الباحث القرآني

أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ فَهو مَرْفُوعُ المَحَلِّ أوْ مَجْرُورُهُ عَلى وصْفِ طَعامٍ أوْ ضَرِيعٍ، وأمّا المَعْنى فَفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّ طَعامَهم لَيْسَ مِن جِنْسِ مَطاعِمِ الإنْسِ، وذَلِكَ لِأنَّ هَذا نَوْعٌ مِن أنْواعِ الشَّوْكِ والشَّوْكُ مِمّا يَرْعاهُ الإبِلُ، وهَذا النَّوْعُ مِمّا يَنْفِرُ عَنْهُ الإبِلُ، فَإذَنْ مَنفَعَتا الغِذاءِ مُنْتَفِيَتانِ عَنْهُ، وهُما إماطَةُ الجُوعِ وإفادَةُ القُوَّةِ والسِّمَنِ في البَدَنِ. وثانِيها: أنْ يَكُونَ المَعْنى: لا طَعامَ لَهم أصْلًا لِأنَّ الضَّرِيعَ لَيْسَ بِطَعامٍ لِلْبَهائِمِ فَضْلًا عَنِ الإنْسِ لِأنَّ الطَّعامَ ما أشْبَعَ وأسْمَنَ وهو مِنهُما بِمَعْزِلٍ، كَما تَقُولُ: لَيْسَ لِفُلانٍ ظِلٌّ إلّا الشَّمْسَ تُرِيدُ نَفْيَ الظِّلِّ عَلى التَّوْكِيدِ. وثالِثُها: رُوِيَ أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ قالَتْ: إنَّ الضَّرِيعَ لَتَسْمَنُ عَلَيْهِ إبِلُنا، فَنَزَلَتْ: ﴿لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ فَلا يَخْلُو إمّا أنْ يَتَعَنَّتُوا بِذَلِكَ الكَلامِ كَذِبًا فَيُرَدُّ قَوْلُهم بِنَفْيِ السِّمَنِ والشِّبَعِ، وإمّا أنْ يَصْدُقُوا فَيَكُونَ المَعْنى أنَّ طَعامَهم مِن ضَرِيعٍ لَيْسَ مِن جِنْسِ ضَرِيعِكم، إنَّما هو مِن ضَرِيعٍ غَيْرِ مُسْمِنٍ ولا مُغْنٍ مِن جُوعٍ، قالَ القاضِي: يَجِبُ في كُلِّ طَعامِهِمْ أنْ لا يُغْنِيَ مِن جُوعٍ لِأنَّ ذَلِكَ نَفْعٌ ورَأْفَةٌ، وذَلِكَ غَيْرُ جائِزٍ في العِقابِ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ وعِيدَ الكُفّارِ، أتْبَعَهُ بِشَرْحِ أحْوالِ المُؤْمِنِينَ، فَذَكَرَ وصْفَ أهْلِ الثَّوابِ أوَّلًا، ثُمَّ وصَفَ دارَ الثَّوابِ ثانِيًا، أمّا وصْفُ أهْلِ الثَّوابِ فَبِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: في ظاهِرِهِمْ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ناعِمَةٌ﴾ أيْ ذاتُ بَهْجَةٍ وحُسْنٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤] أوْ مُتَنَعِّمَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب