الباحث القرآني
والثّانِي: في باطِنِهِمْ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِسَعْيِها راضِيَةٌ﴾ وفِيهِ تَأْوِيلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهم حَمِدُوا سَعْيَهم واجْتِهادَهم في العَمَلِ لِلَّهِ؛ لِما فازُوا بِسَبَبِهِ مِنَ العاقِبَةِ الحَمِيدَةِ، كالرَّجُلِ يَعْمَلُ العَمَلَ فَيُجْزى عَلَيْهِ بِالجَمِيلِ، ويُظْهِرُ لَهُ مِنهُ عاقِبَةً مَحْمُودَةً فَيَقُولُ: ما أحْسَنَ ما عَمِلْتُ، ولَقَدْ وُفِّقْتُ لِلصَّوابِ فِيما صَنَعْتُ، فَيُثَنِي عَلى عَمَلِ نَفْسِهِ ويَرْضاهُ.
والثّانِي: المُرادُ لِثَوابِ سَعْيِها في الدُّنْيا راضِيَةٌ إذا شاهَدُوا ذَلِكَ الثَّوابَ، وهَذا أوْلى إذِ المُرادُ أنَّ الَّذِي يُشاهِدُونَهُ مِنَ الثَّوابِ العَظِيمِ يَبْلُغُ حَدَّ الرِّضا حَتّى لا يُرِيدُوا أكْثَرَ مِنهُ، وأمّا وصْفُ دارِ الثَّوابِ فاعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَها بِأُمُورٍ سَبْعَةٍ:(p-١٤١)
أحَدُها قَوْلُهُ: ﴿فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ﴾ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ هو العُلُوُّ في المَكانِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ هو العُلُوُّ في الدَّرَجَةِ والشَّرَفِ والمَنقَبَةِ، أمّا العُلُوُّ في المَكانِ فَذاكَ لِأنَّ الجَنَّةَ دَرَجاتٌ بَعْضُها أعْلى مِن بَعْضٍ، قالَ عَطاءٌ: الدَّرَجَةُ مِثْلُ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ.
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: في قَوْلِهِ: ”لا تَسْمَعُ“ ثَلاثُ قِراءاتٍ:
أحَدُها: قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِالتّاءِ عَلى الخِطابِ ”لاغِيَةً“ بِالنَّصْبِ والمُخاطَبُ بِهَذا الخِطابِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هو النَّبِيَّ ﷺ وأنْ يَكُونَ لا تَسْمَعُ يا مُخاطَبَ فِيها لاغِيَةً، وهَذا يُفِيدُ السَّماعَ في الخِطابِ كَقَوْلِهِ: ﴿وإذا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ﴾ [الإنسان: ٢٠] وقَوْلِهِ: ﴿إذا رَأيْتَهم حَسِبْتَهُمْ﴾ [الإنسان: ١٩] ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ التّاءُ عائِدَةً إلى وُجُوهِ، والمَعْنى لا تَسْمَعُ الوُجُوهُ فِيها لاغِيَةً.
وثانِيها: قَرَأ نافِعٌ بِالتّاءِ المَنقُوطَةِ مِن فَوْقُ مَرْفُوعَةً عَلى التَّأْنِيثِ ”لاغِيَةٌ“ بِالرَّفْعِ.
وثالِثُها: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو ”لا يُسْمَعُ“ بِالياءِ المَنقُوطَةِ مِن تَحْتُ مَضْمُومَةً عَلى التَّذْكِيرِ ”لاغِيَةٌ“ بِالرَّفْعِ، وذَلِكَ جائِزٌ لِوَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ هَذا الضَّرْبَ مِنَ المُؤَنَّثِ إذا تَقَدَّمَ فِعْلُهُ وكانَ بَيْنَ الفِعْلِ والِاسْمِ حائِلٌ حَسُنَ التَّذْكِيرُ، قالَ الشّاعِرُ:
؎إنِ امْرَأٌ غَرَّهُ مِنكُنَّ واحِدَةٌ بَعْدِي وبَعْدَكِ في الدُّنْيا لَمَغْرُورُ
والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِاللّاغِيَةِ اللَّغْوُ، فالتَّأْنِيثُ عَلى اللَّفْظِ والتَّذْكِيرُ عَلى المَعْنى.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِأهْلِ اللُّغَةِ في قَوْلِهِ: ﴿لاغِيَةً﴾ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ يُقالُ: لَغا يَلْغُو لَغْوًا ولاغِيَةً، فاللّاغِيَةُ واللَّغْوُ شَيْءٌ واحِدٌ، ويَتَأكَّدُ هَذا الوَجْهُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا﴾ [الواقعة: ٢٥] .
وثانِيها: أنْ يَكُونَ صِفَةً والمَعْنى لا يَسْمَعُ كَلِمَةً لاغِيَةً.
وثالِثُها: قالَ الأخْفَشُ: ”لاغِيَةً“ أيْ كَلِمَةً ذاتَ لَغْوٍ كَما تَقُولُ: فارِسٌ ودارِعٌ لِصاحِبِ الفَرَسِ والدِّرْعِ، وأمّا أهْلُ التَّفْسِيرِ فَلَهم وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ الجَنَّةَ مُنَزَّهَةٌ عَنِ اللَّغْوِ لِأنَّها مَنزِلُ جِيرانِ اللَّهِ تَعالى وإنَّما نالُوها بِالجِدِّ والحَقِّ لا بِاللَّغْوِ والباطِلِ، وهَكَذا كُلُّ مَجْلِسٍ في الدُّنْيا شَرِيفٌ مُكَرَّمٌ فَإنَّهُ يَكُونُ مُبَرَّأً عَنِ اللَّغْوِ وكُلُّ ما كانَ أبْلَغَ في هَذا كانَ أكْثَرَ جَلالَةً، هَذا ما قَرَّرَهُ القَفّالُ.
والثّانِي: قالَ الزَّجّاجُ لا يَتَكَلَّمُ أهْلُ الجَنَّةِ إلّا بِالحِكْمَةِ والثَّناءِ عَلى اللَّهِ تَعالى عَلى ما رَزَقَهم مِنَ النَّعِيمِ الدّائِمِ.
والثّالِثُ: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ يُرِيدُ لا تَسْمَعُ فِيها كَذِبًا ولا بُهْتانًا ولا كُفْرًا بِاللَّهِ ولا شَتْمًا.
والرّابِعُ: قالَ مُقاتِلٌ: لا يَسْمَعُ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ الحَلِفَ عِنْدَ شَرابٍ كَما يَحْلِفُ أهْلُ الدُّنْيا إذا شَرِبُوا الخَمْرَ، وأحْسَنُ الوُجُوهِ ما قَرَّرَهُ القَفّالُ.
الخامِسُ: قالَ القاضِي: اللَّغْوُ ما لا فائِدَةَ فِيهِ، فاللَّهُ تَعالى نَفى عَنْهم ذَلِكَ ويَنْدَرِجُ فِيهِ ما يُؤْذِي سامِعَهُ عَلى طَرِيقِ الأوْلى.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["لِّسَعۡیِهَا رَاضِیَةࣱ","فِی جَنَّةٍ عَالِیَةࣲ","لَّا تَسۡمَعُ فِیهَا لَـٰغِیَةࣰ","فِیهَا عَیۡنࣱ جَارِیَةࣱ","فِیهَا سُرُرࣱ مَّرۡفُوعَةࣱ"],"ayah":"لَّا تَسۡمَعُ فِیهَا لَـٰغِیَةࣰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق