضَبِيَّةِ، وهي التَّشَفِّي ودَرْكُ الثَّأْرِ وإزالَةُ الغَيْظِ، ولَمْ يَذْكُرْ تَعالى فِيها وِجْدانَ الأمْوالِ والفَوْزَ بِالمَطاعِمِ والمَشارِبِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ العَرَبَ قَوْمٌ جُبِلُوا عَلى الحَمِيَّةِ والأنَفَةِ، فَرَغَّبَهم في هَذِهِ المَعانِي لَكِنَّها لائِقَةٌ بِطِباعِهِمْ، بَقِيَ هَهُنا مَباحِثُ:
البَحْثُ الأوَّلُ: أنَّ هَذِهِ الأوْصافَ مُناسِبَةٌ لِفَتْحِ مَكَّةَ؛ لِأنَّ الَّذِي جَرى في تِلْكَ الواقِعَةِ مُشاكِلٌ لِهَذِهِ الأحْوالِ، ولِهَذا المَعْنى جازَ أنْ يُقالَ: الآيَةُ وارِدَةٌ فِيهِ.
البَحْثُ الثّانِي: الآيَةُ دالَّةٌ عَلى المُعْجِزَةِ؛ لِأنَّهُ تَعالى أخْبَرَ عَنْ حُصُولِ هَذِهِ الأحْوالِ، وقَدْ وقَعَتْ مُوافِقَةً لِهَذِهِ الأخْبارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إخْبارًا عَنِ الغَيْبِ، والأخْبارُ عَنِ الغَيْبِ مُعْجِزٌ.
(p-٥)البَحْثُ الثّالِثُ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى كَوْنِ الصَّحابَةِ مُؤْمِنِينَ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى إيمانًا حَقِيقِيًّا؛ لِأنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّ قُلُوبَهم كانَتْ مَمْلُوءَةً مِنَ الغَضَبِ، ومِنَ الحَمِيَّةِ لِأجْلِ الدِّينِ، ومِنَ الرَّغْبَةِ الشَّدِيدَةِ في عُلُوِّ دِينِ الإسْلامِ، وهَذِهِ الأحْوالُ لا تَحْصُلُ إلّا في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ.
واعْلَمْ أنَّ وصْفَ اللَّهِ لَهم بِذَلِكَ لا يَنْفِي كَوْنَهم مَوْصُوفِينَ بِالرَّحْمَةِ والرَّأْفَةِ، فَإنَّهُ تَعالى قالَ في صِفَتِهِمْ: ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ [المائِدَةِ: ٥٤] وقالَ أيْضًا: ﴿أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفَتْحِ: ٢٩] .
ثُمَّ قالَ: ﴿ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ﴾ قالَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ: هَذا مَذْكُورٌ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ جَوابًا لِقَوْلِهِ: ﴿قاتِلُوهُمْ﴾ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ﴾ لا يُمْكِنُ جَعْلُهُ جَزاءً لِمُقاتَلَتِهِمْ مَعَ الكُفّارِ، قالُوا: ونَظِيرُهُ: ﴿فَإنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ﴾ [الشُّورى: ٢٤] وتَمَّ الكَلامُ هَهُنا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقالَ: ﴿ويَمْحُ اللَّهُ الباطِلَ﴾ [الشُّورى: ٢٤] ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: يُمْكِنُ جَعْلُ هَذِهِ التَّوْبَةِ جَزاءً لِتِلْكَ المُقاتَلَةِ، وبَيانُهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا أمَرَهم بِالمُقاتَلَةِ، فَرُبَّما شَقَّ ذَلِكَ عَلى بَعْضِهِمْ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الأصَمُّ، فَإذا أقْدَمُوا عَلى المُقاتَلَةِ صارَ ذَلِكَ العَمَلُ جارِيًا مَجْرى التَّوْبَةِ عَنْ تِلْكَ الكَراهِيَةِ.
الثّانِي: أنَّ حُصُولَ النُّصْرَةِ والظَّفَرِ إنْعامٌ عَظِيمٌ، والعَبْدُ إذا شاهَدَ تَوالِيَ نِعَمِ اللَّهِ لَمْ يَبْعُدْ أنْ يَصِيرَ ذَلِكَ داعِيًا لَهُ إلى التَّوْبَةِ مِن جَمِيعِ الذُّنُوبِ.
الثّالِثُ: أنَّهُ إذا حَصَلَ النَّصْرُ والظَّفَرُ والفَتْحُ، وكَثُرَتِ الأمْوالُ والنِّعَمُ، وكانَتْ لَذّاتُهُ تُطْلَبُ بِالطَّرِيقِ الحَرامِ، فَإنَّ عِنْدَ حُصُولِ المالِ والجاهِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُها بِطَرِيقٍ حَلالٍ، فَيَصِيرُ كَثْرَةُ المالِ والجاهِ داعِيًا إلى التَّوْبَةِ مِن هَذِهِ الوُجُوهِ.
الرّابِعُ: قالَ بَعْضُهم: إنَّ النَّفْسَ شَدِيدَةُ المَيْلِ إلى الدُّنْيا ولَذّاتِها، فَإذا انْفَتَحَتْ أبْوابُ الدُّنْيا عَلى الإنْسانِ، وأرادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا عَرَفَ أنَّ لَذّاتِها حَقِيرَةٌ يَسِيرَةٌ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الدُّنْيا حَقِيرَةً في عَيْنِهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْقِباضِ النَّفْسِ عَنِ الدُّنْيا، وهَذا هو أحَدُ الوُجُوهِ المَذْكُورَةِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥ ] يَعْنِي: أنَّ بَعْدَ حُصُولِ هَذا المُلْكِ لا يَبْقى لِلنَّفْسِ اشْتِغالٌ بِطَلَبِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَعْرِفُ أنَّ عِنْدَ حُصُولِ هَذا المُلْكِ الَّذِي هو أعْظَمُ المَمالِكِ لا حاصِلَ لِلدُّنْيا، ولا فائِدَةَ في لَذّاتِها وشَهَواتِها، فَحِينَئِذٍ يُعْرِضُ القَلْبُ عَنِ الدُّنْيا، ولا يُقِيمُ لَها وزْنًا، فَثَبَتَ أنَّ حُصُولَ المُقاتَلَةِ يُفْضِي إلى المَنافِعِ الخَمْسَةِ المَذْكُورَةِ، وتِلْكَ المَنافِعُ حُصُولُها يُوجِبُ التَّوْبَةَ، فَكانَتِ التَّوْبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِتِلْكَ المُقاتَلَةِ، وإنَّما قالَ: ﴿عَلى مَن يَشاءُ﴾؛ لِأنَّ وِجْدانَ الدُّنْيا، وانْفِتاحَ أبْوابِها عَلى الإنْسانِ قَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِانْقِباضِ القَلْبِ عَنِ الدُّنْيا، وذَلِكَ في حَقِّ مَن أرادَ بِهِ الخَيْرَ، وقَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِاسْتِغْراقِ الإنْسانِ فِيها، وتَهالُكِهِ عَلَيْها، وانْقِطاعِهِ بِسَبَبِها عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمّا اخْتَلَفَ الأمْرُ عَلى الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْناهُ قالَ: ﴿ويَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ﴾ .
ثُمَّ قالَ: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ﴾ أيْ: بِكُلِّ ما يُعْمَلُ، ويُفْعَلُ في مُلْكِهِ ومَلَكُوتِهِ﴿حَكِيمٌ﴾ مُصِيبٌ في أحْكامِهِ وأفْعالِهِ.
{"ayahs_start":14,"ayahs":["قَـٰتِلُوهُمۡ یُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَیۡدِیكُمۡ وَیُخۡزِهِمۡ وَیَنصُرۡكُمۡ عَلَیۡهِمۡ وَیَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمࣲ مُّؤۡمِنِینَ","وَیُذۡهِبۡ غَیۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَیَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ"],"ayah":"وَیُذۡهِبۡ غَیۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَیَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق