الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوَلا يَرَوْنَ أنَّهم يُفْتَنُونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ ولا هم يَذَّكَّرُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَمُوتُونَ وهم كافِرُونَ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى عَذابِ الآخِرَةِ، بَيَّنَ أنَّهم لا يَتَخَلَّصُونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ عَنْ عَذابِ الدُّنْيا وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ حَمْزَةُ ”أوْ لا تَرَوْنَ“ بِالتّاءِ عَلى الخِطابِ لِلْمُؤْمِنِينَ، والباقُونَ بِالياءِ خَبَرًا عَنِ المُنافِقِينَ، فَعَلى قِراءَةِ المُخاطَبَةِ، كانَ المَعْنى أنَّ المُؤْمِنِينَ نُبِّهُوا عَلى إعْراضِ المُنافِقِينَ عَنِ النَّظَرِ والتَّدَبُّرِ، ومَن قَرَأ عَلى المُغايَبَةِ، كانَ المَعْنى تَقْرِيعَ المُنافِقِينَ بِالإعْراضِ عَنْ الِاعْتِبارِ بِما يَحْدُثُ في حَقِّهِمْ مِنَ الأُمُورِ المُوجِبَةِ لِلِاعْتِبارِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الواحِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَوْلُهُ: ﴿أوَلا يَرَوْنَ﴾ هَذِهِ ألِفُ الِاسْتِفْهامِ دَخَلَتْ عَلى واوِ العَطْفِ، فَهو مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ المُنافِقِينَ، وهو خِطابٌ عَلى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ، قالَ سِيبَوَيْهِ عَنِ الخَلِيلِ في قَوْلِهِ: (p-١٨٥)﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ [الزمر: ٢١] المَعْنى: أنَّهُ أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَكانَ كَذا وكَذا. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ذَكَرُوا في هَذِهِ الفِتْنَةِ وُجُوهًا: الأوَّلُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - يُمْتَحَنُونَ بِالمَرَضِ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ لا يَتُوبُونَ مِن ذَلِكَ النِّفاقِ ولا يَتَّعِظُونَ بِذَلِكَ المَرَضِ، كَما يَتَّعِظُ بِذَلِكَ المُؤْمِنُ إذا مَرِضَ، فَإنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَتَذَكَّرُ ذُنُوبَهُ ومَوْقِفَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَيَزِيدُهُ ذَلِكَ إيمانًا وخَوْفًا مِنَ اللَّهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِاسْتِحْقاقِهِ لِمَزِيدِ الرَّحْمَةِ والرِّضْوانِ مِن عِنْدِ اللَّهِ. الثّانِي: قالَ مُجاهِدٌ: (يُفْتَنُونَ) بِالقَحْطِ والجُوعِ. الثّالِثُ: قالَ قَتادَةُ: يُفْتَنُونَ بِالغَزْوِ والجِهادِ فَإنَّهُ تَعالى أمَرَ بِالغَزْوِ والجِهادِ فَهم إنْ تَخَلَّفُوا وقَعُوا في ألْسِنَةِ النّاسِ بِاللَّعْنِ والخِزْيِ والذِّكْرِ القَبِيحِ، وإنْ ذَهَبُوا إلى الغَزْوِ مَعَ كَوْنِهِمْ كافِرِينَ كانُوا قَدْ عَرَّضُوا أنْفُسَهَمْ لِلْقَتْلِ وأمْوالَهم لِلنَّهْبِ مِن غَيْرِ فائِدَةٍ. الرّابِعُ: قالَ مُقاتِلٌ: يَفْضَحُهم رَسُولُ اللَّهِ بِإظْهارِ نِفاقِهِمْ وكُفْرِهِمْ قِيلَ: إنَّهم كانُوا يَجْتَمِعُونَ عَلى ذِكْرِ الرَّسُولِ بِالطَّعْنِ فَكانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يَنْزِلُ عَلَيْهِ ويُخْبِرُهُ بِما قالُوهُ فِيهِ، فَكانَ يَذْكُرُ تِلْكَ الحادِثَةَ لَهم ويُوَبِّخُهم عَلَيْها، ويَعِظُهم فَما كانُوا يَتَّعِظُونَ، ولا يَنْزَجِرُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب